الرياض وباكستان… اتفاقية الدفاع المشترك والمصالح الاستراتيجية العليا

الرياض وباكستان… اتفاقية الدفاع المشترك والمصالح الاستراتيجية العليا

معمر فيصل خولي

إن الأحداث التي جرت في السابع من أكتوبر عام 2023م، وما رافقها من تداعيات خطيرة على قطاع غزه من حيث تدميره وتجويعه ومحاولات تهجير الشعب الفلسطيني في غزة واغتيال قادة القسام الجناح العسكري من حركة حماس، وتوسيع إسرائيل دائرة حربها من خلال تحجيم قوة حزب الله واغتيال قاداته العسكرية والسياسية وفي مقدمتهم حسن نصر الله،  واغتيال قادة حماس خارج فلسطين في بيروت وطهران واستهداف الحوثيين، ومقتل الرئيس الايراني إبراهيم رئيسي، وفرض إسرائيل الحرب على إيران لمدة 12 يوما في حزيران الماضي.

يمكن القول بأن كل هذه الأحداث بوسعنا أن نضعها في كفة، وما اقدمت عليه إسرائيل قبل أيام قليلة من استهدافها لقادة حماس على الأرض القطرية في كفة أخرى. هذا الاستهداف لم يكن في بيروت ولا طهران ولا دمشق ولا صنعاء ولا بغداد كي تجد إسرائيل تبرير مقنع لفعلها، وإنما وقع الاستهداف في دولة ترعى الوساطة من أجل في وقف اطلاق النار في غزة والافراج عن الأسرى الاسرائيليين.

هذا العدوان على سيادة الدولة القطرية” دولة الوساطة” ما هو إلا تأكيد راسخ في القناعة السياسية بأن إسرائيل لا تقيم وزنا لقواعد القانون الدولي العام ومن هذه القواعد المستقرة ” احترام سيادة الدول” طالما تتعارض مع مصالحها، وبالتالي لا تقيم وزنًا أيضا للجهود الدبلوماسية التي تعد وسيلة مهمة في العلاقات الدولية في تسوية الحروب والنزاعات عبر الوساطة والمفاوضات.

هذا العدوان على دولة خليجية حليفة للولايات المتحدة الأمريكية ودولة ذات أهمية اقتصادية ومالية ودبلوماسية، قد شكك بأهمية الحماية العسكرية الأمريكية لدول الخليج العربي، فالحماية بالنسبة للأمريكيون لا تُفعل ولا معنى لها طالما الفاعل إسرائيل.

ومن جانب آخر،  زاد من مستوى قلق الدول العربية التي تربطها علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة الأمريكية كمصر والأردن. وربما أدركت الدول العربية سواء التي كانت لها مواقف أو علاقات إيجابية أو سلبية مع إسرائيل بأن هذا النوع من الحكومات الإسرائيلية المتطرفة والمتعطشة للدماء لا يمكن الوثوق بها، ولابد من مواجهة خطرها بخطوة وقائية قبل أن يقع عدوان إسرائيلي آخر على أي عاصمة عربية قد تكون لها علاقات ايجابية معها أو في طريقها لعقد اتفاقية سلام معها!

ومن هنا، وبعد عدة أيام على العدوان الاسرائيلي على قطر وقعت المملكة العربية السعودية وباكستان ” اتفاقية الدفاع المشترك ” بين الدولتين والتي تنص  أن ” أي اعتداء على أي من الدولتين هو اعتداء على كليهما”. ومن جانبه أعلن وزير الدفاع الباكستاني خواجه محمد آصف بالقول :” أن القدرات النووية الباكستانية ستكون متاحة بموجب اتفاقية الدفاع المشترك الجديدة بين باكستان والسعودية، وأن الدفاع عن الحرمين الشريفين فرض مقدس وقد علّق رئيس مجلس علماء باكستان، الشيخ طاهر أشرفي، إلى أن ما بعد الاتفاقية “يؤكد أن الحدود السعودية اليوم هي حدود باكستان، وحدود باكستان اليوم حدود للسعودية”، ومن جانبه علّق موقع «إسرائيل ديفنس» على الاتفاق السعودي الباكستاني بالقول إنها “تأتي وسط مخاوف متزايدة في الخليج بشأن مصداقية الولايات المتحدة”، و”التشكيك بقدرة الولايات المتحدة على توفير ضمان أمني مستقر في المنطقة”.

هذه الاتفاقية في هذا التوقيت الصعب التي تمر بها الشرق الأوسط جاءت لتصب في مصلحة الدولتين، فهي من جانب تعد تتويجًا لعلاقة التحالف ممتدة لنحو ثمان عقود بين المملكة العربية السعودية وباكستان الدولة ذات الأغلبية المسلمة، نعم هو تحالف مشترك لكنه ذات طابع نووي فباكستان تمتلك 170 رأسًا حربيًا كما إنها تمتلك ترسانة عسكرية بما في ذلك صواريخ ” شاهين -3″ ذات المدى الذي يبلغ 2750 كيلو متر، مما يجعل ترسانة السلاح الباكساني النووي والتقليدي متاحًا أو تحت تصرف المملكة العربية السعودية إذا دعت الحاجة إلى ذلك الأمر الذي يعزز قدرتها على الردع مع أي اعتداءات خارجية أيًا كان مصدرها.

أما منافع باكستان من هذا الاتفاق لا يقل أهمية عن منافع الرياض منها، فهذا الاتفاق يوفر لباكستان الدعم المالي السعودي الذي تحتاج إليه، كما يمكن أن تزودها من احتياجاتها النفطية، الأمر الذي يعزز نفوذ باكستان الإقليمي ويجعلها قادرة على مواجهة أي تهديدات قادمة من الهند وغيرها من الدول في بيئتها الإقليمية.

والسؤال الذي يطرح في هذا السياق: هل كانت الدول العربية بحاجة إلى عدوان إسرائيلي غير متوقع على عاصمة عربية كي تعيد حساباتها ورهانتها أو توقع اتفاقية كاتفاقية الدفاع المشترك بين المملكة العربية السعودية وباكستان حيث تصبح الرياض جزء أصيل من المظلة النووية الباكستانية وتحقق الردع النووي في بيئة الشرق الأوسط؟

خلاصة القول أن اتفاقية الدفاع المشترك بين الرياض واسلام آباد قد تؤسس أو تفتح الطريق لشراكات وتحالفات قادمة في الشرق الأوسط، من شأنها أن تحدث تغيرًا كبيرًا في ميزان القوى الإقليمية. وعندها يمكن القول بأن العدوان الإسرائيلي على دولة قطر قد ينطبق عليه المثل العربي الشعبي  “رب ضارة نافعة”.

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية