مطلع هذا الأسبوع، اتصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالرئيس الأميركي المنتخَب دونالد ترامب ليهنئه على الثقة الشعبية التي نالها، ويؤكد له استعداده للتعاون معه في مختلف المجالات. وعلقت موسكو على الاتصال الهاتفي بالقول أن هذه الخطوة تمهد للقاء شخصي بعد 20 كانون الثاني (يناير) 2017، أي موعد دخول ترامب الى البيت الأبيض، ونهاية عهد أوباما.
والمؤكد أن عبارات الإعجاب بالرئيس بوتين، التي كررها ترامب أثناء حملته الانتخابية، هي التي شجعت سيد الكرملين على الاتصال به، وإبلاغه قرار الانفتاح والتعاون. وذكرت الصحف الروسية أن الرئيسَيْن أشارا في حديثهما المقتضب، الى جعل سنة 2017 بداية مرحلة الانفراج الدولي.
الحكومة البريطانية لا تخفي قلقها من حدوث تقارب روسي – أميركي ربما يكون الشأن السوري أول اختباراته، خصوصاً بعدما باشر ترامب إطلالته الإعلامية الأولى هذا الأسبوع، عبر حديث أجراه مع صحيفة «وول ستريت جورنال». وقد رسم من خلال هذا الحديث، خطاً سياسياً مختلفاً عن الخط التقليدي الذي التزمته الإدارات السابقة. وقال صراحة أن إدارته ستركز ضمن أولوياتها على إنزال الهزيمة بتنظيم «داعش» بدلاً من السعي الى إسقاط نظام بشار الأسد.
ومثل هذا التصور الانقلابي يخالف تصور رئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماي، التي تتهم الأسد بارتكاب جرائم ضد شعبه. واستناداً الى هذه القناعة، فهي تطالب الأسرة الدولية بإعادة بناء مستقبل سورية من دون الرئيس الأسد، الذي تعتبره مسؤولاً عن مقتل 400 ألف مواطن وتهجير 7 ملايين نسمة. لذلك، طلبت من وزير خارجيتها بوريس جونسون السفر الى واشنطن، بهدف التعرف الى الأعضاء الجدد في إدارة ترامب، لعله ينجح في إقناعهم بتبني موقف لندن من التطورات الجارية في الشرق الأوسط.
وتنظر الحكومة البريطانية الى مواقف ترامب بطريقة لا تختلف عن سائر الحكومات الأوروبية. أي أنها ترى فيه رئيساً متقلباً في قراراته، عفوياً في تصريحاته، الأمر الذي يؤدي الى عجز المحللين عن استكشاف توقعاته، خصوصاً أنه تجاهل الأسماء البارزة في الحزب الجمهوري أثناء التعيينات، واختار معاونين يفتقرون الى الخبرة والحنكة… على الأقل حتى الآن.
يوم الاثنين الماضي، حدث على الجبهة السورية ما يؤكد نظرية التعاون بين بوتين وترامب. إذ شنت القوات الروسية حملة واسعة في البر والجو والبحر، عقب الانتهاء من حديث طويل على الهاتف بين الرئيسَيْن. ووصف وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، الغارات الصاروخية التي استهدفت شرق حلب ومواقع تدريب قوات المعارضة بالقرب من إدلب وحمص، بأنها مظهر من مظاهر التعاون على محاربة الإرهاب، علماً أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري، كان يتدخل لوقف القصف بحجة حماية المدنيين.
وكما شكل انتخاب ترامب حدثاً سياسياً غير متوقع، كذلك شكل انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للبنان خرقاً لجمود سياسي استمر نحو سنتين ونصف السنة.
وبما أن «حزب الله» لعب دوراً كبيراً في عملية الانفراج، فقد اعتبرته وسائل الإعلام الرسمية في إيران في مثابة القوة الدافعة التي تقود لبنان من الوراء. وعلقت صحيفة «كيهان»، الناطقة باسم المرشد الأعلى علي خامنئي، في افتتاحيتها تقول: النصر التاريخي لـ «حزب الله» في لبنان. ونشرت في صدر صفحتها الأولى صورة السيد حسن نصرالله وهو يستقبل الرئيس ميشال عون. وكان ذلك في مثابة مؤشر إلى العلاقة الوثيقة التي ستحظى بمباركة طهران. وبسبب الأهمية الاستثنائية التي يوليها خامنئي لدور لبنان على المتوسط، فقد أرسل الى بيروت وزير الخارجية محمد جواد ظريف، كبير المفاوضين في الاتفاق النووي.
وحرص ظريف، بعد زياراته المسؤولين اللبنانيين، على حضور «مؤتمر الفرص الاقتصادية بين إيران ولبنان». كما ألقى كلمة شدد فيها على أهمية التعاون الوثيق، والعلاقات الاقتصادية الصلبة، مع وعد بتذليل الصعوبات من أجل خلق فرص استثمارية بين البلدين.
