الباحثة شذى خليل*
يبدو أن الاحتياطي الفيدرالي ماضٍ في استراتيجيته الأخيرة بتخفيض أسعار الفائدة، حيث من المحتمل أن يُعلن عن خفض آخر بمقدار ربع نقطة مئوية مع اختتام اجتماعه الأخير. يأتي هذا القرار ضمن جهود مستمرة لتحسين السياسة النقدية، خاصة مع وجود مؤشرات اقتصادية تدل على تراجع معدل التضخم وضعف سوق العمل. ومع ذلك، فإن هذه الخطوة تأتي في ظل بيئة غير مستقرة إلى حد كبير، تشمل عوامل سياسية متوترة بعد فوز دونالد ترامب المفاجئ في الانتخابات. وبينما تراقب الأسواق المالية قرارات الاحتياطي الفيدرالي عن كثب، فإن التأثيرات المحتملة على الاقتصاد تستدعي مزيداً من النظر.
توقعات السوق والمسار المحتمل لأسعار الفائدة
تتوقع الأسواق المالية بشكل شبه مؤكد أن يقوم الاحتياطي الفيدرالي بتخفيض سعر الاقتراض الأساسي بمقدار 0.25%. وهذه الخطوة تهدف إلى “إعادة التوازن” للاقتصاد في ظل وضع اقتصادي مختلط. يبدو أن الهدف الرئيسي للاحتياطي الفيدرالي هو تهدئة التضخم دون التأثير بشكل مفرط على سوق العمل.
لكن التركيز ليس على هذا الخفض بحد ذاته بقدر ما هو على الخطوات المستقبلية. يواجه جيروم باول وفريقه مسارًا غير مؤكد وهم يحاولون التعامل مع التغيرات المحتملة في السياسة الاقتصادية التي قد تتبناها إدارة ترامب، والتي تشمل تخفيضات ضريبية، وزيادة الإنفاق، وسياسات تجارية حمائية. وفيما يتوقع المحللون أن يحافظ باول على موقفه غير الحزبي، فإن تركيزه الأساسي سيكون على تقديم استقرار اقتصادي.
تأثير خفض سعر الفائدة على المستهلكين والأسواق
سيؤثر خفض الفائدة المتوقع على مجموعة من السلوكيات المالية للمستهلكين والشركات. ومع استقرار المعدل المستهدف للفائدة الفيدرالية ضمن نطاق يتراوح بين 4.75%-5.0%، ستتأثر أسواق الائتمان الاستهلاكية بشكل مباشر، بما في ذلك معدلات الفائدة على القروض العقارية وبطاقات الائتمان. وفي بيئة منخفضة الفائدة، غالباً ما تزداد حركة الاقتراض والاستثمار نتيجة لتوفر رأس مال أقل تكلفة للمستهلكين والشركات على حد سواء.
تأثير أجندة ترامب: السياسة الاقتصادية ومخاطر التضخم
إذا نفذت إدارة ترامب خططها الاقتصادية، فقد تكون تأثيراتها كبيرة. مزيج من التخفيضات الضريبية وزيادة الإنفاق والسياسات الحمائية قد يحفز النمو المحلي في البداية، لكنه قد يشعل أيضًا ضغوطًا تضخمية، مما يضيف تحديًا إضافيًا لاستراتيجية الاحتياطي الفيدرالي الحالية. وخلال فترة ترامب السابقة، ظل التضخم تحت 3%، ولكن مع تذبذب معدلات التضخم حاليًا، فإن العودة إلى الحماية الاقتصادية قد تؤدي إلى زيادة في الأسعار عبر قطاعات مختلفة.
وتساءلت كوينسي كروسبي، كبيرة المحللين الاستراتيجيين في “إل بي إل فاينانشال”، عن ما إذا كان بإمكان الاحتياطي الفيدرالي اعتبار التضخم “تحت السيطرة”. إذا زادت الضغوط التضخمية، فقد يضطر الاحتياطي الفيدرالي إلى التعامل بحذر بين خفض ورفع أسعار الفائدة حسب استقرار الاقتصاد.
توقعات الاحتياطي الفيدرالي للسوق الاقتصادية
لن تتضمن تصريحات الاحتياطي الفيدرالي تحديثًا لملخص التوقعات الاقتصادية، الذي يشمل توقعات التضخم والناتج المحلي الإجمالي ومعدلات البطالة. ومع ذلك، بحلول ديسمبر، عندما يتم تحديث هذه التوقعات، سيكون الاقتصاديون مهتمين بشكل خاص بما يسمى “المعدل النهائي” — وهو أعلى معدل في دورة الزيادات والتخفيضات الحالية.
تشير التوقعات الحالية للأسواق إلى توقف مؤقت لخفض الفائدة بعد ديسمبر، مع احتمال استئناف الخفض في عام 2025. ويُظهر مستقبل الفائدة استقرارها بين 3.75%-4.0% بنهاية عام 2025، وهو ما يعكس التفاؤل الحذر بشأن استقرار الاقتصاد.
ما ينتظرنا: تجاوز حالة عدم اليقين الاقتصادي
يمثل خفض أسعار الفائدة استراتيجية توازن، حيث يحاول الاحتياطي الفيدرالي توجيه الاقتصاد خلال أوقات غير مستقرة. مع ضعف سوق العمل وتراجع التضخم والمشهد السياسي المتغير، يواجه باول وزملاؤه تحديًا معقدًا في تحديد المسار الطويل الأمد لأسعار الفائدة. إذا أعادت سياسات ترامب إشعال الضغوط التضخمية، فقد يجد الاحتياطي الفيدرالي نفسه بحاجة إلى تعديل استراتيجيته الحالية، مما يضيف مستوى إضافيًا من التعقيد.
في الختام، على الرغم من التوقعات بإعلان خفض الفائدة بربع نقطة، فإن استراتيجيات الاحتياطي الفيدرالي المستقبلية ستكون محور الاهتمام في الأسواق وبين المستثمرين. ويظل التوازن بين دعم الاقتصاد والسيطرة على التضخم هشًا، وستكون قرارات الاحتياطي الفيدرالي خلال الأشهر القادمة حاسمة في تحديد مسار الاقتصاد الأميركي في مواجهة حالة عدم اليقين الاقتصادي والسياسي.
وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية