اياد العناز
تستمر الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل في اعتماد خطط وأساليب ميدانية لأحكام طوق الحصار الاقتصادي على إيران عبر عديد من الإجراءات والفعاليات السياسية والاقتصادية والأمنية التي تضعف التحرك والتوجه الإيراني وتساهم في عملية تعزيز الفعل الميداني لتنفيذ الشروط الأمريكية بالعودة للتفاوض والحوار الدبلوماسي والتعامل الجاد مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية والاستماع إلى ما تطالب به دول الترويكا الأوروبية ( ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) في سعيها لابعاد إيران عن أي نشاطات نووية تؤدي إلى إنتاجها للقنبلة النووية مع تعزيز فعالية سياسية ( آلية الزناد) ومراجعة مدى الالتزام الفعلي الذي وافقت عليه القيادة الإيرانية في اتفاقية العمل الشاملة المشتركة المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني والتي تم التوقيع عليها بحضور مجموعة (5+1) في 15 تموز 2015.
تعمل الإدارة الأمريكية على استثمار الاتفاق الأذربيجاني الأرميني الذي تم التوقيع عليه بحضور الرئيس الأميركي دونالد ترمب بإحدى قاعات البيت الأبيض في 8 آب 2025، بانشاء معبر يربط بين شطري أذربيجان من جهة وبين تركيا ودول آسيا الوسطى من جهة أخرى، مما يؤدي إلى تهديد المصالح والأهداف الاقتصادية الإيرانية في هذه البقعة المهمة من العالم والتي تتحكم بالممرات البرية وتربط الصين وروسيا بطرق التجارة الدولية.
والجانب الثاني المتعلق بسياسة الضغط القصوى التي تستخدمها الإدارة الأمريكية في فرض شروطها ومراقبة مدى الالتزام الأيراني بالعلاقة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية والسماح لمفتشيها بالعودة للأراضي الإيرانية وممارسة الرقابة الدائمة ونصب كاميرات المراقبة في المواقع والمنشآت النووية وتعزيز فاعليتها بالاستجابة لكل الأسئلة وتقديم التوضيحات المطلوبة من الوكالة الوطنية الإيرانية للطاقة الذرية.
ثم الجهد الأمريكي في تطوير العلاقة مع باكستان أثناء زيارة وزير الدفاع الباكستاني ( عاصم منير) لواشنطن في منتصف شهر آب 2025، والذي تمخض عنه اتفاقاً اقتصاديًا استراتيجيًا يتضمن قيام الشركات الأمريكية باستثمارات واسعة في مجال التنقيب عن النفط واستخراجها في ولاية بلوشستان الباكستانية، وتعزيزه باتفاق أمني باعتبار جماعة ( جيش العدل) التي تعارض الحكومة الباكستانية منظمة إرهابية.
يشكل الاتفاق الأمريكي الباكستاني حلقة أخرى من عملية الطوق الاقتصادي على إيران وينهي الحلم الإيراني باستكمال خطوط نقل الغاز الذي يمر عبر الولاية الباكستانية باتجاه الهند ثم الصين، وتكوين نظام سياسي إقليمي يُبعد إيران وشركائها عنه ويساهم في التأثير على الطموح الإيراني وكبح أهدافه وغاياته، ويجعل إيران أكثر عزلة وعدم مقدرة لفرض ارادتها في المنطقة، والتي من الممكن أن تحولها من قوة للاقتدار إلى قوة من اليأس والصبر المر.
أما حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ترى أن الظروف ملائمة والمتغيرات السياسية مستمرة وقائمة لتغيير نظام الحكم الإيراني وعدم وجود قناعة راسخة بإمكانية تغيير السلوك والتوجه الإيراني في تعامله مع واقع الحال في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي، وأن القيادة الإيرانية لا زالت مستمرة في اتباع سياسة الغموض النووي بعدم استجابتها لكل المبادرات والحوارات الأمريكية والاوربية بضرورة الإفصاح الحقيقي عن مكان وجود 400،11 كغم من اليورانيوم المخصب بنسبة 60٪ والذي بينت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إمكانية تحويله إلى نسبة 90٪ وصنع عدد من القنابل النووية خلال أشهر عديدة.
أن التوجه الأمريكي لايزال يرى في إيران خطرًا سياسيًا يهدد الأمن الإقليمي والاهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الخليج العربي وهو ما أشار إليه وزير الخارجية ( مارو روبيو) في زيارته لإسرائيل في 14 آيلول 2025 وأكد على ضرورة استمرار سياسة الضغط الأقصى في التعامل مع التوجهات الإيرانية وودعم التحرك الأوربي في تنفيذ ( آلية الزناد)،
وتعتبر العلاقة مع أذربيجان إحدى الأدوات المهمة على الصعيد السياسي والاستخباري في زيادة زخم الضغط الاستراتيجي على إيران عبر الإشراف الأمريكي الإسرائيلي المشترك على الطرق والممرات التي تسعى إلى إنشائها وتحديد مساراتها، فالعمل مستمر في ممر (زنغروز) داخل الأراضي الأرمينية، وهناك أعمال كبيرة لتفعيل الممر بطول 50 كيلومتر في مقاطعة سونيك لمنع اتصال إيران بروسيا عبر أرمينيا.