رئيس «اللقاء الديموقراطي» اللبناني النائب وليد جنبلاط، دعا مختلف الأطراف الى التقاط اللحظة التاريخية التي سمحت بانتخاب رئيس جديد للجمهورية. كذلك، طالب عون وسعد الحريري بضرورة الإسراع في تشكيل الحكومة، ملمحاً الى تعليقات بعض السياسيين الذين وصفوا ميشال عون بأنه رئيس لم يُصنَع في لبنان، وبأن هذه الصناعة لم تحصل في يوم من الأيام.
في الوقت الذي انشغل اللبنانيون بمتابعة أخبار التشكيلة الحكومية، كان «حزب الله» يقدم عرضاً عسكرياً في بلدة القصير السورية لمناسبة «يوم الشهيد»، نفذته عناصر تابعة لـ «قوات التدخل».
وظهرت في العرض دبابات وناقلات جنود ومدفعية ميدان وشاحنات تحمل قاذفات ثقيلة. وتمثّل الأمين العام في هذا العرض برئيس المجلس التنفيذي في «حزب الله»، هاشم صفي الدين، الذي ألقى كلمة أشاد فيها بالنظام السوري، وتعهد الدفاع عنه.
وكان من الطبيعي أن يتبارى خصوم الحزب، في لبنان والخارج، حول تفسير الغايات السياسية والعسكرية التي تتوخاها قيادة «حزب الله» من وراء العرض فوق الأرض السورية.
واتفق المحللون على اعتبار هذا العرض العسكري مرتبطاً بمستقبل العلاقات الأميركية – الروسية – الإيرانية، وما قد تفرضه الترتيبات الدولية المقبلة من متغيرات على أرض الواقع. خصوصاً أن عهد ترامب يؤذن بنهاية مرحلة دامت من 9 تشرين الثاني (نوفمبر) 1989 – أي منذ تدمير جدار برلين – حتى اليوم.
ويُستدَل من فحوى الحديث الهاتفي الذي جرى بين الرئيسَيْن الروسي والأميركي، أن بوتين يطمح الى جعل ترامب شريكاً في المحادثات المتعلقة بدور الحلف الأطلسي ومستقبل أوكرانيا ورسم خريطة الشرق الأوسط الجديد، وإبرام اتفاق حل الدولتين بين الفلسطينيين وإسرائيل.
مستشار الرئيس الأميركي المنتخب للشؤون الخارجية وليد فارس، اختصر موقف ترامب من مسألة أزمة لبنان المستعصية منذ 1990 على الشكل التالي: يعتقد ترامب أن التسوية المطلوبة تبدأ من تنفيذ القرار 1559، الذي يدعو الى تجريد كل الميليشيات والقوى المسلحة غير الحكومية من أسلحتها، سواء كانت «حزب الله» أو المنظمات الفلسطينية. وقد صدر قرار الأمم المتحدة، الذي أيَّده في حينه العماد ميشال عون، سنة 2004.
واتفق المحللون على اعتبار العرض العسكري الذي أقيم في القصير السورية عملاً مرتبطاً بمستقبل العلاقات الروسية – الأميركية – الإيرانية، وما قد تفرضه الترتيبات الدولية المقبلة من متغيرات على أرض الواقع.
استباقاً لكل محاولة قد تُقْدِم عليها الإدارة الأميركية الجديدة، إن كان مع روسيا أو مع نظام بشار الأسد، فإن عرض «حزب الله» كان أشبه بتظاهرة مسلّحة بهدف إقناع الدول المعنية بأنه يمثل قوة إقليمية يجب أخذها في الحسبان.
ومن المؤكد أن اختلاف وجهات نظر الدول الأجنبية حول تصنيف «حزب الله» أعانه على زعزعة المواقف الملتبسة لغالبية الدول. ذلك أن الولايات المتحدة وكندا وفرنسا وهولندا تعتبره منظمة إرهابية مثل «القاعدة». في حين تحصر بريطانيا ونيوزيلندا هذا التعريف – أي الإرهاب – بالجناح العسكري للحزب. وبين هذا وذاك، تضع أستراليا «منظمة الأمن الخارجي» للحزب على قائمة الحظر. أما دول الاتحاد الأوروبي، فقد عجزت عن الاتفاق على تحديد موقف موحد، الأمر الذي ترك حرية القرار لكل دولة على حدة.
ومثل هذه البلبلة تعزز مكانة المختلفين على شرعية عمل «حزب الله» الذي انزلق بالمسيحيين والسنّة والدروز الى انعزالية لم تعرفها هذه الطوائف منذ زمن بعيد. لذلك، اعتبرت قرارات الحزب، غير المنظورة وغير المنشورة، مجرد هيمنة. وعليه، يرى المراقبون أن تشكيل حكومة اتحاد وطني لن يكون أمراً سهلاً مثل انتخاب رئيس الجمهورية!
سليم نصار
صحيفة الحياة اللندنية