اتجهت أنظار العالم إلى إيران مع بدء تنفيذ الاتفاق النووى المبرم بينها وبين القوى الكبرى، فى 14 يوليو الماضى، والذى سيتم بمقتضاه رفع العقوبات الدولية عنها، كما ستعلن الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريرها النهائى عن البرنامج النووى الإيرانى، ومن المفترض أن تؤكد الوكالة أن طهران خفضت، كما هو متفق، عدد أجهزة الطرد المركزى المستخدمة لتخصيب اليورانيوم، وأنها أرسلت إلى الخارج القسم الأكبر من مخزونها من اليورانيوم ضعيف التخصيب، وأن يؤكد مفتشو الوكالة حدوث ذلك، ويعتبر ذلك كله الجزء الأخير من قضية البرنامج النووى الإيرانى حتى الآن، ولكنه ليس النهاية الكاملة لهذا البرنامج، الذى بدأ فى عصر شاه إيران الراحل بالتعاون مع الولايات المتحدة، وسأحاول هنا أن ألخص قضية البرنامج النووى الإيرانى، دون الدخول فى أعماق القضايا لاعتبارات متعددة، ليس الأوان لذكرها الآن.
وقد بدأت طهران القضية حينما قررت الدخول إلى المجال النووى، وبناء القدرة النووية لاعتبارات سياسية، إقليمية ودولية، وقد بدأ النشاط الإيرانى بالتعاقد على مفاعلات نووية، ومحاولة الحصول على مواد نووية «انشطارية» من دول مختلفة، وتدريب الكوادر المتخصصة فى دول متعددة، وقد بدأ قرار التحول إلى القدرات النووية بقرار سياسى يمثل الإرادة السياسية للدولة، وليس طبقاً للقدرات التكنولوجية المتوفرة، وذلك نتيجة لأسباب ودوافع سياسية واستراتيجية، تم بموجبها دعوة العلماء الإيرانيين الذين غادروا إيران لأسباب متعددة «خصوصاً بعد الثورة الإسلامية»، ودعوة علماء ذرة من دول نووية صديقة، واعتمد البرنامج النووى الإيرانى فى بدايته على نجاح إيران فى الحصول على معونات خارجية متقدمة، وعلى نجاحها وقدرتها على الإنتاج المحلى لبعض المواد النووية المطلوبة.
فإذا تتبعنا خطوات بناء البرنامج النووى الإيرانى فيمكن لنا رصد بعض هذه الخطوات، عام 1957 تم توقيع اتفاقية بين الولايات المتحدة وإيران على التعاون النووى، وبدء إنشاء مفاعل طهران النووى للأبحاث، وفى عام 1967 بدأ عمل مفاعل طهران النووى للأبحاث بطاقة 5 ميجاوات، وفى عام 1970 وقعت إيران على اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية، وقامت فى عام 1974 بالتعاون مع مصر بالدعوة لجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من الأسلحة النووية، وهو أمر لم تستجب له إسرائيل والولايات المتحدة، نتيجة لذلك أنشأ الشاه منظمة الطاقة النووية فى إيران فى نفس العام، وبدأ أكثر البرامج النووية طموحاً فى الشرق الأوسط «بعد إسرائيل»، والذى أقيم على أساس إمداد إيران بعدد 23 محطة قوى نووية متعددة الأغراض فى منتصف التسعينيات بالتعاون مع الولايات المتحدة، وفى عام 1976 وافقت جمهورية ألمانيا الاتحادية على بناء محطة نووية فى «بوشهر» بطاقة 2 مفاعل، تصل طاقتها إلى 1200 ميجاوات لكل مفاعل، وقد وصل إنشاء هذين المفاعلين إلى 60٪ و75٪ عند سقوط الشاه، وبناءً على ذلك أرسلت طهران أعداداً كبيرة من الأفراد للتدريب خارج إيران، خاصة فى الغرب، وفى عام 1979 سقط شاه إيران نتيجة للثورة الإسلامية.
وقبل استكمال خطوات بناء البرنامج النووى الإيرانى فيما بعد الشاه، أتوقف قليلاً لكى نتبين أسباب الدعم الأمريكى للبرنامج منذ البداية، فنتيجة لتغير شكل الخريطة السياسية الدولية والأمريكية، قررت الولايات المتحدة أن تعتمد- إضافة لنفوذها المباشر- على بعض دول منطقة الشرق الأوسط فى تحقيق أهدافها وسياساتها فى المنطقة، فكان اختيارها لإسرائيل فى منطقة غرب منطقة الشرق الأوسط، ولدولة أخرى فى منطقة شرق منطقة الشرق الأوسط، فوقع اختيارها على إيران، نتيجة للتوجه السياسى لإيران خلال فترة حكم الشاه، وكان فى تقديرها تفويض بعض الصلاحيات لهاتين الدولتين لوضع المنطقة تحت السيطرة الكاملة لها، وبالفعل تم دعم إسرائيل- وهو أمر بدأ مع بدء إنشاء الدولة اليهودية فى فلسطين- كما تم دعم إيران، الأمر الذى أخل بالتوازنات الإقليمية فى الشرق الأوسط، وأيضاً توازنات المنطقة ودولها مع مختلف القوى العالمية، بمختلف التوجهات الأيديولوجية.
ونتيجة للثورة الإسلامية فى إيران عام 1979، حدث العديد من التطورات فى العلاقات الأمريكية- الإيرانية، إلا أن ذلك لم يوقف البرنامج النووى الإيرانى، بل زاد إصرار إيران عليه، ولكن بشكل وتوجهات مختلفة، وهو ما سوف نتابعه فى المقال التالى.
أحمد عبدالعليم
صحيفة المصري اليوم