أصبحت تركيا في خضم تحول كبير في سياساتها في سوريا؛ فقد عارضت أنقرة طويلًا الأكراد السوريين لأنها تعتبرهم فروعًا للحركة الانفصالية الكردية التركية وحزب العمال الكردستاني. لكنها الآن توصلت إلى اتفاق مع واشنطن تنوي من خلاله الموافقة على دعم الحزب الديمقراطي السوري وجناحه العسكري، بالإضافة إلى وحدات حماية الشعب السوري في مواجهة الدولة الإسلامية. سيظل الأتراك يعتبرون الأكراد السوريين كأعداء. الآن وعلى الرغم من ذلك، تظل أولويتهم القصوى هي علاقتهم مع الأمريكيين، بالإضافة إلى تهديد الدولة الإسلامية.
زعم وزير خارجية تركيا، مولود تشاووش أوغلو، في السابع من شهر يونيو، أن واشنطن قد ضمنت أن القوات الكردية السورية لن تُبْقِيَ على وجودها غربي نهر الفرات بعد انتهاء العمليات العسكرية ضد الدولة الإسلامية بقيادة الولايات المتحدة. في حديث له مع مذيع وكالة “ت.ر.ت هابر” الحكومية أشار كبير الدبلوماسيين الأتراك بالقول: “إذا أرادت وحدات حماية الشعب أن تقدم دعمًا لوجستيًا في غرب الفرات فهذا الأمر مختلف. لكن بعد انتهاء العمليات لا نريد أي مسلح من وحدات حماية الشعب من الجهة الغربية (الفرات)، الأمر الذي أكدته الولايات المتحدة”.
في الثاني من يونيو، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنه تم التأكيد لدولته أن العرب سيقودون القتال ضد الدولة الإسلامية في منطقة منبج شمالي سوريا بينما وإلى حد كبير، سيلعب الأكراد دورًا لوجستيًا.
لم تصرح تركيا إلا في الثلاثين من يونيو أنها مستعدة للانضمام إلى عمليات مشتركة مع الولايات المتحدة ضد الدولة الإسلامية. لكن بشرط عدم مشاركة أكراد سوريا. لقد لاحظنا بداية التغير في السياسة التركية عندما قام الجنرال جوزيف فوتال، قائد الجيش التابع للقيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم)، بزيارة مفاجئة لتركيا ليطلب من تركيا لعب دور رئيسي في الحرب ضد الدولة الإسلامية. زيارة فوتيل تمت عبر سوريا، أين اجتمع بوحدات حماية الشعب والحزب الديمقراطي السوري؟.
قبل ثلاثة أيام لمّح أردوغان إلى التحول في موقف تركيا عندما عبر أن تركيا ليس لديها لا الخيار ولا الحق لإدارة ظهرنا على منطقتنا والعالم، مضيفًا “من يقول أو يدعي أو يتخيل أن لا دخل لنا في ما يحدث في سوريا والعراق والشرق الأوسط؟” كانت هذه التصريحات الإشارة الأولى إلى أن تركيا كانت أخيرًا مستعدة لمحاربة الدولة الإسلامية.
كان الأتراك قد قاوموا الضغط الأمريكي للعب دور رئيسي في الجهود المبذولة ضد الدولة الإسلامية في سوريا. وكانت وجهة نظرنا أن أنقرة ستُقحم في سوريا في النهاية، لكن لم نكن نتوقع أن القوات التركية ستزحف على سوريا سنة 2016.
لا يتحمل الأتراك مشاكل حول كامل محيطهم ولا علاقة سيئة مع الأمريكيين. كانت سوريا تحديًا متصاعدًا منذ أن تأكد أن الأمر لم يتعلق بالإطاحة بنظام الأسد. لكن في نوفمبر الماضي أصبح الوضع في سوريا أكثر تعقيدًا عندما أسقط الأتراك المقاتلة الروسية على الحدود السورية.
تعني تلك الحادثة أنه كان لتركيا أزمات في الشمال والجنوب. فمن المستحيل أن يكون الأتراك في خصومة مع واشنطن وموسكو في وقت واحد. في الوقت نفسه شهدت علاقة تركيا توترًا مع أوروبا بسبب قضية الهجرة، بالإضافة إلى إحجامها عن القضاء على الدولة الإسلامية. والسبب الأساسي الذي جعل الأتراك مترددين للتصدي للدولة الإسلامية هو التخوف من أن الإقدام على ذلك سيدعم الأكراد السوريين ومن ثم تفاقم وضعية حركة الانفصاليين الأكراد المحلية. وأصبح ذلك القلق ثانويًا مع احتياج تركيا للتخلص من الضغط الذي تواجهه على جميع الأصعدة.
في الوقت نفسه أصبحت الدولة الإسلامية تشكل خطرًا على الأمن التركي. فالمخرج الوحيد هو إصلاح العلاقات مع الأمريكيين. والثمن هو المشاركة في محاربة الدولة الإسلامية. بالإضافة إلى ذلك كان من الواضح أن الأكراد السوريين سيصبحون على الأرض ضد الدولة الإسلامية، الأمر الذي لن يسمح به الأتراك. بكل موضوعية، يدرك الأتراك أن الأكراد السوريين هم القوة الوحيدة القادرة على الضرب في قلب خلافة الدولة الإسلامية.
المتمردون الإسلاميون الذين تدعمهم تركيا والسعودية وقطر يركزون على قتال نظام الأسد. من المتأكد أن الأتراك لا يريدون إقحام قواتهم، الأمر الذي يفسر موافقتهم على استعمال القوات الخاصة. لذلك انتقلوا من المطالبة بلعب المقاتلين العرب دوراً مهمًا بينما يضطلع الأكراد بدور ثانوي إلى الموافقة على دور الأكراد في محاربة الدولة الإسلامية ما دام الأكراد لا يسيطرون على مناطق غربي الفرات.
الحرب ضد الدولة الإسلامية لن تتوقف في أي وقت قريب، لذلك من الصعب التكهن بما سيحدث. في وقت ما في المستقبل من الممكن أن الأكراد سينشرون عددًا كبيرًا من القوات في هذه العملية. وقد لا يقدمون على ذلك لمحاربة الدولة الإسلامية لكن من المرجح أنهم سيقومون بذلك لمنع الأكراد السوريين من تعزيز إقليم كردستان الموجود في الشمال الشرقي لسوريا.
بغض النظر عن مصير الدولة الإسلامية والأكراد والوضع العام في سوريا، من المرجح أن الولايات المتحدة ستحصل على ما تريد لجعل تركيا تلعب دورًا محوريًا لإدارة سوريا التي مزقتها الحرب.
ريل كلير وورلد
التقرير