الشراكة الأطلسية للطاقة النووية المتقدمة: المبررات الاقتصادية والمخاطر والآفاق

الشراكة الأطلسية للطاقة النووية المتقدمة: المبررات الاقتصادية والمخاطر والآفاق


الباحثة شذا خليل*

تسعى المملكة المتحدة والولايات المتحدة إلى تسريع نشر التقنيات النووية المعيارية، وتبسيط إجراءات الترخيص، وجذب استثمارات خاصة كبيرة، مع وعود بخلق وظائف وتعزيز أمن الطاقة. يضع هذا المقال المبادرة في سياقها التاريخي، ويحلّل آثارها الاقتصادية على النمو والتوظيف والفواتير وسلاسل الإمداد، كما يستعرض المخاطر والجدول الزمني المتوقع حتى منتصف الثلاثينيات. الخلاصة أن مردود البرنامج يعتمد على الانضباط في التكلفة والجدول الزمني وقوة ترتيبات التمويل والتنظيم.
الخلفية والسياق
تراجعت مساهمة الطاقة النووية في كهرباء المملكة المتحدة من نحو ربع الإنتاج خلال التسعينيات إلى ما يقارب خمسة عشر في المئة في الوقت الراهن نتيجة تقادم المحطات وتعثر الإضافات الجديدة. في المقابل برز توجه للعودة إلى النووي ضمن مسعى عالمي لزيادة القدرة المنخفضة الكربون. بالتوازي ارتفعت تكاليف المشروعات الكبرى في السنوات الأخيرة، مع تحصيل رسوم تمويلية خلال مرحلة البناء وفق نماذج تنظيمية حديثة.
ما الذي يتضمنه الاتفاق
يهدف المسار التنظيمي إلى تقليص زمن الترخيص إلى نحو سنتين عبر الاعتراف المتبادل وتسريع إجراءات السلامة، بما يخفض زمن الوصول إلى التدفقات النقدية ويقلل الازدواجية بين الجهات الرقابية في البلدين. تجارياً طُرحت خطط لنشر مجموعة من المفاعلات المعيارية المتقدمة في هارتلبول بقدرة إجمالية تقارب تسعمئة وستين ميغاواط، تكفي لتغذية نحو مليون ونصف منزل، مع إمكانية خلق ما يصل إلى ألفين وخمسمئة وظيفة. كما يُتوقع أن تستفيد برامج المفاعلات المعيارية الصغيرة من بيئة الاعتماد الأسرع.
التحليل الاقتصادي
النمو والتوظيف: يشكّل البناء النووي إنفاقاً رأسمالياً كثيفاً ومحلّياً يخلق وظائف ماهرة خلال التنفيذ، ويوفّر وظائف تشغيل وصيانة مستقرة بعد الربط على الشبكة.
الاستثمار والناتج: الانتقال من مشروعات متفرقة إلى بناء معياري متكرر يعمّق منحنى التعلّم ويرفع المحتوى المحلي والقيمة المضافة الصناعية.
التمويل وفواتير الطاقة: ترتيبات التمويل الحديثة تمنح اليقين للمستثمرين لكنها قد تُضيف أعباء مؤقتة على فواتير المنازل والأعمال خلال فترة البناء، ما يستلزم تصميمات متوازنة تحمي المستهلكين وتشجّع الاستثمار.
الإنتاجية والقدرة الأساسية: القدرة النووية الثابتة والمنخفضة الكربون تدعم الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة وتتيح نماذج أعمال جديدة مثل مراكز البيانات والتصنيع المتقدّم.
سلاسل الإمداد: توطين تصنيع المكوّنات الثقيلة والخدمات الهندسية والوقود النووي المتقدّم يعزّز قاعدة صناعية قابلة للتصدير.
المخاطر والقيود
التكلفة والجدول الزمني: لدى المشروعات النووية سجل من تجاوزات التكلفة والوقت، ما يفرض إدارة تنفيذية صارمة وحوكمة شفافة.
القدرة الرقابية والثقة المجتمعية: تسريع الموافقات يتطلّب هيئات قوية وممولة جيداً، وأي تعجل غير محسوب قد يضعف ثقة الجمهور.
نضج التكنولوجيا: كثير من تقنيات المفاعلات المعيارية المتقدمة والصغيرة لا يزال في أولى تطبيقاته التجارية، ما يرفع مخاطر التنفيذ حتى تتكوّن خبرات قابلة للتكرار.
الاستقرار السياسي: دورات البناء تتجاوز الدورات الانتخابية، لذا تُعد استمرارية السياسات حاسمة للحفاظ على شهية الاستثمار.
تكلفة الفرصة: أي تأخير طويل قد يؤخر خفض الانبعاثات مقارنة بخيارات أسرع في النشر مثل مصادر الطاقة المتجددة مع التخزين.
الجدول الزمني المتوقع بين عامي ٢٠٢٥ و٢٠٣٥
الأعوام ٢٠٢٥ إلى ٢٠٢٧: تفعيل أطر التبسيط التنظيمي، استكمال دراسات وهندسة المرحلة المبكرة، وترسية عقود سلاسل الإمداد في هارتلبول.
الأعوام ٢٠٢٧ إلى ٢٠٣٠: قرارات استثمار نهائية لأول وحدات معيارية متقدمة في المملكة المتحدة، وبدء الأعمال المدنية الرئيسية.
بداية ومنتصف الثلاثينيات: استهداف ربط أولى الوحدات بالشبكة إذا سارت الموافقات والتمويل وسلاسل الإمداد وفق المخطط، على أن تبلغ آثار التوظيف ذروتها خلال البناء وتظهر منافع القدرة الأساسية عند التشغيل التجاري.
الخلاصة يمكن للشراكة النووية بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة أن تطلق إنفاقاً رأسمالياً كبيراً، وتوفّر آلاف الوظائف الماهرة، وتعزّز أمن الطاقة. غير أنّ تحقق هذه الوعود مرهون بإدارة دقيقة للتكلفة والجدول الزمني، وتمويل متوازن يوفّر اليقين للمستثمرين ويحمي دافعي الفواتير، وقدرات رقابية قوية تحافظ على الثقة العامة. معيار النجاح بحلول أوائل ومنتصف الثلاثينيات هو الانتقال إلى برنامج معياري واسع، بمواعيد تسليم متوقعة وتراجع تدريجي في تكلفة الوحدة، بما يرسّخ قاعدة صناعية قابلة للتوسّع والتصدير.

وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية