تسير المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على حبل مشدود رفيع جداً في إدارتها لأخطر أزمة تضرب أوروبا على مدى سنوات. وبينما تدفق أكثر من مليون لاجئ من سورية وشمال أفريقيا على ألمانيا في العام 2015، كانت السيدة ميركل حازمة في عزمها على الترحيب بهم. وقالت في خطابها في نهاية العام: “من المهم عدم اتباع أولئك الذين يريدون، ببرود -أو حتى بالكراهية في قلوبهم، احتكار الألمانية لأنفسهم وحدهم فقط واستبعاد الآخرين”.
وكان حدس السيدة ميركل صحيحاً، سواء في الاستجابة الإنسانية لموجة البؤس أو كفرصة لبناء ألمانيا أقوى. لكنها تواجه حالة عدم استقرار عميقة وخطيرة في معسكرها السياسي الخاص حول هذا التدفق. وفي المؤتمر السنوي للاتحاد الديمقراطي المسيحي في أواسط كانون الأول (ديسمبر)، قوبلت ميركل بحفاوة بالغة حين أعلنت: “إننا نريد، وسوف نعمل على خفض ملموس لعدد اللاجئين، لأن ذلك في مصلحة الجميع”. ويناقش التحالف الحاكم إجراءات يمكن أن تسفر عن سياسة أقل ترحيباً باللاجئين في العام 2016، بما في ذلك عمليات ترحيل فوري لأولئك الذين يتم اعتبارهم غير مستحقين للجوء، ووضع المزيد من العقبات أمام أولئك الذين استقروا في ألمانيا ويريدون جلب أفراد عائلاتهم إلى هناك. ومن الواضح أن السيدة ميركل أصبحت تشعر بحرارة الوضع.
وفي السويد، أيضاً، وصل الحماس الأول لمحنة اللاجئين ذروته، ثم برد. وكما كتب مراسلا صحيفة “الواشنطن بوست”، غريف ويت وأنطوني فايولا، فقد كانت السويد في طليعة الدول التي رحبت باللاجئين، بينما كانت أمواج من الناس تتحدى بحر إيجه من أجل الوصول إلى أوروبا. وقد استوعبت السويد من طالبي اللجوء، على أساس نصيب الفرد، أكثر من أي دولة أخرى في القارة. لكن حكومة يسار الوسط في السويد تقوم الآن بنشر الضوابط وتفرض رقابة جديدة على الحدود، كما تقوم بخفض المنافع بهدف إرسال إشارة واضحة للاجئين: لا تأتوا إلى هنا. وقد اعترف مسؤول سويدي بأنه، على الرغم من كرم البلد، “فإنه حتى نحن لدينا حدودنا”.
داس تدفق اللاجئين على “منطقة الشنغن” الأوروبية مفتوحة الحدود، وهو الأمر الذي دفع الدول الفردية إلى إعادة إحياء الرقابة على الحدود الداخلية التي كانت قد اختفت منذ فترة طويلة. وعلى الرغم من الوعود، اتخذ الاتحاد الأوروبي القليل من الإجراءات الملموسة للسيطرة على الحدود الخارجية للقارة، ولا يبدو من المرجح أن يفعل ذلك في المستقبل القريب أيضاً. كما لا تبدو تركيا مجهزة لوقف المد من تلقاء نفسها، على الرغم من حزمة المساعدات الكبيرة التي تلقتها من الاتحاد الأوروبي لهذه الغاية. ومن المفهوم أن يكون الشعور بفقدان السيطرة قد غذى المشاعر الرجعية في دول أوروبا، وكذلك فعلت التقارير المثيرة للقلق من المحققين، والتي تقول إن ثلاثة على الأقل من المهاجمين في اعتداء باريس يوم 13 تشرين الثاني (نوفمبر) كانوا قد سافروا على الطريق نفسها التي يسلكها اللاجئون.
مع ذلك، لا يجب أن تستسلم ألمانيا والسويد وكل أوروبا لمشاعر كراهية الأجانب المتصاعدة فيها. وطالما استمرت الحرب الأهلية السورية، فإن اللاجئين سيستمرون في القدوم، ولا تستطيع الدول الأوروبية أن تقفل أبوابها على نفسها. كما لا ينبغي أن تفعل ذلك الولايات المتحدة، التي تعاني نقصاً في الترحيب باللاجئين القادمين من سورية. ولعل الطريقة الوحيدة لوقف التدفق حقاً هي وقف الحرب هناك. ويجب أن يكون هذا هو موضع تركيز صانعي السياسة الأوروبيين والولايات المتحدة في العام 2016.
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
صحيفة الغد الأردنية