اقترح الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” في خطاب أمام عدد من المحامين في أنقرة، يوم 5 أبريل 2016، تجريد أنصار التنظيمات الإرهابية وداعميهم من الجنسية التركية باعتبار أنهم لا يستحقون أن يكونوا مواطنين أتراكاً، على حد وصفه.
ومن شأن هذا الاقتراح أن يؤدي إلى تداعيات سلبية على المشهدين السياسي والأمني في تركيا، حيث إن دعوة أردوغان شملت أنصار التنظيمات الإرهابية وداعميهم من دون تحديد دقيق لهؤلاء، وهو ما يعني أنها قد تتضمن أفراداً ليسوا أعضاءً في التنظيمات المصنفة إرهابية، وإنما تم اتهامهم بتقديم دعم للإرهابيين، وهو ما قد يترتب عليه مزيداً من تفاقم الأوضاع الأمنية والسياسية في تركيا.
أبعاد اقتراح أردوغان تجريد الإرهابيين وداعميهم من الجنسية
جاء اقتراح أردوغان تجريد الإرهابيين وداعمي المنظمات الإرهابية من الجنسية التركية في إطار حديثه عن اعتزامه القضاء على “حزب العمال الكردستاني” المُصنف منظمة إرهابية في تركيا، مُستبعداً أية فرصة لاستئناف الحوار معه، انطلاقاً من أن الحوار مع هذا الحزب الكردي لن يحقق أية مكاسب للدولة التركية.
ويمكن القول إن اقتراح أردوغان بسحب الجنسية التركية من الإرهابيين وداعميهم، اتسم بقدر من الغموض، خاصةً فيما يتعلق بداعمي الجماعات الإرهابية، حيث لم يوضح الرئيس التركي من هم داعمو التنظيمات الإرهابية تحديداً. وبصفة عامة، يتضمن اقتراح أردوغان بُعدين أساسيين هما:
البعد الأول: سحب الجنسية من أنصار التنظيمات الإرهابية لمنعهم من إلحاق أي ضرر
يتسم هذا البعد بقدر ما من الوضوح، فالتنظيمات المصنفة إرهابية في تركيا، تتمثل في الآتي:
حزب العمال الكردستاني، الذي يخوض مواجهات ضد الدولة التركية منذ عام 1984.
تنظيم “صقور حرية كردستان”، المنشق عن حزب العمال الكردستاني، والذي نفذ مؤخراً عمليتين إرهابيتين بالعاصمة التركية “أنقرة” في شهري فبراير ومارس الماضيين.
عدد من التنظيمات اليسارية المتطرفة مثل “الجبهة الثورية لتحرير الشعب” التي شنت في شهر مارس الماضي هجوماً على مركز للشرطة في مدينة اسطنبول.
تنظيم “داعش” الإرهابي، الذي بدأ مؤخراً في استهداف السياح الأجانب في مدينة اسطنبول، كما حدث في شهر يناير 2016 مستهدفاً وفداً من السياح الألمان، وشهر مارس الماضي مستهدفاً سياحاً إسرائيليين.
حركة الداعية “فتح الله كولن” التي تصنفها الحكومة التركية منظمة إرهابية، ووصفها رئيس الوزراء التركي “داوود أوغلو” بأنها مساوية لحزب العمال الكردستاني.
ووفقاً لما سبق، فإن من يثبت صلته أو عضويته في تلك التنظيمات أو قام بتنفيذ عملية إرهابية، سيجرد من الجنسية التركية.
البعد الثاني: تجريد داعمي التنظيمات الإرهابية من الجنسية
يعاني هذا البعد قدراً من الغموض، فالرئيس أردوغان لم يحدد بشكل دقيق من يقصد بداعمي التنظيمات الإرهابية، فضلاً عن أن مفهوم داعمي مثل هذه التنظيمات فضفاض، ويمكن ربط هذا الاقتراح بما دعا له أردوغان من قبل في شهر مارس 2016، عقب التفجير الإرهابي الذي نفذه تنظيم “صقور حرية كردستان” بالعاصمة أنقرة، إلى إعادة تعريف الإرهاب والإرهابيين في قانون العقوبات التركي، بحيث لا يكون الأمر قاصراً على من يحملون السلاح ويشنون هجمات إرهابية، ليشمل من يؤيدونهم ويقدمون الدعم لهم، والذين قد يكونون صحفيين أو أعضاء بالبرلمان أو أكاديميين أو شخصيات عامة، والتي على أثرها تم اعتقال عدد من المحامين والأكاديميين في البلاد بتهمة نشر الدعاية الإرهابية.
ومن ثم، فإن أردوغان قد يسعى من وراء ذلك الاقتراح لاستهداف الأكاديميين والصحفيين الذين ينتقدون العمليات الأمنية التي تنفذها قوات الأمن التركية ضد الأكراد في جنوب شرق البلاد، وهي العمليات التي تصاحبها انتهاكات بحق الأكراد، بالإضافة إلى استهداف نواب “حزب الشعوب الديمقراطي” الذي تتهمه الحكومة التركية بأنه الذراع السياسية لحزب العمال الكردستاني، ويواجه العديد من أعضائه تهماً تتعلق بالإرهاب.
