حضر حيدر العبادي جلسة مجلس النواب العراقي ليوم الثلاثاء 12 نيسان 2016 وقدم قائمة بأسماء وزارته المقترحة والتي جاءت بعد يوم من الاعلان عن توقيع (وثيقة الاصلاح الوطني ) وبعد المدة التي حددت له في البرنامج الاصلاحي الذي تقدم به لمجلس النواب قبل أكثر من اسبوعين مضت .
استخدم العبادي البرلمان العراقي واجهة قانونية تمكن فيها من ان يرسل بكل قواه وأفكاره للبرلمان ويجعله المسؤول عن اصدار أي قرار خاص بعملية التغيير والاصلاح السياسي في العراق ،وكأنه أراد أن يقول بأنني فعلت ما علي وأحترمت سياسة الدولة وديمقراطيتها وحضرت للبرلمان وقدمت ورقة الاصلاح وأسماء الوزراء وفق (كابينة التكنوقراط) ، وهو بهذا التحرك وضع مجلس النواب أمام مسؤوليته بعد أن تمكن من رفع ثقل وكاهل ما كان عليه ومطلوب منه شعبيا الى طاولة وجلسات مجلس النواب الذي عجز أعضاءه عن التعامل مع المشكلة التي يعانيها العراق ويعيشها الان بصورة صحيحة او بتوجه جدي بسبب ضعف القرار النيابي لديهم وكونهم تابعين لأراء وتوجهات الكتل السياسية الذين يرتبطون بهم وأنهم يتبعون القرارات التي تملي عليهم من قبل أحزابهم وكتلهم السياسية وما تقتضيه مصالحهم .
هذا الامر يمكن لنا أن نقرأه من جوانب عديدة أهمها :
1.أن عملية الاتفاق والتوقيع على وثيقة (الاصلاح الوطني) التي تعهدت بموجبها الكتل السياسية الموقعة عليها على منح العبادي حق اختيار الوزراء ضمن القوائم المرسلة اليه من قبلهم والذين تنطبق عليهم شروط الاختيار ضمن وزارة التكنوقراط المقترحة ، ويستثنى من هذا كل من ( القائمة الوطنية والتيار الصدري والتحالف الكردستاني ) الذين لم يوقعوا على وثيقة (الاصلاح الوطني ) .
2.جاءت الوثيقة لتلبي طموحات واهداف ونوايا بعض الكتل السياسية التي سعت لتقديم خارطة عمل ميدانية جديدة تمثلت بمبادرة عمار الحكيم والتي ارادها خريطة طريق جديدة في مسار العمل السياسي في العراق واخراجه من أزمته والتي تم مناقشتها قبل التوثيع على الاتفاقية .
3.حظي العبادي بدعم دولي قبل التوقيع على الوثيقة تمثل بزيارة وزير خارجية الولايات المتحدة الامريكية (جون كيري) الى بغداد ولقاءه بالعبادي وتقديم التأييد الكامل له في جميع الاصلاحات التي يسعى العبادي لاقرارها ودعوته لحكومة تكنوقراط تعيد الحياة السياسية للبلاد ن وقبل توجهه للبرلمان اتصل به نائب الرئيس الامريكي (جون بايدن) وأكد له كل الدعم والمساندة في جميع خطواته الاصلاحية مما منحه دعما واسنادا دوليا وقوة وتاثير في طرح الكابينة الوزارية التي قدمها لمجلس النواب العراقي .
4.التأييد الاقليمي الذي أبدته (الحكومة الايرانية)من خلال قيامها بعدة وساطات ميدانية تمثلت في ارسال وفود دينية وسياسية ايرانية الى مدينتي النجف وكربلاء بتوجيه ورعاية من الجنرال (كريم جعفري) أحد قادة الحرس الثوري الذي عقد عدة لقاءات بين الفرقاء السياسيين العراقيين في التحالف الوطني لتهدئة الاوضاع .
5.نجحت هذه الوسطات في سحب فتيل الازمة واقناع الصدر بوقف التصعيد الداخلي وخاصة لدى قيادة التحالف الوطني وابعاد التظاهرات عن المنطقة الخضراء والموافقة على اعطاء مهلة اضافية للعبادي لاكمال مشروعه الاصلاحي .
6.قيام حيدر العبادي بارسال (10) ملفات لمسؤولي وقيادات الكتل السياسية هي عبارة عن معايير لاختيار مجلس وزراء بصيغة تكنوقراط مع تقييم لاداء الوزارات ومكافحة الفساد وتنشيط الاجراءات الحكومية وحزم اصلاحات أخرى .
7.تعهد حيدر العبادي بفتح باب الترشيح للهيئات المستقلة والمدراء العاميين ووكلاء الوزراء في خطوة ميدانية أراد منها تهدئة الاوضاع واقناع بعض النواب بحقيقة عمله وصدقة وسعيه في التعامل الجدي مع متطلبات الاصلاح وهذا ما تضمنته ونصت عليه احدى فقرات وثيقة الاصلاح الوطني .
8.ان التشكيل الوزاري الجديد الذي قدمه العبادي لمجلس النواب كبديل للتشكيلة الوزارية التي قدمها في الجلسة السابقة للمجلس بات من شبه المؤكد عدم موافقة بعض اعضاء مجلس النواب عليها لانه يتعارض مع مصالح الكتل السياسية التي أمتنعت عن التوقيع أو التي ترى أن هذا الاصلاح لا يغير في الحياة الوزارية شيئا وأنما يبقي على مبدا المحاصصة السياسية الطائفية خاصة وان هناك اتفاقا غير معلن بعدم التصويت على القائمة الوزارية البديلة من قبل ( القائمة الوطنية والتيار الصدري وحزب الدعوة ) وهم الذين امتنعوا عن توقيع وثيثة الاصلاح الوطني .
9.التيار الصدري اكتفى بتقديم وزرائه الثلاث استقالتهم وعدم حضورهم لاجتماعات مجلس الوزراء مع امكانية اعادة التظاهرات والتجمعات والتظاهرات السياسية السلمية وبعيدا عن المنطقة الخضراء ن لأنه يرى أن وثيقة الاصلاح الوطني والقائمة البديلة وهي الثانية التي قدمها العبادي بديلا عن القائمة الوزارية المقترحة سابقا تعيد الحياة السياسية في العراق الى مرحلة المربع الاول وهي المحاصصة السياسية الطائفية والتي نادى التيار الصدري برفضها والاستغناء عنها واستبدالها ب (حكومة تكنوقراط) .
10.تسعى بعض الكتل السياسية الى ابقاء شخوصها السياسية في اي تشكيل وزاري مقترح قادم وتحاول اعاقة تشكيل حكومة تكنوقراط لأن هذا التشكيل يفقدها كثيرا من امتيازاتها ويرفع عن بعض قياداتها السياسية والحزبية الحصانة البرلمانية التي تحميهم من محاكم الفساد التي يطالب بها ابناء الشعب العر اقي .
فهل تستقيم الاوضاع في العراق وتهدأ بعد جلسة النواب المرتقبة أم أننا سنرى تحركا ميدانيا شعبيا للتيارات الليبرالية والعلمانية والتيار الصدري يؤدي الى اضرام شرارة ثورة شعبية عارمة يكون من الصعب التحكم بها أو السيطرة عليها هذه المرة ، بعدما لمست وأحست الجماهير العراقية انها تعرضت للتضليل والخداع والتسويف السياسي ، هذا ما ستفصح عنه الايام القادمة .
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية