استمرار حالة الانتظار والاستعداد لأي مواجهة مقبلة بين إسرائيل وإيران وحزب الله، فإن جميع الأطراف المعينة تتأخذ استحضاراتها وتتهئ بشكل فعال لمواجهة أي متغيرات ميدانية وإجراءات عسكرية وفق خطط وبيانات مدروسة تعمل على اختيار الوقت المناسب والمكان الذي يمكن أن يكون المنطلق الأول لبدأ المواجهة، ومن هذه الاستحضارات كانت المناورات العسكرية التي أعلن عن اقامتها الحرس الثوري الإيراني الإيراني بتاريخ 11 آب 2024 في منطقة كرمنشاه غرب إيران قرب الحدود مع العراق بهدف تعزيز الجاهزية القتالية واليقظة الميدانية، وتستمر التدريبات حتى يوم الثلاثاء المقبل، مع استمرار تصريحات القادة العسكريين بالهجوم على إسرائيل والانتقام من عملية اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس ( إسماعيل هنية).
وتأتي المناورات العسكرية الإيرانية في إطار جملة من التحركات العسكرية الإيرانية، وزيارات إلى مناطق مختلفة تابعة لسلاح الجو الإيراني في شمال وشرق وغرب البلاد، إضافة إلى إدخال منظومات أسلحة ورادارات حديثة إلى سلاح البحرية الإيرانية.
ونرى ان اختيار كرمنشاه مكانًا لانطلاق المناورات العسكرية، إنما هي رسالة تذكر إسرائيل بأن الرد الإيراني الذي انطلق في 13نيسان 2024 والذي جاء من قبل قوات الجو فضائية التابعة للحرس الثوري بعدد من الصواريخ بعيدة المدى والطائرات المسيرة تجاه العمق الإسرائيلي، كان من القاعدة العسكرية الجوية في كرمنشاه، وهذا يعني تأكيد فعلي وميداني على أن الأهداف الإيرانية ماضية في تحقيق حالة الردع المناسب وأعاده التوازن العسكري في المنطقة.
وتبقى حالة الاختيار المكاني تحدده نتائج الاجتماعات المستمرة بين أجنحة النظام الإيراني السياسية والعسكرية والأمنية وتحديد مواضع الهجوم وما ستؤول إليه نتائج الرد الإسرائيلي مع ضرورة المحافظة على قوة النظام وبقائه، بعد أن أصبحت مسألة الرد الإيراني شبه محسومة لظروف وطبيعة وتوقيت عملية الاغتيال ، فإننا نرى أن القادم سيكون ضربة إيرانية مكثفة ودقيقة محسوبة التداعيات بالتنسيق مع الوكلاء الفصائل والمليشيات المسلحة في اليمن وسوريا والعراق كتائب حزب الله اللبناني، وستكون الأهداف الاقتصادية هي الأقرب للهجمات الإيرانية باستهداف قطاعي الاتصالات محطات الكهرباء والطاقة ومخازن الوقود.
والهدف الأكبر سيكون عبر توحيد ساحات المواجهة عبر عملية مشتركة في آن واحد
بالانتقال فى المواجهات العسكرية من مرحلة الإسناد إلى مرحلة الجبهات المفتوحة بسبب العمليات الإسرائيلية التي طالت جميع المدن والمساحات في بيروت وطهران والحديدة، وتجاوزت بذلك مسأله الحفاظ على قواعد الاشتباك وتنفيذها لعمليات نوعية استهدفت قيادات سياسية عسكرية ومواقع إقتصادية عالية الاهتمام.
واطلالة أمد المواجهة العسكرية بين جميع الأطراف، نرى فيها تغيير في طبيعة الأساليب والخطط العلمية المنهجية العسكرية التي قد
تشمل إلى جانب العمليات العسكرية بأسلحة و معدات وصواريخ وطائرات مسييرة متطورة، عمليات أخرى تتمثل في الاختراق الأمني السيبرانى وتعطيل المطارات الإسرائيلية والتشويش على مراكز المعلومات الأمنية، وتوظيف جوانب الحرب النفسية إلى الداخل الإسرائيلى بالنظر إلى المخاوف التى تثيرها إجراءات الطوارئ التى فرضتها الحكومة الإسرائيلية على مواطنيها وهي إجراءات غير مسبوقة فى تاريخ إسرائيل.
وإذا ما تحققت هذه الوقائع على الميدان وتمكنت إيران من تعزيز الرد المشترك فإننا سنكون أمام مواجهة كبيرة واسعة قد تمتد إلى مناطق ومساحات إضافية ضمن الرقعة الجغرافية لمناطق المواجهة، خاصة وأن إسرائيل تؤكد دائما على امكانياتها في الرد وعلى جميع الجبهات ومن أي محور تنطلق منه المواجهة.
تُقَيم إسرائيل مستوى ونوعية الاداءو تدرك أن المعركة ستطال جميع الأهداف وبكافة انواعها ولكنها تمتلك تجربة خاضتها مع حزب الله سنة 2006 وتعلم جيدًا أن مجرد إصابة برميل من الوقود في أي منشأة للطاقة بصاروخ أو مسيرة وانبعاث المواد منه سيصل الخطر إلى ما لا يقل عن ربع مليون إنسان في حيفا والمنطقة المحيطة بها والمناطق والمواقع الاستراتيجية فيها، وتتجه العقيدة العسكرية الإيرانية نحو استخدام سياسة الرد المزدوج بتوجيه ضربات مباشرة للعمق الإسرائيلي وتوجيه شركائها ووكلائها بتنفيذ عمليات تستهدف المصالح الأمريكية فى العراق وسوريا والبحر الأحمر.
هذه هي الأوجه والاحتمالات المستجدة التي من الممكن أن تكون عاملًا اضافيًا يشعل فتيل المواجهة القادمة ويجعلها أكثر حضورًا في الميدان العسكري ويمنحها مديات واسعة للتوسع والانتشار في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة