يطيح مقتل زعيم طالبان، الملا أختر منصور، في غارة أميركية فرص السلام وآماله في المنطقة. ويعتقد كثر في باكستان وأفغانستان أن قرار إدارة أوباما اغتيال زعيم طالبان ساذج، شأن مسارعتها الى دعوة الحركة هذه الى حل الخلافات عبر طاولة المفاوضات. ولكن لا أحد قادراً على اقناع الأميركيين أن من مصلحتهم الاستماع الى الآخرين. وتتحمل أميركا المسؤولية المباشرة عن تقويض فرص السلام وتعثرها وعدم نجاحها. وعليها التفكير في مسألة بارزة: هل اللجوء الى القوة العسكرية في الاعوام الخمسة عشر الماضية ساهم في حل المشكلة أم أنه فاقمها؟ وهل تحسِب الولايات المتحدة أن قتلها زعيم طالبان سيرغم الحركة على الاستسلام؟ هذا لن يحدث. فسياسة طالبان لا يقرها مولوي هبة الله وحده. فمجلس شورى طالبان هو الذي يلعب الدور الأساس في رسم سياسة الحركة.
وهل تتوقع الولايات المتحدة من باكستان المساعدة بينما هي تمطر الأراضي الباكستانية بصواريخها القاتلة، ولا تستثني من نيرانها بلوشستان حيث تعد باكستان لإرساء عدد من السياسات من أجل ضمان إقامة الخط التجاري الصيني – الباكستاني؟ وفاقمت الغارة الأميركية القلق من تمدد الغارات الاميركية إلى بلوشستان. وأعلنت إسلام آباد أن الغارة هي عدوان على باكستان.
وسيواجه الأميركيون وقتاً عصيباً في تسويغ الغارة. ويرى كثر انها ساهمت في تعقيد الجهود الديبلوماسية الرامية الى إقناع طالبان وقيادتها بالتفاوض مع نظام الرئيس الافغاني، أشرف غني. وقبل أسابيع قليلة من الغارة الأميركية، أغلق أشرف غني الباب أمام الحوار مع طالبان. الأفغان عليهم أن يدركوا أن باكستان والصين أو أي دولة أخرى لن تكون مسؤولة عن العنف الدائر في أراضيهم، وأن مفتاح الحل في واشنطن وكابول. وحري بهما تعبيد الطريق امام حوار سياسي مع طالبان. وفي إمكان باكستان والصين الســـعي الى إقناع طالبان بالخيار السياسي أو استضافة الحـــــوار. ولا يســـع أحداً غير واشنطن وكابول الموافقة على شروط طالبان. وليس من شأن إسلام آباد أو بكين البت في حق طالبان في فتح مكتب سياسي في قطر. ولا يعود اليهما إطلاق سراح أسرى طالبان، ولا يملكان إقناع مجلس الأمن بإزالة أسماء قادة طالبان من قائمة المطلوبين دولياً.
وفي 26 أيار (مايو) الجاري، دعا الناطق باسم الخارجية الأميركية القائد الجديد لطالبان الى الانضمام إلى عملية السلام، في وقت كانت الحركة في حداد على مقتل قائدها ملا أختر منصور. وتصدرت أولويات طالبان رص صفوفها ثم دراسة أثر اغتيال منصور في نشاطها. وشاغل طالبان اليوم هو إعادة تنظيم صفوفها الداخلية، اثر انتخاب قائدين جديدين في أقل من عام. وتعكف طالبان على صوغ استراتيجية جديدة ترمي إلى الحؤول دون تأثير موت زعيميها سلبياً في موسم القتال الحالي.
ويرى مسؤولون في طالبان أن مواقف القيادات الجديدة من امثال سراج الدين حقاني، النائب الأول للأمير «الطالباني»، وملا محمد يعقوب نائبه الثاني- وهو ابن الملا محمد عمر مؤسس الحركة- هي أكثر تشدداً من موقف منصور حول عملية السلام. وقادة طالبان المقربون من مولوي هبة الله يقولون إنه من الصعب إقناع مولوي هبة الله الدخول في الخيار السياسي والحوار مع كابول. لذا، حري بواشنطن والدول الاخرى التمعن في خياراتها، قبل السعي الى اقناع طالبان بالمشاركة في عملية السلام من طريق غارات الدرون الاميركية.
* كاتب متخصص في الشؤون الأفغانية، عن «ايكسبريس تريبيون» الباكستانية، 28/5/2016، إعداد جمال اسماعيل
نقلا عن الحياة