تناقل العالم عبر شبكات الإعلام العالمية ووسائل التواصل الاجتماعي الأحداث الميدانية التي دارت رحاها يوم الثلاثاء الموافق 17أيلول 2024 على أراضي الضاحية الجنوبية لبيروت وسهل البقاع بشرق لبنان وهما إحدى معاقل حزب الله اللبناني واستمرت مدة ساعة كاملة، والتي اعتبرت أوسع اختراق أمني للمنظومة العسكرية والسياسية لقيادة الحزب عبر عملية التفجير الكبير الذي طال أجهزة الاتصالات اللاسلكية ( البايجر) والتي تستخدم للاستدعاء الشخصي بالرسائل النصية وأدت إلى إصابة (2750) شخص ومقتل (12) أخرين.
جاءت العملية ضمن عدة مراحل اتسمت بالقدرة على جمع المعلومات عن صفقة شراء الأجهزة وجمع الوثائق واتباع الوسائل الإستخبارية للوصول على مقدار وحجم صفقة أجهزة الاتصالات ومواجهة منظومة لوجستية خاصة بحزب الله اللبناني.
بعد الأحداث التي مرت في الأراضي الفلسطينية يوم السابع من تشرين الأول 2023 وطبيعة المواجهات العسكرية والخطط الأمنية التي استخدمت فيها جميع أدوات البحث والتقصي عن القيادات الفاعلة في حركة حماس وحزب الله واستهدافهم بعمليات اغتيال واسعة كما حدث لمسؤول المكتب العسكري لحزب الله فؤاد شكر يوم الثلاثين من تموز 2024، وقبلها استهدف عضو المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري في الثاني من كانون الثاني 2024 في الضاحية الجنوبية للبنان بواسطة طائرة مسيرة، سعت قيادة حزب الله الى منع مقاتليها من استخدام الهواتف المحمولة خوفًا من عملية الاختراق والتجسس الإسرائيلي وعادوت استعمال أجهزة الاستدعاء اللاسلكية ذات الرسائل المشفرة والتي من خاصيتها عدم استخدام الانترنت بل تتلقى موجات راديو عبر محطات تقوية يتم بثها من مناطق الانتشار المطلوب تغطيتها.
كان الهدف الرئيسي من العملية تحقيق عدة أهداف أهمها شل حركة وتوجهات مقاتلي حزب الله وقطع الاتصالات بين قيادات ومقاتليه وتصعيد عمليات الاغتيال لقيادات أمنية وسياسية تعمل في المنظومة العامة لحزب الله وتحقيق سبق ونجاح أمني استخباري في تعقب توجهات وتعليمات حزب الله وضرب البيئة الميدانية لحزب الله اللبناني وتأكيد عدم قدرته حماية لبنان وشعبها، ثم ابعاده عن تقديم أي مساندة لاهالي غزة.
أن عملية الاختراق قد تمت عبر الدخول إلى إشارة لاسلكية عبر الترددات التي تستخدمها الأجهزة المصنعة لغرض أدامة الاتصال مع المقاتلين، والتي يعتقد انه تم تفخيخها وزرعها بكمية تتراوح بين 20-30غرام من مواد متفجرة وتم استلامها الارسالة قبل 5 أشهر من تنفيذ العملية وتم تفجيرها بشكل ألي عبر جهاز استقبال على موجة خاصة ورصد الحيز الترددي لتلك الأجهزة ثم استهدافها بموجات كهرومغناطيسية تحكمت بها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وهو ما اعتبر صورة من حروب الجيل الخامس الخاص بالتقنية العلمية والتكنلوجية التي أصبحت عنصر حاسم بفعل قدرتها السيبرانية واستخداماتها في توجيه الطائرات المسيرة واستعمالها في أدوات الذكاء الاصطناعي.
ووفق التصنيفات الفنية وأدوات صنع الأجهزة وما آلت اليه نتائج العملية من صفات تتعلق بمنشأ وصناعة الأجهزة، أعلنت شركة ( جولد أبوللو) التي مقرها العام في تايوان انها لم تصنع أجهزة الإرسال التي تم تفجيرها، بل تم صنعها في شركة أوربية تحمل رخصة تايوان واسمها ( شركة بي، أيه، سي كونسلتينغ) ومقرها في العاصمة الهنغارية ( بودابست).
أن العمق الإستخباري والتأثير الميداني لفعالية التفجير تمثل في المتابعة الدقيقة والمراقبة الفنية المتقدمة عبر القمر الاصطناعي ( أفق 3) الذي استخدمته إسرائيل في شهر شباط 2024 واستهداف منظومة الاتصالات بين القيادات العسكرية والأمنية وهياكلها وتنظيمات مقاتليها على الأرض ومراكز التموين ومخازن الأسلحة، والذي اعتبر من الناحية الفعلية تطور في سياق المواجهة بين إسرائيل وحزب الله اللبناني خاصة وأن الخسائر البشرية قد أصابت قيادات عليا في مجال الاتصالات والهندسة والأسلحة المتقدمة والمقاتلين المتواجدين في المواقع والخطوط الأمامية التابعة لحزب الله، مع استهداف لمراكز تجارية واسواق غذائية ومنازل سكنية وسيارات شخصية، وكان الحدث الأهم إصابة السفير الإيراني في بيروت ( مجتبي أماني).
يبقى المتحقق من هذه العملية أنها عبرت عن حقيقة الأسلوب المتقدم الذي بدأت تنفذه القوات الإسرائيلية الذي أحدث اضطرابًا واسعًا في معنويات المقاتلين وزرع الفوضى في صفوفهم وعطل عمليًا واجبات مقاتلي حزب الله وأحدث فشلًا ميدانيًا واضحًا لجهاز استخبارات الحزب وهيئة مكافحة التجسس التابعة له، مقابل الأسلوب التقليدي الذي لا تزال قيادات حزب الله تعتمدها في استخدام القوة العسكرية في المواجهة المباشرة، واعتماد معايير الرد على قاموس المواجهة في انتظار الرد الحاسم وغير التقيد بمكان وزمان لكسب ماء الوجه.
أن كلًا من إسرائيل وحزب الله لا يرغبان في عملية التصعيد وتوسيع دائرة المواجهة، والا كان في استطاعت القوات الإسرائيلية أن تشن حربها تجاه مواقع حزب الله في الجنوب اللبناني بعد فقدان الاتصال والتشويش الذي تم تحت تأثير صدمة انفجار أجهزة الاتصال وتفعيل القمر الاصطناعي آفق 3، ورغم ما أعلنته القيادات العسكرية لحزب الله عن خسارتها إلى (416) قيادي ومقاتل لديها طيلة فترة المواجهة الأخيرة مع إسرائيل، لكنها لم تعمل على توسيع دائرة المواجهة واكتفت ببعض العمليات التي طالت المواقع والمقررات الإسرائيلية في مناطق الجليل ومحيطها وبعض العمليات تجاه مواقع معينة في حيفا،وهذا ما عمل على تثبيته امين حزب الله ( حسن نصرالله) في خطابه يوم الخميس 20 آيلول 2024 بقوله ( شهدنا مستوى غير مسبوق من العدوان وتلقينا ضربة كبيرة، ولكن هذا حال الصراع وأن العدو لديه تطور تكنولوجي كبير)..
وحدة الدراسات الاقليمية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية