أقر مجلس النواب العراقي السبت قانون الحشد الشعبي الرامي إلى إضفاء الصبغة الرسمية على تلك الميليشيا ومعاملتها كقوات عراقية رسمية، وسط معارضة من مكونات سنية.
وتضم فصائل الحشد الشعبي مقاتلين ينتمون إلى أحزاب شيعية ويتلقون تدريبا وتسليحا من إيران.
وعملت هذه الميليشيا على لعب الدور الذي تلعبه القوات العراقية في المعارك ضد داعش، لكنّ ضغوطا أميركية بالدرجة الأولى حالت دون أن تفتكّ عناصر الحشد قيادة العمليات وأن تهمّش دور القوات الرسمية بدعم من الحكومة العراقية.
وصوّت 170 نائبا من أصل 208 من النواب حضروا جلسة البرلمان، الذي يبلغ عدد أعضائه 328، لصالح هذا القانون.
وبموجب هذا القانون ستصبح فصائل وتشكيلات الحشد الشّعبي “كيانات قانونية تتمتّع بالحقوق وتلتزم بالواجبات باعتبارها قوّة رديفة وساندة للقوات الأمنية العراقية ولها الحق في الحفاظ على هويتها وخصوصيتها مادام ذلك لا يشكل تهديداً للأمن الوطني العراقي”.
ويمنح القانون الذي فرضه التحالف الوطني (الشيعي)، مقاتلي الحشد امتيازات موازية لتلك التي يتقاضاها منتسبو وزارتي الدفاع والداخلية، وهي امتيازات عالية نسبيا قياسا برواتب المؤسسات المدنية.
ويلزم القانون الجديد الحكومة بتسليح الحشد الشعبي، وتأمين جميع مستلزماته اللوجيستية، ومنحه صلاحية تحرير المحافظات الواقعة تحت سيطرة داعش، ما يعني إضفاء شرعيّة على انتشاره في المناطق السنية، وما يتبع ذلك من تجاوزات وانتهاكات ذات بعد طائفي ضد السكان المحليين.
ولا يهدف القانون إلى استيعاب مقاتلي الحشد في الجيش أو القوّات العراقية، ولكن إلى الاعتراف بالميليشيات كجهاز عسكري مستقلّ عن بقية الأجهزة وتتولّى الحكومة العراقية الإنفاق عليه على أن يحتفظ الحشد باستقلالية إدارته وأجنداته.
وتثير هذه الصيغة من الإدماج مخاوف أطياف عراقية مختلفة لأنها تضفي شرعية على ميليشيات لديها أجندات غير عراقية، من حيث ارتباطها بإيران، وتخطيطها لخوض حروب بالوكالة لفائدتها، مثل إعلانها الانتقال إلى سوريا للقتال إلى جانب قوات الرئيس السوري بشار الأسد بعد الانتهاء من معركة الموصل.
وقال مراقبون عراقيون إن إضفاء شرعية قانونية على ميليشيات طائفية سيجعل الحكومة مطالبة بإضفاء شرعية على مكوّنات أخرى عرقية وطائفية مثل وحدات البيشمركة الكردية والحشد الوطني السني، أو أنها ستعلن انحيازها لطائفة دون أخرى وتفقد صفتها كحكومة عراقية جامعة.
ورحّب رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بإقرار القانون في بيان صادر عن مكتبه الإعلامي.
وأوضح البيان أن “الحشد أصبح على ضوء القانون تحت القيادة المباشرة للقائد العام للقوات المسلحة وهو من يضع أنظمته ويمثل كل أطياف الشعب العراقي ويدافع عن جميع العراقيين أينما كانوا”.
وأضاف أن هذا القانون “لم يكن ليحلو لجماعات الفوضى الذين عرقلوا تمريره طوال هذه المدة، ولكن انتصرت الإرادة الوطنية”.
وقال مراقب عراقي في تصريح لـ”العرب” إن العبادي بدا في هجومه على من عارضوا القانون كزعيم لحزب الدعوة وليس رئيسا للوزراء ينأى بنفسه عن الخلافات السياسية والبرلمانية.
واعتبر المراقب أن الحكومة من الصّعب أن تتحكّم في فصائل الحشد التي تتحرك وفق أجندة معدة في طهران، وأنها ستجد نفسها مضطرة في الأخير إلى تبرير انتهاكات الميليشيا الطائفية في المناطق السنية والدفاع عنها كسلوك رسمي، وهو ما يزيد من تأجيج حالة الاحتقان الطائفي والعرقي بالبلاد.
وشكر المتحدث باسم فصائل الحشد الشعبي النائب أحمد الأسدي، في مؤتمر صحافي، كل من أبدى وجهة نظره ومن اعترض على القانون.
وقال “نعتقد أن اعتراضاتهم، تنمّ عن حرص على القوات المسلحة لخدمة الوطن”.
وأشار إلى أن القانون الجديد سيجعل مقاتلي الحشد تحت إمرة القائد العام للقوات المسلحة.
ويشير كلام الاسدي إلى أن الحشد الشعبي صار مؤسسة رسمية، ومن الصعب على أي كان أن ينتقد دورها.
وقاطع النواب السنة الجلسة، خصوصا “اتحاد القوى” الممثل لغالبية القوى السنية في البرلمان، والذي اعتبر أن القانون يحمل في طياته “فرض إرادة سياسية”، مطالبا بإعادة النظر فيه.
وقال زعيم “اتحاد القوى” نائب رئيس الجمهورية أسامة النجيفي في مؤتمر صحافي إنه “يجب أن تكون هناك شراكة حقيقية وتوافق الجميع في وطن الجميع”.
وأضاف أن “هذه السياسة مرفوضة ويجب أن يعاد النظر فيها (…) ما جرى هو إخلال بمبدأ الدولة والشراكة والتوازن، ومحاولة لخلق أجهزة موازية للدولة، وهذا يضعف الدولة العراقية، ويضعف الأمل في بناء العراق”.
ووجهت لميليشيا الحشد الشعبي اتهامات بارتكاب انتهاكات بحق المدنيين السنة في بلدات وقرى استعادتها من مسلحي داعش وفقا لما ذكرته جماعات دولية تدافع عن حقوق الإنسان ومفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان.
وقال رعد الدهلكي وهو من النواب السنة “أنا لا افهم ما الحاجة لبديل عن الجيش أو القوات الأمنية… بصيغته الحالية (القانون) سيكون ما يشبه الحرس الثوري الإيراني”.
لكن رئيس مجلس النواب سليم الجبوري، وهو من كبار القياديين السنة، قال إن مجلس النواب بكل كتله لا يختلف حول إعطاء المقاتلين حقوقهم.
ولا يحدد القانون عدد المقاتلين الذين سيجندون رسميا ضمن صفوف فيلق الحشد الشعبي ولا يحدد تقسيم أفراده من بين الطوائف المختلفة.
وتقول قوات الحشد الشعبي أنها تضم حاليا 110 آلاف مقاتل. وتقول الحكومة إن ما يتراوح بين 25 و30 ألفا من الحشد الشعبي مقاتلون من عشائر سنية بينما أغلبية القوات من الشيعة ونسبة قليلة من الإيزيديين والمسيحيين.
ويقول مراقبون إن إفراد الحشد بهذا القانون سيجعله منطقيا محميا في أي مواجهة مع فصائل أو وحدات عسكرية عراقية أخرى مثل البيشمركة الكردية التي تدير الوضع الأمني في إقليم كردستان شبه المستقل في شمال العراق.