تتميز المقالات التي تتناول سياسات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، بالتركيز على تصريحاته أثناء حملته الانتخابية أو التعليقات القصيرة التي يطلقها منذ انتخابه. ويُلاحَظ شيوع الشعارات لدى ترامب وغياب البرامج والخطط المخصصة لتنفيذ السياسات التي يعد ترامب بتنفيذها، وفق الأستاذ الجامعي ديفيد فيكتور.
يذكر فيكتور في مقال نشره معهد «بروكينغز» للبحوث في واشنطن، أن ترامب كان وعد بزيادة إنتاج أميركا من النفط والغاز، وإعادة إحياء صناعة الفحم الحجري، وتقليص العديد من أنظمة الرقابة على قطاع الطاقة الأميركية أو إلغائها بحجة أنها تقيد أعمال القطاع ولا تمكنه من الانطلاق اقتصادياً. ويضيف أن هذه الشعارات لا تعتمد على برامج أو خطط معروفة مخصصة لتنفيذها. ونظراً إلى غياب معطيات كافية عن سياسات ترامب، خصوصاً في ظل فوزه غير المتوقع، أصبحت التحليلات المتوافرة تركز على شخصيته وتعليقاته العابرة.
ويشير فيكتور إلى أن الأصعب في الأمر توقّع سياسات ترامب الداخلية، ويستبعد تقدم الأخير بمبادرات في شأن التغيير المناخي، ما يعني أن المبادرات التي بدأت في عهد الرئيس باراك أوباما ستوضع على نار هادئة من دون أي استعجال لمتابعتها، على رغم الأضرار التي ستلحق بالولايات المتحدة نتيجة لذلك. أما في خصوص السياسات الخاصة بلجم الانبعاثات والمرادفة لسياسات الطاقة، لأن مصدر معظم الانبعاثات هو من قطاع الطاقة، فترامب لن يتبنى على الأرجح سياسات جديدة تُضاف إلى الجهود الكبيرة التي بذلتها إدارة أوباما. وعلى رغم وعود ترامب بالتخلص من الأنظمة الرقابية، سيكون التخلص من خطة الطاقة الكهربائية النظيفة، والتحول في شكل واسع نحو الوقود الأحفوري، صعبَي التنفيذ خلال السنوات الأربع لعهد ترامب، وفق فيكتور، نظراً إلى أن استثمارات الطاقة بعيدة الأجل في طبيعتها، ولا يمكن تغييرها خلال أربع سنوات. وهنا يفترض الكاتب أن عهد ترامب سيقتصر على الفترة الرئاسية الأولى، فهو لن ينال ترشيحاً لولاية ثانية أو لن يفوز بها.
ويذكر فيكتور «أن أربع سنوات من حكم ترامب سيكون لها تأثير قليل في أنماط استثمارات الطاقة وسياساتها، إذ رسخت هذه الاستثمارات جذورها في الاقتصاد الأميركي. والسبب، أن قطاع الطاقة بطيء الحركة والتغيير. وغالبية السياسات الحالية مكرّسة في قوانين، لذلك سيكون صعباً جداً تغييرها. وأي محاولة من ترامب لتغيير السياسات الوطنية في مجال الطاقة، ستحول الصلاحيات والنشاطات المرتبطة بهذه السياسات إلى الولايات».
يتوقع فيكتور أن يترك انتخاب ترامب أثراً محدوداً في إنتاج النفط والغاز في الولايات المتحدة. فالغالبية العظمى من الإنتاج تعتمد على الشركات الخاصة العاملة على أراض خاصة، ولن تتغير الأنظمة الرقابية بهذه السهولة أو السرعة. ومن أهم المؤشرات التي يجب متابعتها الشخص الذي سيتولى وزارة الداخلية. وشهد عام 2014، إنتاج 21 في المئة من النفط الأميركي و14 في المئة من الغاز الطبيعي في أراض فيديرالية، وفق إدارة معلومات الطاقة الأميركية. ويُتوقَّع أن تسرع إدارة ترامب عملية تأجير الأراضي الفيديرالية، على رغم ان إجراء كهذا سيواجه عراقيل في المحاكم، ناهيك عن العراقيل التي ستواجه مشاريع مد خطوط أنابيب جديدة، إذ يُرجَّح أن تواجه الحكومة الفيديرالية معارضة قوية من الولايات، إضافة إلى اعتراضات الرأي العام، كما هو حاصل الآن.
ويفترض فيكتور أن حكومة ترامب ستتساهل مع منتجي الغاز الصخري وطريقة إدارتهم المياه التي يستعملونها في تكسير الصخور وكمية غاز الميثان المضرة مناخياً التي تطلقها هذه العمليات. لكن هذه العمليات أصبحت الآن مألوفة ومقبولة على رغم آثارها البيئية السلبية، كما أصبح معروفاً أن القوانين المرعية لن تعرقل عمليات الحفر.
ويبقى التحدي الرئيس لقطاع النفط والغاز في عهد ترامب، التخوف من أن تعمل الشركات البترولية كأن لديها صكاً مفتوحاً لتتصرف من دون الرقابة اللازمة، إذ يجب على الشركات البترولية الأميركية أن تضع خططاً بعيدة الأجل، وهذا أمر طبيعي بحكم عملها، إذ تحتاج إلى الاستمرار في العمل للعثور على طرق ذكية لخفض الانبعاثات وتبني سياسات بيئية إيجابية والاستمرار في الحفاظ على ثقة الرأي العام، حتى لو لم تساندها الحكومة الفيديرالية في هذه المسؤوليات.
ويُرجَّح أن تطلق رئاسة ترامب مناخاً جديداً للعمل، إذ ستزداد هبات الشركات إلى السياسيين، وستزداد التظاهرات والحركات الاحتجاجية ضد مد خطوط أنابيب جديدة. ومن غير المستغرب أن تتوسع هذه الحركات الاحتجاجية في شعبيتها وأعدادها.
ووعد ترامب عمال مصانع الفحم بتوسيع صناعتهم، لكن سرعان ما سيتبين عدم جدوى هذه الشعارات. ويحض فيكتور على إدارة تقلص صناعة الفحم والتأكد من أن المصانع الباقية غير مضرة بالبيئة. وهذه التحديات سيتم التعامل معها بمؤازرة الحكومة الفيديرالية أو من دونها.
وثمة مسألة مهمة لا تزال غامضة في سياسات الطاقة لترامب وهي الطاقة الكهربائية. تفادى ترامب الكلام عن هذا القطاع في حملته الانتخابية. وأطلق ملاحظات عابرة متهكمة حول إمكان استعمال الطاقات البديلة المستدامة لتوليد الكهرباء.
ووفق فيكتور، ازداد الاهتمام طاقوياً خلال السنوات الأخيرة باستخدام بدائل الطاقة المستدامة في توليد الكهرباء، ما عزز الاهتمام بالقطاع. ويضيف أن دور الحكومة الفيديرالية محدود في قطاع الكهرباء، لأنه من اختصاص الولايات أكثر من الحكومة الفيديرالية. أما اهتمام ترامب بتشييد البنى التحتية، الأمر الذي ركز عليه في الحملة الانتخابية، فينصب على تشييد الطرق السريعة والجسور والمطارات، وليس خطوط إمدادات الكهرباء.
وليد خدوري
صحيفة الحياة اللندنية