نهاية التقارب: لماذا لم يعد الفقراء في العالم قادرين على سد الفجوة بينهم

نهاية التقارب: لماذا لم يعد الفقراء في العالم قادرين على سد الفجوة بينهم

الباحثة شذى خليل*
على مدار معظم التاريخ الحديث، كانت الدول الغنية تتفوق باستمرار على الدول الفقيرة من حيث النمو الاقتصادي، وهو اتجاه استمر منذ الثورة الصناعية. ومع ذلك، منذ منتصف التسعينيات وحتى أوائل العقد الثاني من الألفية الجديدة، شهد الاقتصاد العالمي انحرافًا ملحوظًا عن هذا النمط التاريخي. خلال هذين العقدين، بدأت الدول الأشد فقرًا في العالم تلحق بركب الدول الأكثر ثراءً، مما أدى إلى تقليل التفاوت الاقتصادي العالمي. انخفضت معدلات الفقر المدقع بشكل كبير، وتحسنت مؤشرات الصحة العامة بشكل كبير، وارتفعت مستويات التعليم بشكل ملحوظ. كان ذلك عصرًا من التقارب السريع حيث تقلصت الفجوات في الناتج المحلي الإجمالي بين الدول، وتم انتشال الملايين من براثن الفقر.
لم يكن هذا العصر الاستثنائي يعرف بتجاوزات الرأسمالية أو الأزمة المالية العالمية كما قد يجادل منتقدو العولمة، بل بالمعجزات الاقتصادية. شهد نموًا سريعًا للاقتصادات الناشئة، وتحسينات كبيرة في الصحة والتعليم، والقوة التحويلية للعولمة. ومع ذلك، في السنوات الأخيرة، بدأ هذا التقارب يتباطأ أو حتى ينقلب، مما يثير تساؤلات هامة حول استدامة هذه المكاسب ومستقبل التفاوت العالمي.
الفترة المعجزة: 1995-2015
بين عامي 1995 و2015، تغيرت الاتجاهات الاقتصادية العالمية بطريقة تحدت الديناميكيات التقليدية التي كانت تشهد نمو الدول الغنية بشكل أسرع من الدول الفقيرة. بدأت عدد كبير من الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط، وخاصة في آسيا وأفريقيا، في تحقيق نمو اقتصادي غير مسبوق. شهدت دول مثل الصين والهند وغيرها زيادة ملحوظة في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، مما قلص الفجوة في الثروة مع الاقتصادات الغربية. كانت هذه الفترة تمثل تحولًا كبيرًا في ميزان القوة الاقتصادية العالمي، حيث ساهمت الأسواق الناشئة أكثر في النمو العالمي مقارنة بالاقتصادات المتقدمة.
أحد أبرز التأثيرات المرئية لهذه الفترة كان الانخفاض الدراماتيكي في الفقر المدقع. وفقًا للبنك الدولي، تم انتشال أكثر من مليار شخص من الفقر المدقع بين عامي 1990 و2015. في الصين وحدها، خرج أكثر من 700 مليون شخص من الفقر بفضل التصنيع السريع والإصلاحات الاقتصادية والاندماج في الاقتصاد العالمي. وعلى الرغم من أن أفريقيا كانت متأخرة عن آسيا، فقد شهدت أيضًا نموًا في مناطق رئيسية ساهم في تقليل الفقر وتحسين مستويات المعيشة.
بالإضافة إلى النمو الاقتصادي، شهدت هذه الحقبة تقدمات كبيرة في مجال الصحة العامة. تكثفت الجهود العالمية لمكافحة أمراض مثل الملاريا وشلل الأطفال والسل، مما أدى إلى انخفاض كبير في معدلات الوفيات. كما انخفضت معدلات وفيات الأطفال وارتفعت معدلات متوسط العمر المتوقع في العالم النامي. التعليم أيضًا شهد توسعًا كبيرًا، حيث ارتفعت معدلات الالتحاق بالمدارس في العديد من الدول الفقيرة بفضل زيادة الاستثمار في التعليم والدعم الدولي لمبادرات مثل الأهداف الإنمائية للألفية (MDGs).
دور العولمة
لعبت العولمة دورًا حاسمًا في دفع المعجزات الاقتصادية خلال هذه الفترة. ساعد تحرير التجارة والاستثمار، إلى جانب التقدم التكنولوجي، الدول النامية على الاندماج في الاقتصاد العالمي بشكل أكثر فعالية من أي وقت مضى. أصبحت الاقتصادات الناشئة لاعبًا أساسيًا في سلاسل التوريد العالمية، خصوصًا في مجالات التصنيع والخدمات، مما وفر فرصًا جديدة للنمو الاقتصادي. استغلت دول مثل الصين والهند كثافتها السكانية وتكاليف العمالة المنخفضة لتصبح مراكز صناعية كبرى، ما عزز النمو المحلي من خلال تصدير السلع إلى الاقتصادات المتقدمة.
تدفقت الاستثمارات الأجنبية المباشرة بشكل كبير، حيث سعت الشركات متعددة الجنسيات إلى أسواق جديدة ويد عاملة أرخص في الدول النامية. ساعد هذا التدفق الرأسمالي في بناء البنية التحتية وخلق فرص عمل ونقل المعرفة والتكنولوجيا إلى الاقتصادات الناشئة. وفي الوقت نفسه، شكلت التحويلات المالية من العمال المهاجرين في الاقتصادات المتقدمة مصدرًا حيويًا للدخل لملايين الأسر في البلدان الفقيرة، مما ساهم بشكل أكبر في تقليل الفقر.
دعمت المنظمات الدولية مثل منظمة التجارة العالمية (WTO) وصندوق النقد الدولي (IMF) والبنك الدولي هذه العملية من خلال تعزيز تحرير التجارة، وتقديم المساعدة المالية، وتشجيع الإصلاحات الهيكلية. كما حددت أهداف الألفية للتنمية (MDGs)، التي تم تبنيها في عام 2000، أهدافًا طموحة لتقليل الفقر وتحسين الصحة والتعليم وتعزيز التنمية المستدامة. ساعدت هذه الجهود العالمية في خلق بيئة مناسبة لنمو وازدهار الدول النامية.
نهاية التقارب؟
ومع ذلك، يبدو أن العصر الذهبي للتقارب بين الدول الغنية والفقيرة قد تباطأ الآن، إن لم يكن قد انتهى. هناك عدة عوامل ساهمت في هذا التحول. أولًا، الأزمة المالية العالمية في 2008-2009، التي كانت تُعتبر في البداية مشكلة للاقتصادات المتقدمة، أثرت في النهاية بشدة على الدول النامية.

وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية