أعاد عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض إشعال التوترات التجارية مع الصين. فقد فُرضت رسوم جمركية على السلع الصينية – بدءًا من المعادن وصولًا إلى المنتجات المرتبطة بتجارة الفنتانيل – لتصل إلى أعلى مستوياتها منذ عقود. كما ضغطت واشنطن على أوروبا وشركائها في آسيا لتقييد وصول الصين إلى سلاسل التوريد. ونتيجة لذلك، تراجعت الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة بنحو 25% في الأشهر الأخيرة، وانخفضت حصة السوق الأمريكية من إجمالي الصادرات الصينية من 15% إلى 10% فقط.
ورغم هذا الانخفاض الحاد، لا تزال التجارة الصينية قوية. فقد نمت الصادرات الإجمالية بنسبة 6% على أساس سنوي بين يونيو وأغسطس 2025، حيث عوضت الأسواق الجديدة خسائر السوق الأمريكية. فقد ارتفعت الشحنات إلى إفريقيا بمعدل الثلث، وزاد الطلب في أسواق رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) بنسبة 20%، بينما ارتفعت واردات أوروبا بما يقارب 10%. واليوم تستوعب أوروبا أكثر من 60% من السلع الصينية مقارنة بالولايات المتحدة، ما يشير إلى تحول جذري في تدفقات التجارة العالمية.
كان لمبادرة الحزام والطريق (BRI) دور محوري في هذه المرونة. ففي النصف الأول من عام 2025 وحده، بلغ حجم نشاط المبادرة 120 مليار دولار، خُصص نحو نصفها لمشاريع في إفريقيا بمجالات البنية التحتية والطاقة. وقد عززت هذه العقود الصادرات الصينية بشكل مباشر، حيث سجلت نيجيريا ومصر وجنوب إفريقيا زيادات كبيرة في واردات المعدات والآلات الصينية. كما أن اتفاقيات تبادل العملات مع الاقتصادات الإفريقية تؤكد سعي بكين إلى تدويل اليوان وتعميق التكامل المالي.
كما تعزز الصين حضورها في سلاسل التوريد الإقليمية. فقد ارتفعت صادرات الإلكترونيات والآلات إلى دول آسيان مثل تايلاند وفيتنام بأكثر من 40%، مدفوعة جزئيًا بتسريع الشحنات قبل فرض الرسوم الجديدة، وجزئيًا بإستراتيجية نقل الإنتاج الصيني إلى جنوب شرق آسيا. هذا التحول البنيوي يضمن بقاء الشركات الصينية جزءًا لا يتجزأ من سلاسل القيمة العالمية على الرغم من القيود الغربية.
في المقابل، تتجه أمريكا الشمالية نحو المزيد من الحماية الاقتصادية. فقد فرضت المكسيك، تحت ضغط من واشنطن، رسومًا جديدة على السيارات والمنسوجات والبلاستيك الصينية لحماية صناعاتها المحلية. ورغم أن هذا قد يرضي المطالب الأمريكية، فإنه يعكس انسحابًا إلى ما يُسمى “قلعة أمريكا الشمالية”. تاريخيًا، مثل هذه العزلة – على غرار انطواء الصين خلال عهد أسرة مينغ – أدت إلى ركود اقتصادي بدلاً من القوة.
تشير البيانات إلى نتيجة واضحة: التدابير التجارية الأمريكية تضعف التدفقات الثنائية لكنها تفشل في تعطيل الزخم العالمي للصين. ومن خلال تنويع شركائها، وتوسيع مبادرة الحزام والطريق، وترسيخ دورها في سلاسل التوريد، تواصل الصين الازدهار. أما الولايات المتحدة، فإن بناء الجدران قد يكون أكثر كلفة من بناء الجسور.
وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية
