أرسل الملك عبدالله الثاني رسالة مصارحة ومكاشفة إلى الشعب الأردني تمحورت حول الوضع الاقتصادي الذي تمر به البلاد والذي وصفه بالصعب، وأوضح الملك في رسالته أن ما تشهده المملكة مرتبط بشكل كبير بوضع المنطقة وأنه لابد من إجراء إصلاحات مع الأخذ بالاعتبار الفئات الأقل دخلا.
عمان – يواجه الأردن أزمة اقتصادية خانقة، يخشى من تبعاتها على الوضعين الاجتماعي والأمني الهشين بطبعهما.
ولهذه الأزمة أسباب محلية وأخرى خارجية مرتبطة بالوضع الإقليمي الملتهب الذي كبد المملكة خسائر اقتصادية فادحة، يصعب تعويضها، خاصة وأن أفق الحلول بالمنطقة ضبابية.
وأكد العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، الثلاثاء، أن البلاد تمر بمرحلة من أصعب المراحل، ولابد من حماية الفئات الأقل دخلا والطبقة الوسطى.
جاء ذلك خلال لقائه في قصر الحسينية برئيسي مجلسي الأعيان والنواب وأعضاء المكتب الدائم في المجلسين، والذي تطرق خلاله إلى وضع البلاد الدقيق والذي يحتاج إلى تضافر جميع الجهود لتجاوزه، خاصة وأن المعارضة من الإسلاميين بدأت تشحذ سكاكينها في المجلس النيابي للنيل من الحكومة وربما تمني النفس باستهداف النظام ككل مجددا.
وقال الملك عبدالله إن “المنطقة في حالة حرب، ونحن نحاول جهدنا لزيادة النمو الاقتصادي، والحد من بطالة الشباب في ظل الظروف الصعبة، لكن لا بد أن نكون واقعيين بالنسبة إلى ما يمكن تحقيقه خلال العام الحالي”.
وأكد أنه وجه للحكومة أمرا بضرورة دراسة الإجراءات المقترحة للإصلاح المالي، والنظر في الخيارات البديلة التي تحمي الأقل دخلا.
وسبق وأن حذر صندوق النقد الدولي من أن سنة الـ2017 ستكون الأصعب على المملكة في حال لم يتم الاهتمام بالإصلاح الهيكلي لاقتصادها المتدهور.
ويخشى الأردنيون أن تأتي هذه التحذيرات مجددا على حساب جيوبهم في ظل غياب رؤية إصلاحية واضحة لحكومة هاني الملقي.
وكانت الحكومة قد أعلنت مؤخرا عن دفعة جديدة من الزيادات في الأسعار، الهدف منها توفير 450 مليون دينار من الإيرادات في موازنتها للعام الحالي.
وتطال هذه الزيادات أسعار المحروقات بما فيها أسطوانة الغاز المنزلية والمشتقات الأساسية، مع مضاعفة رسوم تجديد جواز السفر، وإلغاء الإعفاءات عن السلع باستثناء المواد الغذائية الأساسية والأدوية ومدخلات إنتاجها، إلى جانب توحيد ضريبة المبيعات ورفعها إلى 16 بالمئة.
ويرجح اقتصاديون أن تقدم الحكومة على اتخاذ إجراءات تقشفية جديدة في الفترة المقبلة ربما تستهدف المواد الغذائية الأساسية كالخبز، في ظل غياب حلول جذرية لهذه الأزمة الاقتصادية.
محمود أبوغنيمة: الضغط على قوت المواطنين سيدفعهم إلى الخروج إلى الشارع
وشدد العاهل الأردني على “أننا نبذل جهودا في الخارج لتوفير الدعم اللازم للأردن، ليس لأننا غير قادرين على دعم أنفسنا، بل لأننا نتحمل أعباء غيرنا أكثر من أي دولة حولنا”، في إشارة إلى عدد اللاجئين السوريين الذين تحتضنهم المملكة، والذي يتجاوز سقف المليون سوري، وفق تأكيدات دوائر رسمية أردنية.
ولفت إلى “أننا نمر بمرحلة من أصعب المراحل التي تواجه منطقة الشرق الأوسط، وهذه ليست أزمة أردنية فقط بل أزمة إقليمية”.
وأوضح الملك عبدالله “توجد أمامنا متغيرات كثيرة إقليميا ودوليا هذا العام ودور عربي مهم، وعمل كثير على المستوى الداخلي والخارجي”.
