ثمة توقعات بمستقبل مشرق للعلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي والصين، خاصةً مع ترجيحات بأن يصل حجم التجارة بينهما إلى 350 مليار دولار خلال العقد القادم، حيث تفوقت بكين بالفعل على واشنطن باعتبارها المُصدِر الرئيس لدول مجلس التعاون الخليجي. كما أن هناك فرصة أمام الصين كي تلعب دوراً مهماً في صياغة بيئة أمنية جديدة في منطقة الشرق الأوسط، وذلك في الوقت الذي تعيد فيه دول الخليج نظرتها الاستراتيجية للوضع بالإقليم في ظل تراجع الوجود الأمريكي في المنطقة.
يُلخص ما سبق الأفكار الرئيسية التي يناقشها الدكتور “تيودور كاراسيك” Theodore Karasik، الخبير المتخصص في شؤون الخليج والجغرافيا السياسية، في تقريره الصادر عن معهد الشرق الأوسط MEI ومقره واشنطن، حيث يتطرق إلى الروابط الجديدة لدول مجلس التعاون الخليجي مع الصين، مؤكداً أن التقارب المتزايد بين الجانبين سيفتح المجال نحو علاقات أقوى بينهما في المجالات الاقتصادية والأمنية.
وفي هذا الإطار، تلعب مبادرة “الطريق الواحد والحزام الواحد” الصينية دوراً مهماً، وتحديداً في الحفاظ على الممرات البحرية مفتوحة، وضمان استمرار تدفق إمدادات الطاقة إلى السوق الصينية.
الاهتمام الصيني بالشرق الأوسط
مثَّلت زيارة الرئيس الصيني “شي جين بينغ”XI Jingping إلى كل من المملكة العربية السعودية ومصر وإيران، في شهر يناير 2016، بداية الإطلاق للاستراتيجية الصينية “الطريق الواحد والحزام الواحد” OBOR في الشرق الأوسط. وقد كان لهذه الزيارة تأثير واسع النطاق على العلاقات بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي، خاصةً مع وجود تغيرات في قواعد اللعبة بالمنطقة.
ويشير الكاتب إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي لديها قناعة بأن بكين توسع مبادرتها “الطريق الواحد والحزام الواحد”، وذلك لتضمن شريانين، وهما: الحزام الاقتصادي لطريق الحرير، وطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين. وقد ساهمت زيارة الرئيس الصيني إلى الدول الرئيسية الثلاث في الشرق الأوسط، في دعم الخطة الصينية. فمن وجهة نظر بكين، تعتبر هذه العلاقات محوراً أساسياً في خطتها الاستراتيجية المتعلقة بالحصول على الطاقة. ومن ناحية أخرى، تدرك دول الخليج أن الممرات البحرية في شبه الجزيرة العربية حاسمة بالنسبة لنجاح مبادرة “الطريق الواحد والحزام الواحد”.
ونتيجة لذلك، تحتاج الصين ودول مجلس التعاون الخليجي إلى العمل معاً، للحفاظ على هذه الممرات البحرية من أي تهديدات، وقد كان ذلك هو السبب وراء تأييد الرئيس الصيني لموقف المملكة العربية السعودية الداعم للحكومة اليمنية الشرعية بقيادة عبدربه منصور هادي.
وحسب الكاتب، تتبع الصين، أكثر من أي وقت مضى، نهجاً برجماتياً وطويل الأمد في تعاملاتها بالشرق الأوسط، حيث ترى بكين نفسها مفاوضاً يترفع عن التدخل في النزاعات الطائفية والدينية في المنطقة، بينما تركز على تعزيز وجودها الاقتصادي، وتأمين المصالح والاستثمارات الاقتصادية لجميع الأطراف، ومنها بالطبع دول مجلس التعاون الخليجي.
البُعدان الاقتصادي والعسكري
يرى “كاراسيك” أن دول مجلس التعاون الخليجي كان لديها هاجس من العلاقات الوثيقة بين بكين وطهران، فبينما تأسست العلاقات الدبلوماسية بين الصين وإيران منذ عام 1971، بدأت العلاقات الخليجية – الصينية في وقت لاحق، حيث دشنت دولة الإمارات العربية المتحدة علاقاتها مع الصين في عام 1984، وقطر في عام 1988، والبحرين في عام 1989، وأسست المملكة العربية السعودية علاقاتها الرسمية مع الصين في عام 1990.
وفي البداية، كانت دول مجلس التعاون الخليجي متشككة في نوايا الصين إزاء إيران، خاصةً عندما نمت العلاقات الصينية – الإيرانية في مجالات عديدة، ومنها الطاقة، وبناء الجسور والسدود، والسكك الحديدية والأنفاق.
كما أزعج دول الخليج تجارة الأسلحة الصينية مع طهران، فمنذ أوائل ثمانينيات القرن الماضي، شملت تجارة الأسلحة الصينية مع إيران تقديم آلاف الدبابات، والمركبات، وقطع المدفعية، والعديد من صواريخ “أرض– جو وجو– جو”، وصواريخ باليستية، بالإضافة إلى آلاف الصواريخ المضادة للدبابات. كما قامت الصين بمساعدة إيران في إنتاج صواريخها الباليستية وصواريخ كروز.
