هل يمكن تنويع القاعدة الاقتصادية في الكويت؟ هذا السؤال بات مطروحاً من قبل العديد من المسؤولين الحكوميين ومؤسسات دولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، بالإضافة إلى عدد من المختصين الاقتصاديين في البلاد. معلوم أن الكويت تعتمد اقتصادياً ومنذ 70 سنة على إنتاج النفط وتصديره، ويعني ذلك أن البلاد تعتمد على مصدر طبيعي، ربما يكون قابلاً للنضوب أو تتراجع أهميته الاقتصادية مع مرور الزمن وتطور تقنيات الاستخدام أو توافر بدائل طاقة جديدة ذات تكاليف تنافسية.
وخلال العقود السبعة الماضية، ظل النفط ذو كلفة اقتصادية مقبولة ولم تتمكن بدائل أخرى مثل الطاقة النووية أو الغاز أو الطاقة الشمسية أو الرياح وغيرها من بدائل طاقة متجددة من المنافسة في شكل يضعف حضور النفط في اقتصاديات الطاقة، لا بل ان النفط تمكن خلال العقود الماضية من خفض الاعتماد على الفحم في استخدامات الوقود والتدفئة، خصوصاً بعد تزايد الاهتمام بالتبعات البيئية لكل مصادر الطاقة.
خلال السنوات القليلة الماضية، تمكنت التطورات التقنية من تخفيض تكاليف توليد الطاقة الشمسية في شكل مهم، كما أن النفوط التقليدية باتت تواجه منافسة من النفط الصخري الذي تعززت جدواه الاقتصادية بعد ارتفاع سعر النفط إلى ما يزيد عن مئة دولار للبرميل، ولذلك فالولايات المتحدة، التي كانت تعتبر أكبر مستورد للنفط التقليدي، تمكنت من خفض اعتمادها على النفط المستورد.
بيد أن الكويت التي أصبحت تواجه كل هذه التحديات في اقتصاديات النفط والطاقة، لم تتمكن من بناء قاعدة اقتصادية مكينة تهدف إلى تنويع مصادر الدخل للبلاد أو تطور نشاطات اقتصادية ذات جدوى وتملك ميزات نسبية تؤدي إلى تقليص الاعتماد على أدوات الإنفاق العام الممولة بإيرادات النفط. صحيح أن حكومة الكويت ومنذ العام 1953 عمدت إلى اقتطاع أموال من إيرادات النفط وتوظيفها من خلال صندوق سيادي يحقق إيرادات لا بأس بها، وصلت في سنوات تراجع أسعار النفط مثل ثمانينات القرن الماضي إلى مستويات تضاهي إيرادات النفط. لكن هذا التنويع في الإيرادات السيادية لا يمثل تنويعاً حقيقياً في القاعدة الاقتصادية، فالتنويع المطلوب يشمل تطوير الاقتصاد المحلي لتوليد نشاطات اقتصادية متحررة من الاعتماد على الإنفاق الحكومي وقادرة على خلق فرص عمل للمواطنين وتعزيز الصادرات غير النفطية، ومن ثم تساهم بنسبة مهمة من قيمة الناتج المحلي الإجمالي.
وثمة من يطرح مسألة تنويع قاعدة الاقتصاد النفطي مثل تعزيز مساهمة الصناعات المعتمدة على النفط مثل نشاطات التكرير وصناعات البتروكيماويات والأسمدة والولوج في صناعات مختصة للاستفادة من النفط كمادة أولية في عمليات الإنتاج. وبدأت الكويت مبكراً في نشاطات التكرير والصناعات البتروكيماوية. ومصافي الكويت ربما تنتج الآن ما يقارب 900 ألف برميل يومياً من المشتقات النفطية، كما أن الصناعات البتروكيماوية، التي أصبحت تحظى بمشاركات من قبل شركات عالمية مختصة مثل “داو كيميكال”، باتت تحظى بنتائج طيبة.
لكن، ما هي العناصر التي قد تساعد الكويت على تنويع القاعدة الاقتصادية؟ لا شك في أن بلداناً عديدة تمكنت من تطوير اقتصاداتها وتحديثها من دون أن تملك مصادر طبيعية مثل النفط أو المعادن، ومن هذه البلدان اليابان وسنغافورة وكوريا الجنوبية وبلدان أخرى في مختلف القارات. بل إن عدداً من هذه البلدان تمكنت من بناء صناعات تحويلية واستوردت المواد الخام اللازمة لها، وهناك من استورد العمالة من الخارج لتوظيفها في تلك الصناعات.
تلك البلدان أصبحت من أهم البلدان المصدرة للسلع والبضائع، وأخرى مصدرة للخدمات المالية وغيرها. أهم العناصر التي ساعدت بلدان عديدة على التحديث الاقتصادي عنصر التعليم والمعرفة إذ استثمرت الدول المعنية في قطاع التعليم وأكدت على أهمية الجودة وتوفير مخرجات مؤهلة من النظام التعليمي. وكان بإمكان الكويت أن تحقق نتائج باهرة في التعليم إذ إن قاعدة السكان الوطنية محدودة وتوافرت لديها أموال مهمة للاستثمار في هذا القطاع الحيوي. واهتمت الكويت في بداية عصر النفط بالتعليم وابتعثت المئات ثم الآلاف من الكويتيين للدرس في البلدان المتقدمة، كما جرى تأسيس جامعة الكويت عام 1966، وأصبح لدى البلاد عدد كبير من خريجي الجامعات ومن المؤهلين في تخصصات متنوعة. هذا التطوير لم يواكبه تطوير للتعليم المهني أو التطبيقي الذي يمكن من توفير عمالة وطنية مؤهلة للعمل في مختلف النشاطات الاقتصادية.
ما تولد عن النظام الاقتصادي الريعي من ثقافة الاتكال والاعتماد على دور الدولة عطل القدرات الإبداعية وهمش المبادرات وعزز الاعتماد على العمالة الوافدة. لذلك فالتنويع الاقتصادي يتطلب مراجعات واسعة النطاق للسياسات المالية والاقتصادية ويستدعي تقليص دور الدولة في النشاط الاقتصادي. وهناك أهمية لدفع القطاع الخاص لأداء دور محوري في الحياة الاقتصادية واكتشاف النشاطات المجدية اقتصادياً من دون التعويل على دعم الدولة، وهذا يتطلب تحرير مختلف النشاطات من ملكية الدولة وتكليف القطاع الخاص بملكيتها وإدارتها. تضاف إلى ذلك أهمية الانفتاح على الاستثمار الأجنبي وتوفير البنية القانونية التي تمكن من تحقيق شراكات بين مؤسسات القطاع الخاص الوطنية مع شركات أجنبية مختصة.
جريدة الحياة