في تطور لافت في سوريا، نفّذت طائرات مقاتلة، أقلعت من الحاملة الروسية أميرال كوزنتسوف في البحر المتوسط، لأول مرة غارات على مواقع لمنظمات جهادية، وفق ما أعلن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو الثلاثاء.
وتأتي هذه الغارات الروسية بعد توقف قارب الشهر على قصف الأحياء الشرقية من مدينة حلب السورية.
وقال شويغو “لأول مرة في تاريخ الأسطول الروسي، تشارك حاملة الطائرات أميرال كوزنتسوف في عمليات مسلحة”.
وأكد وزير الدفاع الروسي أن العمليات الجوية شملت بالأساس مناطق في إدلب (غرب) وحمص (وسط)، دون أن يشير إلى أي قصف في حلب، مع أن المرصد السوري وجماعات المعارضة أكدوا وقوع هجمات جوية نفذتها طائرات سورية وروسية على الأحياء الشرقية من المدينة.
وأبدى دبلوماسيون غربيون في العاصمة البريطانية قلقهم من حركة السفن الروسية في البحار ومما تحضّره موسكو ميدانيا لفرض أمر واقع في الشرق الأوسط قبل تولي الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب رسميا مقاليد الحكم في الولايات المتحدة في 20 من يناير المقبل.
واستندت هذه الأوساط على تقارير عسكرية وعلى تصريحات علنية روسية بالاستعداد لمعركة في حلب هدفها السيطرة على المدينة كاملة تحت عنوان طرد عناصر جبهة فتح الشام (النصرة) من المدينة.
وتحدثت المعلومات عن أن السفن الحربية الروسية وحاملة طائراتها باتت على أهبة الاستعداد لهجوم محتمل للانقضاض على حلب بدعم من القوى التابعة لإيران وفي مقدمتها قوات حزب الله اللبناني، الذي أجرى مؤخرا استعراضا عسكريا لافتا في القصير في رسالة أراد التسويق من خلالها إلى إنه أضحى رقما مهما في المعادلة
السورية.
وترى مراجع غربية أن معركة حلب حلقة من سلسلة تصبّ في الهدف الإستراتيجي لروسيا وهو تثبيت أقدامها في المنطقة وجعلها رقما صعبا في المعادلات الإقليمية والدولية، خصوصا أن خطاب الرئيس ترامب يجرّ مياها إلى الطواحين الروسية لجهة الاعتراف بالدور الروسي في سوريا و”وقف الدعم الأميركي” للمعارضة لصالح نظام الرئيس بشار الأسد.
واعتبرت صحيفة إندبندنت البريطانية أن “استعداد روسيا للسيطرة على مناطق المعارضة في حلب ليس إلا خطوة ثانية لمهمة روسيا في المنطقة”.
وتعتقد مصادر أوروبية في لندن أن روسيا ستبحث عن عناوين تتجاوز القضاء على داعش والنصرة لإدامة نفوذها في المنطقة، على الرغم من قناعة هذه المصادر بأن روسيا وحلفاءها، ورغم احتمال التبدل في استراتيجيات واشنطن في سوريا، سيواجهون صعوبة في حسم المعركة عسكريا.
ونقلت إندبندنت عن السفير الروسي في بريطانيا، الكسندر ياكيفنكو، قوله، إن النصرة هي منظمة إرهابية تابعة لتنظيم القاعدة وإن هناك جماعات “من المتمردين” تدعم “النصرة” وهي تتلقى بدورها دعما من الغرب.
كما نقلت الصحيفة عن مستشار روسي سابق في الشؤون الخارجية أن “توقيت تنفيذ عملية تحرير حلب يعود إلى العوامل اللوجستية ولا علاقة له بالانتخابات الأميركية”، مضيفا أنه من غير المنطقي أن يتم التركيز فقط على داعش دون النصرة، فهما وجهان لعملة واحدة، وإن هناك الكثير من المعلومات الاستخبارتية التي تثبت أن إرهابيي داعش ينضمون إلى النصرة. وقال المستشار الروسي إن الأميركيين يدركون أن لا فارق بين التنظيمين.
وكانت تقارير للحلف الأطلسي تحدثت عن أن الاستعراض العسكري الذي تقوم به السفن والغواصات الروسية لا يضيف جديدا لرفد الموقف الروسي حيال معركة حلب، وأن ما تمتلكه روسيا في قواعدها الجوية في سوريا يؤمن قوة نارية هائلة لم تستطع حتى الآن إنجاز إسقاط المدينة كاملة في يد الجيش السوري والميليشيات الداعمة له.
ورأت هذه التقارير أن لهذا الاستعراض أهدافا لتفحّص الرد الفعل الغربي، والذي مازال غير مواكب وخجول ولا يمثّل ردعا لطموحات الرئيس فلاديمير بوتين.
وكان ينس ستولتنبرج، الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، قد صرح الثلاثاء، بأن الحلف يريد إجراء حوار مع روسيا بعد أن اتفق الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الاثنين، على “تعاون بناء”.
وقال ستولتنبرج للصحافيين قبل محادثات مع وزراء دفاع الاتحاد الأوروبي في بروكسل إن “رسالة حلف شمال الأطلسي هي أننا نريد الحوار مع موسكو. فروسيا أكبر جارة لنا وهي موجودة لتبقى ولا سيما عندما تتزايد التوترات، ولا سيما عندما نواجه تحديات أمنية مختلفة كثيرة من المهم إجراء حوار”. ويرى مراقبون أميركيون أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيعمد إلى قضم الإنجازات وفرض الأمر الواقع، محاولا عدم استفزاز الإدارة الجديدة للبيت الأبيض، وأنه يسعى من خلال التواصل الشخصي مع دونالد ترامب إلى تحقيق تفاهمات أوحى بها الأخير في سوريا، إلا أن هذه الأوساط تتوقع لهذا الود الشكلي أن يسقط بسبب تناقض المصالح التاريخية والآنية بين مؤسسات الولايات المتحدة وروسيا وبسبب تعقّد الملفات الدولية التي تتناقض داخلها مواقف الدولتين.