وقد بدأت دول مجلس التعاون الخليجي في تطوير، ليس فقط مصالحها الاقتصادية مع الصين، ولكن أيضاً تعزيز العلاقات العسكرية، حيث تحول نهج دول الخليج تجاه بكين من القلق إلى التقارب بشكل تدريجي خلال السنوات الماضية.
وتبنت دول مجلس التعاون الخليجي خطة في اتجاه دعم هذه العلاقات، مع بداية الألفية الجديدة. فعلى سبيل المثال، كانت زيارة العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله إلى بكين في عام 2006، حيث كانت محطته الأولى إلى بلد أجنبي بعد توليه العرش. كما زار ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة الصين في سبتمبر 2014، فضلاً عن زيارات أخرى لقيادات خليجية إلى بكين خلال العقد الماضي، لتوقيع اتفاقيات استثمارية مع شركات صينية متنوعة، وإقامة مناطق تجارة حرة.
وبالتالي، سعت دول مجلس التعاون الخليجي إلى توثيق علاقاتها مع الصين، بهدف تعزيز الوضع الاستراتيجي لدول الخليج في الاقتصاد العالمي. وتعد الروابط الاقتصادية حالياً بين الجانبين أكثر أهمية من روابط بكين مع طهران، حيث بلغ حجم التبادل التجاري الخليجي – الصيني أربعة أضعاف نظيره بين الصين وإيران.
وطبقاً لما أورده الكاتب، قُدر حجم التبادل التجاري بين الصين ومجلس التعاون الخليجي، في عام 2012، بنحو 155 مليار دولار، بمقارنةً بحوالي 37 مليار دولار بين بكين وطهران. كذلك استطاعت الصين تجاوز الولايات المتحدة التي كانت المُصدِر الأكبر لدول مجلس التعاون الخليجي، إذ بلغ حجم الواردات الصينية حوالي 60 مليار دولار سنوياً خلال العقد الأخير. علاوة على ذلك، تمد دول مجلس التعاون الخليجي الصين بأكثر من رُبع احتياجاتها النفطية سنوياً، بينما صدرت إيران 9% من الاحتياجات النفطية للصين.
وتعكس هذه المؤشرات النهج المتقدم لدول مجلس التعاون الخليجي في علاقاتها مع الصين، وتُبشر بمزيد من التعاون بين الجانبين مستقبلاً. ومن المتوقع أن تزداد العلاقات التجارية لدول الخليج مع بكين، خلال العقد القادم، إلى ثلاثة أضعاف؛ أي حوالي 350 مليار دولار، وفقاً لبعض التقديرات.
ومن المثير للاهتمام، أن ثمة طفرة طرأت على التعاون العسكري الصيني – الخليجي خلال السنوات الماضية، فعلى سبيل المثال، تستخدم كل من المملكة العربية السعودية والإمارات الطائرات الصينية بدون طيار في عملياتهما العسكرية الشرعية ضد المتمردين الحوثيين في اليمن. كما شاركت بكين مع دول مجلس التعاون الخليجي في عمليات مكافحة القرصنة قُبالة سواحل الصومال، لكي تظهر بكين كشريك أمني في حفظ أمن الممرات البحرية المفتوحة.
وحسب الكاتب، من الواضح أن دول مجلس التعاون الخليجي ترحب بالتكنولوجيا العسكرية الصينية، على اعتبار أنها تريد من وراء ذلك تحقيق التوازن العسكري في مواجهة إيران.
إجمالاً في هذا الصدد، يشير “كاراسيك” إلى تلاقي المصالح الخليجية والصينية، وهو ما يعني مزيداً من التقارب بينهما، في ظل مساعي دول مجلس التعاون الخليجي إلى خلق سُبل ومجالات جديدة للتعاون مع بكين، وفي منطقة آسيا الوسطى.
التداعيات على السياسة الأمريكية
يرى الكاتب أن تراجع النفوذ الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، دفع دول مجلس التعاون الخليجي إلى إعادة النظر في اعتمادها التقليدي على الولايات المتحدة، خاصةً في ظل تقاعس واشنطن عن التأثير في الأزمات الإقليمية ذات الصلة بالخليج مثل الصعود الإيراني، والحرب في سوريا.
وتمثل هذه التطورات دافعاً إضافياً، علاوة على الأهداف الاقتصادية، لدول مجلس التعاون الخليجي نحو تطوير علاقاتها الاستراتيجية مع الصين.
ختاماً، تتجه دول مجلس التعاون الخليجي نحو دعم علاقاتها بشكل واضح مع المعسكر الصيني، وبعيداً عن الولايات المتحدة، مُعتمدةً على الأهداف الاقتصادية طويلة المدى للمبادرة الصينية “الطريق الواحد والحزام الواحد”، والآثار الأمنية ذات الصلة. وفي الوقت الذي تنمو فيه الروابط الاقتصادية لدول الخليج مع بكين، فإن علاقتها العسكرية أيضاً سوف تتوسع.
Theodore Karasik
* عرض مُوجز لتقرير بعنوان: “العلاقة الجديدة لدول مجلس التعاون الخليجي مع الصين”، والمنشور في معهد الشرق الأوسط خلال شهر فبراير 2016.
المصدر:
Theodore Karasik, The GCC’s New Affair with China, (Washington: Middle East Institute, February 2016).
إعداد: مروة صبحي
مركز المستقبل للابحاث والدراسات المتقدمة