يعتبر ممر( زنغزور) الذي يربط الأراضي الأذربيجانية بإقليم نخجوان عبر الأراضي الإيرانية، والذي بموجبه تم تعطيل ممر ( أراس) والذي سبق وأن اقترحته إيران كبديل لممر زنغزور ورأت فيه خيارًا للنقاش بين تركيا وأذربيجان وأرمينيا والتعامل معه على أنه امتداد جنوبي لممر زنغزور، مما يسمح لإيران أن تكون طرفًا مشاركًا فيه، ومن الممكن أن تساعدها الصين في مقترحها لأنها تشعر أن الجهود الأمريكية لإنشاء ممر زنغزور يشكل تهديدًا لمبادرة الحزام والطريق، وهي بداية لتعاون صيني روسي إيراني لإنشاء ممرات بديلة خارج السيطرة والتواجد الأمريكي،كما أن الدعوة لتنفيذ مشروع خط (نخجوان – جلفا ) سيمكن إيران من الوصول إلى أرمينيا والبحر الأسود عبر شبكة السكك الحديدية.
يشكل نهر آراس جزءًا من الحدود الجنوبية لأذربيجان مع إيران،
ويلعب النهر دورًا استراتيجيًا في المنطقة، مما يجعله موقعًا مناسبًا لإقامة مشاريع بنية تحتية مثل الجسور، وهو نهر يقع في بلدان تركيا وأرمينيا وأذربيجان وإيران، ويعتبر من أكبر أنهار القوقاز نظرًا لطوله الكلي البالغ (1،072) كيلومتر.
جميع هذه التحركات الأمريكية والأهداف الإسرائيلية تعمل على استحكام عملية التطويق الاقتصادي وتعميق أزمات النظام الإيراني والسعي لتفكيك النفوذ والهيمنة الإيرانية في الإقليم، كما أن العلاقة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية ورغم الاتفاق الأخير الذي وقع في القاهرة إلا أن العلاقة تبقى في حالة من الشد والجذب بين الطرفين، وأن الإيرانيين لا يثقون بدورها وما تقدمه من تقارير بعد الهجمات الأمريكية الإسرائيلية على منشآتها النووية التي رات فيها ذريعة ساعدت على تنفيذ الضربات الجوية.
أما على صعيد العلاقات الدولية الإيرانية، فقد وصفت وزارة الخارجية الإيرانية الاتهامات التي وردت في البيان الذي أصدرته مجموعة الدول السبع (أميركا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا وكندا واليابان) وشركاء للمجموعة بينهم أستراليا ونيوزيلندا،بتاريخ 12 آيلول 2025 (بغير المسؤولة وبأنها ادعاءات كاذبة) حيث أوضح البيان أن الاستخبارات الإيرانية (حاولت خلال السنوات الأخيرة تنفيذ عمليات خطف ومضايقة بل حتى اغتيال معارضين سياسيين في مناطق مختلفة من العالم، في انتهاك لسيادة الدول).
وعملت إيران على اتخاذ خطوات عملية في السماح لمساعد المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية ( ماسيو آبارو) بزيارة إيران وتحقيق عدة لقاءات من الحوار المتبادل مع قيادات سياسية عليا والوكالة الوطنية الإيرانية للطاقة الذرية والتأكيد على المسار التفاوضي الذي أدى اتفاق شامل بين وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي ورئيس الوكالة الدولية رافائيل غروسي بحضور وزير الخارجية المصري في 9 آيلول 2025 بالعاصمة المصرية ( القاهرة).
وجاءت الإجراءات الإيرانية بالتعامل الجاد مع الدعوات الأوربية والعربية بعد عدة مناشدات داخلية بقيام (500) أكاديمي بتوجية رسالة للرئيس الإيراني مسعود بزشكيان تدعو لتغيير الخطاب والنهج السياسي والحوار الدبلوماسي والذي تزامن مع دعوات الرئيس السابق حسن روحاني للتغيير، وما نشره وزير الخارجية الإيراني الأسبق محمد جواد ظريف في مقال له بمجلة (فورين بوليسي) بتاريخ 25 أب 2025 ذكر فيه (إن إيران وصلت إلى نقطة حاسمة تستدعي تغييرًا في الدبلوماسية والاستراتيجية يبدأ من الداخل).
وجاءت الاجراءات بعد تعاظم الدور الأوربي تجاه إيران، ودعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى ضرورة مناقشة وبحث برنامج الصواريخ البالستية الإيراني بعد الانتهاء من أزمة الملف النووي الإيراني، بإعتباره يشكل تهديدًا لاستقرار وأمن الشرق الأوسط وأوروبا وأن العودة لمجلس الأمن الدولي يشكل مدخلًا سهلًا من أجل السيطرة على هذه القدرات،وهي أشارة واضحة لقرار المجلس برقم (1929) لسنة 2020 بمنع إيران من تطوير برنامجها النووي وتطوير صواريخ باليستية قادرة على حمل رؤوس نووية وفرض قيود على مبيعات الأسلحة الثقيلة لإيران،مع ملاحظة القيادة الإيرانية أن شركائها الدوليين ( روسيا والصين) أنهما يدفعان نحو تسوية شاملة بين إيران والاتحاد الأوربي.
ولكن مقابل هذه المواقف الأمريكية الأوربية، كان لدول منظمة شنغهاي للأمن الإقليمي إعلانها التضامن مع إيران التي أصابت العقوبات المستمرة عليها مجتمعها بعديد من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، مع استمرار زخم الضغط الأوربي بتفعيل عقوبات ( آلية الزناد)،
تبقى الأهداف الأمريكية والغايات الإسرائيلية والمساندة الأوربية، تشكل عمليًا زيادة بحدة الخطاب السياسي والضغوط الاقتصادية القصوى وأحكام الطوق على إيران في منطقة مهمة في طرقها البرية وامتداد مواصلاتها الرئيسية وثرواتها الطبيعة التي تمثلها ( دول آسيا الوسطى) ببعدها الجيوسياسي والتي تعد من أهم المناطق في العالم، والتي سبق وأن وصفها مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق ( زبيغنيو بريجنسكي) بأنها ( قلب العالم ومركز القوة العالمي الجديد).
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية
