ما أن وقعت جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية أول اتفاقية دولية لتعيين الحدود البحرية بينهما، حتى وقعت الواقعة فى مصر، وأضحى الإنجاز خيانة وانقلبت الفرحة الى انتكاسة، للتفريط فى الشرف، والتنازل عن السيادة، وبيع التراب الوطنى فى صفقات مريبة، لدى بعض المتقولين والمتفيقهين من غير المتخصصين فى أى علم من العلوم .
يعد الاتفاق الرسمى الثنائى السعودى المصرى فى ديسمبر عام 1949 بمبادرة مصرية بين الملك عبدالعزيز آل سعود والملك فاروق الثانى اتفاقا دوليا ذا أثر قانونى ملزم للطرفين، بمقتضى البرقيات المتبادلة بين الدولتين Cables، مادام انعقدت إرادة الدولتين إلى احداث أثر قانونى ملزم لهما يتمثل فى (الاحتلال السلمي) لجزيرتى صنافير وتيران السعودتين من قبل القوات المسلحة الملكية المصرية والذى تم فى بداية العام 1950، وهنا لا ندلل فقط بجميع الكتابات البحثية الأكاديمية المحكمة، ولكن نشير أيضا لمضابط الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن التى تشمل مذكرات دبلوماسية موثقة صادرة عن المملكة السعودية والمملكة المصرية عامى 1950 وعام 1951 ولاحقا الأعوام 1953 وحتى عام 1957، فضلا عن المذكرة القانونية المحررة من همرشلد الأمين العام الاسبق للأمم المتحدة عام 1957 بصدد إجراءات الدولة المصرية ضد السفن الإسرائيلية والأجنبية المتجهة إلى إسرائيل فى خليج العقبة.
فى جلسة مجلس الأمن بتاريخ 15 فبراير 1954 صرح مندوب مصر فى مجلس الامن بأن احتلال مصر للجزيرتين إجراء احترازى دفاعى بالنظر لحالة الحرب القائمة مع إسرائيل، أما فى الجلسة الأشهر فى تاريخ جزيرة تيران تحديدا، والتى انعقدت فى مايو 1967، حين قامت مصر بإغلاق خليج العقبة ومضيق تيران، فى وجه الملاحة الدولية المتجهة الى اسرائيل ، صرح سفير مصر لدى منظمة الأمم المتحدة الدكتور محمد القونى لفظا وحرفا بأن «الجمهورية العربية المتحدة لم تكن لديها أى نية لضم الجزيرتين صنافير و تيران، ولن تضمهما مستقبلا».
لقد أكدت محكمة العدل الدولية فى شأن التصريحات الانفرادية المتعلقة بأوضاع قانون أو واقع أنها ترتب التزامات دولية قانوينة على مطلق هذه التصريحات طالما صدرت عن ممثلى الدول، حيث تظل الدولة المعنية مرتبطة قانونا باتباع السلوك المطابق لتصريحها، فأشارت المحكمة أثناء النظر فى مسألة إجراء فرنسا التجارب النووية فى جزر المحيط الهادى إلى الأهمية القانونية للتصريحات الفرنسية بشأن وقف إجراء التجارب، وأكدت أن تصريحات الحكومة الفرنسية فى هذا الشأن توجد التزامات قانونية دولية، ولذلك فقد ارتأت المحكمة أن التصريح ملزم «مادات نوايا الدولة صاحبة التصريح تكمن فى جعله ملزما بموجب الشروط الواردة فيه».
وهنا لا تستطيع مصر التحلل من التزاماتها الدولية ليس فقط تأسيسا على التصريحات الانفرادية لجميع مندوبى مصر فى الأمم المتحدة، حتى عام 1967، ولكن أيضا التصريح المنفرد للرئيس مبارك عام 2003 بالتعهد أمام قمة الملوك والرؤساء العرب برد الجزيرتين للملكة السعودية، فهذا يعد اعترافا صريحا من جانب ممثل الدولة، يستحيل مقارنته برئيس ذات الدولة الرئيس جمال عبدالناصر الذى يقر حقا يدعيه لدولته، فى خطاب تليفزيونى شهير. إن الاحتلال العسكرى السلمى المصرى للجزيرتين السعوديتين، بموجب الاتفاق السعودى المصرى المشار اليه، حيث توجد قوات أجنبية لدولة على اقليم دولة أخرى بالاتفاق، وتباشر دولة الاحتلال من خلاله اختصاصات محدودة على إقليم الدولة التى احتلالها، غير أن ذلك الاحتلال لا يمنحها الاختصاص الإقليمى الكامل ولا الدائم، لأنه بطبيعته مؤقت عارض استثنائي. والأهم فى ذلك الصدد أن السلطة العسكرية المصرية فى الجزيرة، لم تباشر حتى أعمال الإدارة فى الجزيرتين المهجورتين، كما زعم البعض.
إن الاحتلال السلمى لا ينقل السيادة بحال من الأحوال شأنه فى ذلك الاحتلال الحربى التقليدى كما فى حالة إسرائيل فى الجولان والأراضى الفلسطينية المحتلة، صحيح أن المراسيم الملكية والقرارات الجمهورية بعد ذلك منحت سلطة مؤقتة للسلطات البحرية فى الجزيرتين، لكن مفهوم السيادة أوسع وأشمل من ممارسة شكل من أشكال السيطرة على الاقاليم أو الجزر . إن الاتفاق السعودى المصرى عام 1949فى ديسمبر، يعد أهم دليل لإثبات السيادة السعودية على الجزيرتين، حيث لم تنعقد إرادة الدولتين الى نقل السيادة السعودية الى مصر على الجزيرتين أو ضم مصر للجزيرتين من السعودية أوتنازل السعودية صاحب الحق الأول الاصلى عن الجزيرتين إلى مصر.
أما البعد أو القرب الجغرافى، فلا يعدان بمفردهما الدليل الأهم فى إثبات ملكية الجزر، حيث أكدت محكمة العدل الدولية ذك فى عام 2001 فى قضية الحدود البحرية بين قطر والبحرين، حيث أقرت بسيادة البحرين على جزيرة حوار رغما من قربها من قطر وبعدها عن البحرين، حيث اعتبرت المحكمة مجموعة أخرى من الأدلة الثبوتية فى تقدير سيادة البحرين على الجزيرة، ونهجت أيضا الهيئة التحكيمية الدولية للفصل فى السيادة على جزر حنيش وتعيين الحدود البحرية بين الجمهورية اليمنية ودولة أريتريا، ذات النهج، حيث أقرت بسيادة اليمن على جزر حنيش القريبة جدا من إريتريا والبعيدة جدا من اليمن.
لقد أشار البعض أيضا إلى خريطة معينة فى معرض زعمهم بمصرية الجزيرتين، لكن دون أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث الأمين، والتنقيب المبين، فى مدى حجية الخرائط انفرادا للتدليل على السيادة على الأقاليم والجزر والأرخبيلات، ففات عليهم يقينا، أن القيمة الاستدلالية للخرائط فى هذا الصدد، ليس مقطوعا بها تماما، ويجب أن تتوافر فيها شروط معينة، حددها القانون الدولي، ولم تكن الخرائط ذاتها التى استعانت بها مصر، فى اثبات السيادة المصرية على طابا، هى الدليل الثبوتى الوحيد ذا الحجة المطلقة، فالخرائط إضافة للأدلة الثبوتية الأخرى لاكتساب الأقاليم أو الجزر حجيتها نسبية لا مطلقة.
أيمن سلامة
صحيفة الأهرام المصرية