وجدير بالذكر أن العاهل الأردني كان في زيارة غير رسمية إلى الولايات المتحدة الأميركية حيث أجرى لقاءات مع فريق الرئيس الجديد دونالد ترامب الذي سيتولى منصب الرئاسة رسميا في الثلث الأخير من شهر يناير الجاري.
وأكدت مصادر سياسية مطلعة أن اللقاءات كانت تهدف إلى محاولة معرفة نوايا الإدارة الأميركية الجديدة حيال المنطقة، وبخاصة تجاه الأردن.
وحصلت في الفترة الأخيرة ضجة كبيرة أثارتها تصريحات نسبت للسفيرة الأميركية بعمان، أليس ويلز، حول أن واشنطن تنوي إيقاف الدعم المالي للملكة، قبل أن تطل الأخيرة وتنفي الأمر جملة وتفصيلا.
وأكد الملك عبدالله، خلال اللقاء، أهمية الوقوف يدا واحدة، حكومة وأعيانا ونوابا ووزارات ومؤسسات، للمضي قدما وتجاوز التحديات، مضيفا أنه “ليس هناك أحد قلق على الوطن أو المواطن أكثر مني، ولا يوجد أحد يعلم التحديات الاقتصادية والسياسية والأمنية أكثر مني، وأنا واثق تماما بأننا قادرون على تجاوزها”.
وشدد على أهمية التنسيق والتعاون بين الحكومة ومجلسي الأعيان والنواب في ما يتعلق بالتشريعات الاقتصادية في المرحلة القادمة، مضيفا “إن تنمية الموارد البشرية ومكافحة التطرف وبناء المواطن المسؤول في الدولة المدنية، الأولوية الأهم لحماية الأردن في كل الظروف”.
وبدأت ماكينة الإسلاميين تتحرك في الفترة الأخيرة، لاستثمار الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد، الأمر الذي من شأنه أن يعزز قلق الدوائر الرسمية الأردنية. وبدأ هذا التحرك على أكثر من منبر، سواء في النقابات أو في مجلس النواب.
وطالبت كتلة الإصلاح النيابية التي تقودها جماعة الإخوان المسلمين بتشكيل حكومة “إنقاذ وطني قادرة على التعامل مع الأزمات بكفاءة”، حسب ما جاء في مذكرة تقدمت بها لرئيس مجلس النواب عاطف الطراونة.
وقالت الكتلة إن المطالبة بتشكيل حكومة إنقاذ وطني تأتي “لخطورة الأوضاع الداخلية على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية، وفي ضوء ما كشفته الأحداث الأخيرة من عجز الحكومة وفشلها في التعامل مع الأحداث بكفاءة وفعالية”.
وطالبت الكتلة بأن تكون حكومة الإنقاذ الوطني “قادرة على النهوض مع أزمات الوطن بكل كفاءة وأمانة واقتدار، وأن تكون مؤلفة من فريق من الرموز السياسية المؤهلة قوة وأمانة، ممن يحترمهم الشعب ويحظون بثقته”.
وفي وقت سابق قال عضو مجلس النواب، صالح العرموطي، إن الشارع الأردني وصل إلى مرحلة “الغليان”. واعتبر أن رفع الأسعار يهدد الأمن الاجتماعي وإذا وافق مجلس النواب على الموازنة فسيكون شريكا في زيادة الضرائب والرسوم.
وانتقد العرموطي القريب من جماعة الإخوان الاتفاقية التي أبرمت مع صندوق النقد الدولي قائلا “كأننا في عهد الانتداب البريطاني، فالبنك الدولي يسيطر على رفع الحماية عن كل السلع”.
من جانبه حذر رئيس مجلس النقباء نقيب المهندسين الزراعيين، محمود أبوغنيمة، من أن الضغط على قوت المواطنين سيدفعهم إلى الخروج إلى الشارع.
ورأى أبوغنيمة المحسوب على الإخوان أن “تصريحات الحكومة المتضاربة حول رفع الأسعار هي مسرحية قديمة متهالكة أبطالها أشباح منفصلون عن واقع معيشة المواطنين وتفاصيل حياتهم”.
ومعلوم أن جماعة الإخوان التي عادت إلى قبة البرلمان بعد غياب سنوات، لها احترازات كثيرة على الحكومة الأردنية الحالية ورئيسها هاني الملقي الذي تجاهل تشريكها فيها.
ويتوقع أن تكثف الجماعة ضغوطها للإطاحة بها، وقد يصل الأمر إلى تحريك الشارع، وهو خط أحمر بالنسبة إلى النظام خاصة في الظرفية الحالية.
العرب اللندنية