تعطي الأحداث التي تمر بمنطقة الشرق الأوسط والوطن العربي دلائل ومسارات علينا أن نتبه إليها ونعمل على تشخيصها وإيجاد الحلول المناسبة والبدائل السياسية لها، بغية الوصول إلى منعطفات جديدة بأفكار واعية وأهداف صادقة للتغلب على المآسي والآلآم التي مرت بها المنطقة وعانى منها أبناء الشعب العربي عبر العديد من الحروب والصراعات التي ما انكفأت تعمل على تأخير حالة التقدم والازدهار والنجاح وعدم استقرار الوضع الأمني والسياسي العام.
أنبثقت عن أحداث السابع من تشرين الأول 2023 تطورات ميدانية وتدخلات سياسية وأمنية إقليمية ودولية، احاطت بالوضع العربي وساهمت في تدويل القضية الفلسطينية واحتضنتها جهات وأدوات إقليمية سعت من خلالها إلى تثبيت اركان وجودها وتأثيرها على طبيعة الأوضاع التي تعيشها المنطقة ومنها الصراع العربي الإسرائيلي وحاولت أن تستغل الفرص السياسية التي سنحت لها بعد اضطراب الأحداث وتزايدت المواجهات في الأراضي الفلسطينية على تركيز أهدافها وتحقيق غاياتها، فكان المشروع الإيراني والإسرائيلي اللذان يسعيان للاستحواذ على مقدرات الأمة وتصعيد حالة المواجهة معها وتقاسم ثرواتها وضياع حقوق أبنائها.
كان واضحًا للعيان الأهداف الإيرانية التي تمتلك مشروعًا خاصًا بها، يتمثل في النفوذ والهيمنة والتمدد في العديد من عواصم الأقطار العربية، عبر تمسكها بالمبدأ القومي في إدارة مشروعها السياسي بتكريس الوجود الفارسي واستغلال الجانب الديني الذهبي في التوسع الجغرافي داخل الأقطار العربية ووهو ما تحقق في ( العراق وسوريا ولبنان واليمن)، وبدأت تنافس بل تحتك ضمن إطار التخادم المنفعي مع المشروع الأسرائيلي الذي يتصف بحالة الاستيطان والتوسع وتثبيت اركان الدولة اليهودية في المنطقة، وهذا ما شكل حالة من الصراع المتبادل بين إيران وإسرائيل للوصول إلى أقصى غاياتهما وأهدافها في منافسة مكشوفة ومعروفة للرأي العام.
ورغم وجود المعارضة السياسية للحكم القائم في إيران والتي تنشط في الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية وحرصها على إعادة هيكيلة النظام، إلا إنها تلتزم بنفس الرؤية السياسية المتأصلة في المفهوم القومي الفارسي بتأكيد أهمية الدولة قبل التعامل مع المفهوم الثوري للتغيير.
ولا يمكن أن نبتعد عن أهداف المشروع الأمريكي الغربي والصيني الروسي في ميدان المساحة الجغرافية للوطن العربي، وهي سياسات معروفة تتصف بالتنافس الاقتصادي والوجود السياسي واكتمال أدوات المصالح العليا لهذه البلدان العالمية.
أثبت الأحداث التي مرت خلال الأشهر الماضية أنه لا بد من قيام مشروع عربي سياسي واقتصادي يعمل على توحيد الرؤى التنموية والبرامج المجتمعية لكي يتفرغ أبناء المنطقة للبناء والإعمار وتحقيق الأهداف والمشاركة والتفاعل مع متطلبات التقدم العلمي والتكنولوجيا الذي يميز حياة شعوب العالم، وأن تبعد المنطقة عن المزيد من الحروب العسكرية والصراعات السياسية، وتعمل على احتضان القضية الفلسطينية ومنع أي احتواء لها من أي جهة إقليمية ذات مطامح وأهداف توسعية، على أن يتسم المشروع العربي بإرادة قومية وافكار واضحة ومبادئ راسخة ورغبة في التحول والتغيير وادراك المخاطر التي تحيط بجميع الأقطار العربية.
الانعطافة التاريخية لا تتحقق إلا بتغير للواقع السياسي الذي سيحظى باهتمام دولي وإثبات للرؤية العربية لدى الإدارة الأمريكية القادمة، بالتمسك بالدولة الوطنية وأدواتها ورعاية مصالح أبنائها ومنع الفصائل والمليشيات المسلحة من انتزاع إرادة الدولة في قرارات الحرب والسلام وأن تعمل على جعل منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي واحة للعمل المشترك والمنافع القائمة على مشاركة العالم بتصوراته حول أدوات ووسائل بناء العلاقات الدولية وتحقيق المصالح الذاتية.
أصبح المشروع العربي يمثل الهدف الاسمى والغاية الكبرى للمنظومة العربية السياسية التي تسعى لقرار موحد ورأي سديد بعد الأحداث الدامية والمأسي الكبيرة التي دفعت فيها تضحيات بشرية وموارد اقتصادية هائلة،
فكانت الدعوة التي أطرها الموقف العربي للملكة العربية السعودية بالدعوة لتحالف عربي دولي، يحتضن حقوق الشعب الفلسطيني من أجل حل الدولتين ويضعه في المسار الاستراتيجي الأول لتحقيق الخطوة الناجحة التي تتكلل بالمصادقة والحرص على إيجاد قوة دافعة عربية تثبت حضورها الدولي والإقليمي مؤكدة سعيها لخلق مشروع عربي إقليمي بمثل مبادئ السلم والبناء والتنمية الاجتماعية.
هذه القيم والمبادئ و الثوابت تمثل الحالة الإيجابية لاستعادة الدولة العربية لمكانتها وتأثيرها العالمي وقدرتها على التأثير واستعادة دورها السياسي والاقتصادي في منطقة تحظى بالاهتمام الدولي حيث منابع الطاقة ومصادرها وطرق التجارة العالمية.
تتحقق الرؤية السياسية العربية الموحدة عبر التواصل والحوار الجاد والذي بدأت تباشير خطاه واضحة للعيان من خلال الزيارات واللقاءات العربية على أعلى المستويات والتي سينبثق منها ائتلاف عربي يضم المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات والأردن لوضع استراتيجية عربية شاملة بروح العصر تتعامل مع مقتضيات ومصالح الأمة وحل أزماتها ووضع الأسس والأهداف الرصينة باستخدام الأدوات التي ترسم معالم السياسة والاقتصاد وانطلق من دبلوماسية واقعية عبر إعلام رصين وهادف يتعامل بدقة مع الأوضاع التي تعيشها المنطقة العربية، بما يؤمن سلامة المشروع العربي وديمومة نجاحه وثباته أمام الصراعات والأفكار السائدة، وأن لا تكون منطقة الشرق الاوسط ساحة للتنافس الدولي والإقليمي مما يجعل من الصعوبة تحقيق استقرار دائم دون تدخلات خارجية على الصعيدين السياسي والاقتصادي.
وحدة الدراسات العربية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية