تحقيق السلام يكون أمرا صعبا دائما حينما لا يكون هناك فائز أو خاسر واضح في الحرب. ويسأل المتحاربون: هل سنحقق مكاسب حقيقية إذا توقفنا الآن عن القتال؟ هل ستؤدي محادثات السلام إلى خروج أعدائنا منتصرين؟
وبالرغم من كل عمليات القصف، والتي أصبحت حتى أكثر كثافة منذ أن بدأت روسيا في سبتمبر/ أيلول الماضي غارات جوية واسعة النطاق دعما للرئيس السوري بشار الأسد، فإن المعارك لاكتساب مزيد من الأرض في سوريا تشهد حالة من المد والجزر، ولا يوجد طرف يوجه ضربة قاضية للطرف الآخر.
قالت الحكومة السورية مؤخرا إنها حققت تقدما كبيرا في معاركها ضد المعارضة المسلحة من بينها في محافظة اللاذقية.
لكن يوجد عدد كبير من القوى الأخرى المختلفة المعارضة لها والتي تشمل مجموعة ضخمة من المقاتلين الذين يحظون بدرجة من الدعم من قوى غربية وبعض الدول العربية، وهناك أيضا المتطرفون الخارجون على القانون من بينهم تنظيم “الدولة الإسلامية”. وكل هذا يجعل البحث عن السلام عبر التفاوض أمرا أكثر صعوبة.
تقود الحكومات الأوروبية بشكل خاص الجهود للضغط من أجل إحداث تقدم في المحادثات، لكنها تواجه تحديين اثنين.
يتمثل التحدي الأول في إيجاد ما يكفي من التحركات للتعامل مع الهجرات الجماعية، ومعظمها للاجئين سوريين، والتي خلقت أزمة سياسية غير مسبوقة في أوروبا.
وزادت الأزمة من الانقسامات العميقة بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وكشفت عن غياب كبير للوحدة الأوروبية. وطالما استمرت الحرب في سوريا واستمر تفريغها من مواطنيها، سيزيد عدد الأشخاص الذين يعانون من هذه الكارثة التي تسبب فيها بشر.
أما التحدي الثاني، فمصدره انتشار الهجمات والمخططات الإرهابية التي يمكن أن تعزا إلى نجاح الإسلاميين في السيطرة على مناطق لا تخضع لسيطرة الحكومة في سوريا والعراق وليبيا.
انقسامات عميقة
والسؤال إذن، من سيشارك في محادثات السلام في جنيف؟
سارعت الحكومة السورية إلى تشكيل فريق وتعهدت بالمشاركة، ووفقا لشروطها بالطبع، وهدفها الرئيسي واضح كما كان دائما: بقاء النظام.
قد تكون هناك توترات داخل النظام بشأن مستقبل الرئيس الأسد على المدى المتوسط إلى الطويل، لكن موقفه الآن لا يزال واضحا تماما: إما نحن أو معارضونا. وتحاول دمشق أن تصف جميع المعارضين كإرهابيين، ليس فقط المتطرفين الإسلاميين.
من المؤكد أن الحكومة تشعر بارتياح كبير من حقيقة أن روسيا ألقت بكثير من الثقل خلفها، وأن القوى الغربية الرئيسية، خاصة الولايات المتحدة، تمنح أولوية لهزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية” أكثر من تقديم دعم نشط لمسلحي المعارضة الذين تعتبرهم هذه القوى “معتدلين”.
ويبدو هناك انقسام كبير في صفوف مقاتلي المعارضة، والقوى الدولية الداعمة لهم.
وكان الخلاف الحاد حول من يجب أن يكون له الحق في تمثيل المعارضة سببا رئيسيا في تأجيل محادثات جنيف بل والتهديد بإلغائها.
ويتغير باستمرار تأثير هذه الخلافات. لكن رفض مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا الكشف عن أي تفاصيل ورفضه أيضا في بادئ الأمر تحديد الجهات التي دعاها للمحادثات، يكشف الكثير عن مدى إدراكه لهشاشة العملية التي يقودها بالكامل.
مسار صعب
حينما أكدت تركيا ضرورة استبعاد بعض ممثلي الأكراد من المحادثات، رغم أن المقاتلين الأكراد كانوا الطرف الأكثر نجاحا في قتال المسلحين الإسلاميين، وحينما أكدت السعودية ضرورة أن يسمح فقط لقائمتها من المرشحين من التنظيمات المعارضة بالمشاركة في المحادثات – كان كل هذا بمثابة بوادر إضافية على الصعوبات الجسيمة الماثلة أمام هذه المحادثات.
لا يزال إجراء محادثات مباشرة بين الأطراف المتحاربة في جنيف احتمالا بعيد المنال، وفي أفضل الأحوال يمكن أن توصف المراحل الأولى من هذه المحادثات بأنها “محادثات تقارب”.
وعلى ما يبدو فإن مهمة إيجاد سبل للتحرك نحو اتفاق لوقف إطلاق النار في سوريا ومن ثم تسوية سياسية وسلام نهائي ستكون حتى أصعب من محادثات السلام السابقة، والتي انهارت جميعها.
جيمس روبتز
بي بي سي العربية