دوافع اقتراح أردوغان
يستهدف كل من أردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم تحقيق مجموعة من الأهداف من خلال مقترح تجريد الإرهابيين وداعمي التنظيمات الإرهابية من الجنسية، وتتمثل أبرز هذه الأهداف في الآتي:
1- تدعيم أردوغان وحزب العدالة والتنمية لشعبيتهما في الشارع التركي:
يسعى الرئيس التركي من وراء تصعيده غير المسبوق ضد التنظيمات الإرهابية، خاصةً حزب العمال الكردستاني، الطرف الرئيسي في الصراع الدائر الآن في تركيا، إلى تدعيم شعبيته في الشارع التركي الذي بدأ يعترض على حالة التقصير الأمني، وعدم قدرة الأجهزة الأمنية على التصدي للعمليات الإرهابية.
2- محاولة الحصول على دعم حزب الحركة القومية أو عدد من أعضائه بالبرلمان لتمرير التعديلات الدستورية:
يواجه حزب العدالة والتنمية صعوبة في تمرير التعديلات الدستورية، بسبب اعتراض أحزاب المعارضة، خاصةً الشعب الجمهوري والشعوب الديمقراطي، على التحول من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، وهو ما يسعى حزب العدالة والتنمية لتجاوزه من خلال الحصول على تأييد 14 عضواً من المعارضة لهذه التعديلات، بجانب 317 عضواً لدى العدالة والتنمية، للوصول إلى 330 نائباً، وهو العدد اللازم للذهاب إلى الاستفتاء الشعبي على التعديلات الدستورية.
ويراهن أردوغان في هذا الصدد على أعضاء حزب الحركة القومية، وهو أكثر الأحزاب تشدداً تجاه القضية الكردية، من خلال التصعيد ضد حزب العمال الكردستاني.
3- ممارسة مزيد من الضغوط السياسية والقضائية على الأكراد بجانب التصعيد العسكري ضدهم:
يستهدف أردوغان من اقتراحه بسحب الجنسية من الإرهابيين، الذين من بينهم أنصار وداعمو حزب العمال الكردستاني، إلى محاصرة حزب الشعوب الديمقراطي، الذراع السياسية لحزب العمال الكردستاني، سياسياً وقضائياً، حيث يواجه العديد من أعضائه، بمن في ذلك زعيم الحزب صلاح الدين ديميرطاش، تهماً تتعلق بالإرهاب ودعم تنظيم حزب العمال الكردستاني، بما يهدد بسجنه وحل الحزب، الأمر الذي سيصب في مصلحة حزب العدالة والتنمية – حال حدوثه- من خلال ترشح أعضائه على المقاعد الشاغرة، وبالتالي زيادة عدد مقاعده بالبرلمان، بما يُمكَّنه من تمرير التعديلات الدستورية.
جدير بالذكر أن حزب الشعوب الديمقراطي يمتلك 59 مقعداً بالبرلمان التركي، ويحتل المرتبة الثالثة بعد حزب الشعب الجمهوري.
تداعيات اقتراح أردوغان على المشهدين السياسي والأمني في تركيا
من شأن اقتراح أردوغان بتجريد الإرهابيين وداعمي التنظيمات الإرهابية من الجنسية التركية، أن يؤدي إلى مجموعة من التداعيات السلبية على الأوضاع الأمنية والسياسية المتدهورة بالفعل في البلاد، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:
1- تزايد حدة العنف في تركيا، خاصةً من قِبل أنصار حزب العمال الكردستاني أول المستهدفين بهذا الاقتراح، حيث قد ينخرط المزيد من داعمي الحزب، والذين كانت لديهم تحفظات على النهج التصعيدي للأكراد في مواجهة الدولة التركية، في عمليات عنف باستهداف قوات الأمن ومؤسسات الدولة التركية، وذلك انطلاقاً من أن بقاءهم في تركيا وتمتعهم بحقوق المواطنة كغيرهم بات مُهدداً لمجرد دعمهم أو تعاطفهم مع حزب العمال الكردستاني حتى ولو لم ينفذوا عمليات إرهابية، وهو ما سيزيد من تدهور الأوضاع الأمنية في تركيا.
2- تزايد تمسك أكراد تركيا بمطلبهم بالانفصال عن الدولة التركية أو إقامة منطقة حكم ذاتي لهم، فضلاً عن تزايد حدة التوتر والاستقطاب العرقي في تركيا بين القوميين الأتراك والقوميين الأكراد، وهو ما قد يهدد تماسك الدولة التركية، خاصةً في ظل ما تشهده دول الجوار التركي في سوريا والعراق من صراعات طائفية وعرقية، وما استتبعها من طرح مفهوم الفيدرالية كحل للمشكلات الطائفية والعرقية في تلك الدول.
3- تزايد حدة الصراع السياسي في تركيا، إذ إن اقتراح أردوغان قد يطول صحفيين وأكاديميين وشخصيات عامة متهمين بدعم تنظيمات إرهابية، فضلاً عن تزايد حدة الصراع بين حزب العدالة والتنمية وأردوغان من جهة، وحركة فتح الله كولن المعارضة من جهة أخرى، حيث إن اقتراح الرئيس التركي يشمل مؤيدي الحركة التي تصنفها الحكومة التركية منظمة إرهابية، وهذا الأمر مُرشح بقوة حال أسقطت الحكومة التركية الجنسية عن الداعية فتح الله كولن بتهمة قيادة جماعة إرهابية، خاصةً أنه غير موجود في تركيا ويقيم بالولايات المتحدة منذ عام 1999.
عبداللطيف حجازي
مركز المستقبل للابحاث والدراسات المتقدمة