تركيا … حزب الشعب الجمهوري وتحديات المرحلة

تركيا … حزب الشعب الجمهوري وتحديات المرحلة

حزب الشعب الجمهوري

معمر فيصل خولي

تاريخيا، سيطرة حزب الشعب الجمهوري الذي أسسه كمال أتاتورك في عام 1923م، – وهو أقدم حزب سياسي في تاريخ تركيا المعاصرة- على مقاليد الدولة التركية المعاصرة حتى وفاته في ترين الثاني/ نوفمبر عام 1938م. وقد اسند لهذا الحزب مهمة المحافظة على الطابع الجمهوري، والعلماني، والقومي، ومركزية الدولة، والشعب، والثورة.

 وبعد وفاته، انتخب عصمت اينونو زعيمًا للحزب وكانت تركيا حتى عام1946م دولة الحزب الله الحزب الوحيد كما هو متعارف عليه في النظم السياسية، لكن الأمر اختلف تمامًا، حيث اعتمد تركيا في ذلك العام التعددية الحزبية، وعلى ضوء تلك التعددية انشق مجموعة من عناصر الحزب عنه ومنهم جلال بايار وعدنان مندريس ليؤسسوا الحزب الديمقراطي، وتمكن هذا الحزب مع أول انتخابات نيابية تجري في الدولة التركية المعاصرة من الفوز بالانتخابات والحاق الهزيمة بحزب الشعب الجمهوري.

واستمر حزب الديمقراطي في إدارة الدولة التركية عقدا من الزمان وتحديدًا ما بين عامي 1950- 1960م  وهو عام  الذي شهدت فيه تركيا أول انقلاب عسكري بقيادة جمال جورسيل بذريعة الحفاظ على المبادىء الكمالية، لينهي بذلك تجربة الحزب الديمقراطي في الحكم إما باعدام بعض مؤسسيه والذي كان رئيسًا للوزراء كعدنان مندريس أو السجن بالحكم المؤبد لرئيس الدولة التركية جلال بايار.

 ومنذ ستينيات القرن الماضي وحتى نهاية الألفية الثانية  لم يتمكن حزب الشعب الجهموري من تأسيس حكومة منفردة وإنما حكومات إئتلافبة وهي حكومات نظرًا لطبيعة تشكليها حكومات ضعيفة ترحل بسرعة.

ومع بداية الألفية الجديدة حافظ حزب الشعب الجمهوري على وجوده في مجلس النواب التركي كأحد الأحزاب السياسية المعارضة لسياسات الحكومات التركية المتعاقبة في مجلس النواب التركي كحارس وحامي لمبادي الكمالية.

 واليوم، يعيش الحزب في الوقت الحاضر وخاصة بعد ما قضت محكمة مدنية في اسطنبول – قبل عدة أيام-  في إلغاء نتائج مؤتمر الحزب الشعب في اسطنبول التي تعد من أكبر فروعه الحزبية في الدولة التركية. حيث قضت المحكمة في عزل رئيس الفرع أوزغور تشليك وأعضاء فرع الحزب، وعينت المحكمة إدارة مؤقتة للحزب.

وعلى خلفية ذلك الحكم الذي يعد حكمًا بدائيًا يمكن الطعن فيه، وقعت اشتباكات عنيفة بالقرب من مقر حزب الشعب الجمهوري بإسطنبول، وكان من الممكن أن تتصاعد تلك الاشتباكات وتأخذ منحنى خطير لولا تدخل قوات الأمن التي نشرت فرق مكافحة الشغب للسيطرة لتفريق المحتجين.

لكن الأخطر الذي ينتظر حزب الشعب الجمهوري في 15 الشهر، إذا اصدرت المحكمة في أنقرة حكما يقضي في بطلان نتائج الانتخابات العامة للحزب والتي اجريت في عام 2023م، ويتم تعيين لجنة مؤقتة له ومن بينهم كمال كلجدار أوغلو.

قد ترى المعارضة في هذا الحكم في حال صدوره،  ان الحكومة التركية ممثلة بحزب العدالة والتنمية تعمل على تسييس القضاء التركي بما يخدم جدول أعمالها السياسي، ومن جانب آخر سيزيد من الانقسامات داخل حزب الشعب الجمهوري مما يضعف  من حضوره وتأثيره على خارطة الأحزاب السياسية في تركيا، والسؤال الذي يطرح في هذا السياق هل بوسع الحزب من تجاوز أزماته القانونية والداخلية ليتمكن في منافسة حزب العدالة والتنمية في الاستحقاقات الدستورية القادمة وعلى رأسها  الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في عام 2028م ؟ ويرفض أن يكون مصيره كمصير العديد من الأحزاب السياسية التي اختفت عن المشهد الحزبي في تركيا ومنها  حزب الطريق القويم” تانسو تشيلر” وحزب الوطن الأم ” مسعود يلمز” أم أن تلك الأزمات ستكون بداية النهاية لهذا الحزب التاريخي؟

وحدة الدراسات التركية 

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية