في الوقت الذي تدفع فيه سلطات الاحتلال الإسرائيلي للتصعيد وجرّ المنطقة إلى حربٍ شاملة، تحاول الحكومة العراقية برئاسة محمد شياع السوداني، النأي بالبلاد عن التورط في الحرب المحتمّلة، والسعي وراء تطوير القدرات العسكرية العراقية، خصوصاً تلك المتعلقة بالدفاعات الجوية، وسط مخاوف من هجمات «سيبرانية» قد تكون بديلاً عن الهجمات الصاروخية المعتادة. وعلى خلفية حادثة اغتيال الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني، الأسبوع الماضي، عقد السوداني اجتماعاً مع قيادات عسكرية رفيعة في العاصمة بغداد، بهدف تقييم الوضع الأمني والوقوف على مستوى جهوزية القوات الأمنية العراقية.
يجب أن تبقى الحكومة العراقية بمؤسساتها يقظة وألا تدع بعض الفصائل المسلحة الخارجة عن سيطرة الدولة تورطها في ما قد يجلب للعراق دمارا لا يتحمله بحكم ظروفه وأوضاعه الصعبة. فالقرارات في هذا الظرف اللإقليمي الخطير هي قرارات ذات طبيعة سياسية، ويجب أن تتخذ القرارات بما يخدم مصالح العراق العليا.
فمع وحشية حكومة بنيامين نتنياهو ورغبتها الجامحة في الرد دونما الخشية من أي رد فعل عربي أو إقليمي أو دولي محتمل ضدها مع دعم غير محدود من قبل الولايات المتحدة الأمريكي لها، فإن قيام بعض الفصائل العراقية على تصرفات خارج إطار الدولة العراقية، قد يعيد العراق إلى دائرة العنف المسلح من جديد ما ينتج عنه نتائج لا يحمد عقباها ولا تصب في مصلحته.
الواقع الجديد في الحرب «غير التقليدية» الذي بدأت ملامحه تتضح في أعقاب تنفيذ الإسرائيليين هجوماً «إلكترونيا» استهدف أجهزة الاتصال اللاسلكية «البيجر» في لبنان، وأدى إلى مقتل وجرح الآلاف، يحتّم على العراق أيضاً إيجاد حلول «سيبرانية» تقيه من أي هجوم مماثل داخل البلاد.
فحماية الدولة العراقية هي الغاية القصوى للحكومة العراقية وتجارب الماضي يجب أن تأخذ في عين الاعتبار وإدارتها لما يحدث في الإقليم يجب أن تتم بقرارات مسؤولة، بعيدا عن بعض الشعارات السياسية المرفوعة حاليا وكفى الشعب العراقي ما دفعه طيلة عقود الماضية من الأثمان الباهظة، وانتهى العراق الذي كان يومًا ما دولة مؤثرة في بيئته العربية والإقليمية إلى ما هو فيه الآن من وضع لا يحسد عليه وكان يستحق ما هو افضل منه بكثير.
يمكن القول إن العراق من الدول التي تؤثر وتتأثر بالاستقرار الإقليمي، حاضرًا ومستقبلًا؛ نظرًا للتداخل الكبير بين الداخل العراقي ومحيطه العربي والإقليمي، وهذا الأمر لا يحتاج إلى طرح مزيد من الأدلة؛ إذ يكفل واقع الأحداث والتطورات فـي العراق والمنطقة خلال السنوات السابقة إثبات ذلك وتأكيده، ومن المتوقّع أن تنعكس تطورات الساحة العراقية -الحالية المتوقّع حصولها فـي المستقبل القريب- السياسية والأمنية والاقتصادية على مستقبل الاستقرار فـي المنطقة، وقد يكون هذا التأثير المستقبلي متأرجحًا بين استمرار الوضع الراهن أو التأثير الإيجابي على استقرار المنطقة. تقف منطقة الشرق الأوسط أمام سيناريوهات مفتوحة بعد توسّع الحرب في لبنان وتغيير قواعد الاشتباك ومساحات النفوذ في المنطقة. لذلك على العراق ان يتحرك وفق محورين؛ وفق رؤية الدولة والحفاظ على استقرار النظام السياسي ورؤية المرجعية وتعاطيها مع المشهد، إضافة إلى موقعه الجيوسياسي وقدراته الحقيقية في قضية التعاطي مع المشهد اللبناني والفهم بما يدور في الشرق الأوسط بطريقة سياسية احترافية وفق توزيع مساحات النفوذ.