لا أحد يستطيع أن يشكك في الدور التركي المتميز وحضورها الفاعل في قضايا الأمة، إلا أن هناك بعض الإجراءات الأخيرة قد أضرت كثيرا بأصدقاء تركيا وربما بالمصلحة التركية ذاتها.
الإجراءات المشددة جاءت على ما يبدو للحد من أعداد النازحين والمهاجرين بسبب اشتداد المعارك في سوريا والعراق، ويبدو أيضا أن هذا له صلة بالموقف الأوروبي الأخير بدليل أن التعليمات نصّت على ضرورة إرفاق تأشيرة أوروبية أو أميركية صالحة مع الأوراق والوثائق المطلوبة للحصول على التأشيرة التركية.
ليس من حقنا أن نتدخل في الشأن التركي، فمن حق تركيا أن تتخذ كل الإجراءات التي تضمن لها مصالحها وتحفظ لها أمنها، إلا أن هناك بعض الملاحظات التي ينبغي التنبه لها، والمسيسة بالمصلحة التركية أيضا، ومن ذلك:
أولا: كيف يمكن التوفيق بين قانون منح الإقامة لمن يمتلك بيتا أو عقارا أو شركة، وبين هذه الشروط المعقّدة على تأشيرة الدخول حتى لو قدّم كل وثائق الملكية؟ هذا يعني أنك إذا كنت متواجدا في تركيا قبل الإجراءات هذه فمن حقك الحصول على الإقامة، وإذا كنت قد سافرت لأي غرض كان فلا يحق لك العودة ولا الإقامة! علما أن الإقبال على شراء العقارات كان قد أصبح ظاهرة منتشرة جدا لدى العراقيين والسوريين وحتى الخليجيين، بَيْدَ أن كثيرا من هؤلاء لم يعودوا قادرين على الوصول إلى عقاراتهم أو شركاتهم، ما ولّد حالة واسعة من القلق والارتباك.
ثانيا: كيف لم تميّز التعليمات هذه بين النازحين تحت الاضطرار -مع ما في هذا من جوانب إنسانية ملحّة- وبين الأغراض الأخرى كالسياحة والتجارة، وعلى سبيل المثال فإن آلاف المقيمين في دول الخليج والذين يؤمّون تركيا في كل إجازة سيحرمون هذه السنة من مجرد التفكير بتركيا، لأن إجراءات التأشيرة أصبحت أعقد بكثير من التأشيرة الأوروبية! مما يعني أن ثقل السياحة من الآن فصاعدا سيتجه نحو أوروبا، وهذه خسارة مادية ومعنوية كبيرة لتركيا.
ثالثا: هناك حالات عالقة لم تؤخذ بنظر الاعتبار، وعلى سبيل المثال؛ كان السيد أردوغان قد أعلن بنفسه عن استعداد تركيا لاستقبال المهجّرين من محافظة الأنبار، وفي ضوء هذا نزح الكثيرون، منهم من وصل إلى تركيا، ومنهم من ينتظر الآن على الحد، وكلاهما في وضع مزر، فالذي على الحد ممنوع من الدخول وهو لا يستطيع العودة طبعا بسبب اشتداد المعارك الآن في الأنبار أكثر من ذي قبل، والذي دخل مهدد بالتسفير لأنه لا يملك الوثائق والأوراق المطلوبة بسبب ظروف التهجير القسري! وقد اتصل بي عدد من هؤلاء وهؤلاء وهم حيارى لا يدرون ما يصنعون؟! إننا نخشى فعلا أن يتحول بعض هؤلاء خاصة فئة الشباب تحت وطأة الشعور بالقسوة والإحباط إلى وقود جديد للإرهاب بعد أن كانوا مستعدين لمقاتلته والوقوف مع تركيا ضده.
إن تركيا التي قدّمت الكثير واحتلّت قلوب الملايين بمواقفها الكبيرة والتي تنسجم مع وزنها التاريخي والحضاري، ومشروعها النهضوي الصاعد لا يمكن أن تسمح باهتزاز صورتها من خلال هذه الإجراءات التي يظهر فيها واضحا أثر الارتجال والاستعجال.
د.محمد عياش الكبيسي
صحيفة العرب القطرية