يغادر الرئيس أوباما مكتبه مع شعبية عالية أكثر من أي رئيس سابق. بأي مقياس فإن الرئيس الـ44 لأمريكا ترك الدولة التي اختير لقيادتها في شكل أفضل بكثير من يوم تنصيبه.
وعند بدايته كان هناك أسوأ حالة اقتصادية داخلية منذ الكساد العظيم، الذي سلمها له الرئيس الأسبق. منذ ذلك الحين أشرف أوباما على 74 شهرًا من نمو الوظائف في القطاع الخاص، ما أدى لخلق ما يقرب من 15 مليون وظيفة، وهو ما يجعله أفضل من أفضل شخص صانع للوظائف، وهو الرئيس بيل كلينتون، والذي أضاف 23 مليون وظيفة على خلفية ثورة التكنولوجيا.
هذا النمو والذي تسارع في 2012، أدى إلى إنتاج ما يقرب من 5.2% زيادة في متوسط دخل الأسرة في العامين الماضيين، وهو ما يعتبر أسرع معدل نمو على الإطلاق. علاوة على ذلك، الفترة ما بين 2014 و2015 شهدت أضخم تساقط في معدل الفقر منذ إدارة جون كينيدي.
ويبقى التضخم عند مستويات مثلي بنحو 2%، وتضاعف سوق الأوراق المالية 3 أضعاف في عهد أوباما، وتجاوزت أسعار المنازل السقوط الذي حدث بعد عام 2007 في معظم أنحاء الدولة. أما بالنسبة للعجز، قطع أوباما الإنفاق أكثر وأسرع من أي رئيس أمريكي منذ الحرب العالمية الثانية.
وقل معدل الجرائم خلال فترتي رئاسة أوباما. خلال فترة حكم بوش، كان هناك نحو 459 حالة عنف، واليوم، وصلت إلى 333 حالة. وما نلاحظه أيضًا هو أن أوباما حافظ على أمان أمريكا عكس بوش فيما يخص جرائم الإرهاب.
الحلم
تعتبر أمريكا أفضل تحت إدارة أوباما من سابقيه، وبعد أن أصبح هناك زيادة حوالي 23 مليون أمريكي لهم تأمين صحي، ودرء الكساد الكبير، بينما أدار حربين فإن التاريخ سيسجله كواحد من أفضل رؤساء أمريكا.
علاوة على ذلك، هذه الإنجازات تأتي على الرغم من كل المحاولات المخادعة من قبل الحزب الجمهوري لعرقلة وإبطال ومنع إدارة أوباما من فعل أي شيء. وضع مصلحة الحزب قبل الدولة، العار قبل الحشمة، حاول الحزب الجمهوري أن يخرب تعافي الاقتصاد القومي لاعتقادهم أن ذلك سيشوه صورة الرئيس، ويعطيهم نقاطا سياسية.
وعلى الرغم من سخرية المعارضة والتعنت، لم يهين أوباما نفسه من خلال الدخول في معركة معهم بشروطهم. في الواقع، على عكس الرؤساء السابقين، ترك أوباما مكتبه دون أي فضائح.
هذا ما يعتبر إنجازات أوباما الداخلية. وهو ما يمكن الاحتفاء به. أما عن أفعاله في السياسة الخارجية فهي تعتبر شيئا مختلفًا.
الكابوس
بينما كانت الحروب الأهلية الطائفية هي إرث الرؤساء السابقين على أوباما في الشرق الأوسط، عن طريق إشعال الفتن، لكن أوباما فعل القليل لجلب تغيير إيجابي في المنطقة (باستثناء الصفقة الإيرانية)، وهو ما يعتبر مخالفا لخطابه في القاهرة عام 2009 ووعده ببداية مختلفة، ومنها تصحيح أخطاء بوش، وعدم التسامح مع تحدي إسرائيل للقانون الدولي وحقوق الإنسان.
في الأماكن التي قام بوش بغزوها في العالم العربي، استمر أوباما في وضع برنامج دون طيار مدعوم بالعمليات الخاصة، وهو ما زاد من العدوانية في العالم العربي تجاه الغرب. كل ذلك كان تحت مسمى الحرب على التطرف العنيف، وأظهرت عدد من الدراسات القصف الجوي هو سبب من أسباب اللجوء للعنف.
وأطلق أوباما أكثر من 26000 قنبلة على الدول الإسلامية في 2016 وحدها، وهو ما ترجم إلى أكثر من 3 كل ساعة، كل يوم.
تشيلسي ماننج، ضابطة مخابرات عسكرية سابقة في العراق فضحت طبيعة الوحشية الخاصة بهذه الحرب عندما تحدثت عن الأعمال الوحشية التي يقوم بها الجيش الأمريكي خلال ما يسمى بالحرب على الإرهاب.
في 2013، تم الحكم عليها بالسجن 35 عاما بسبب تسريبها ما يقرب من 700000 وثيقة لموقع ويكيليكس، وخفف أوباما من هذا الحكم لتخرج في مايو.
بالنسبة للوضع في إسرائيل، على الرغم من تعهدها بوقف المستوطنات الإسرائيلية وعلى الرغم من تعهدها بوقف أعمال إسرائيل، وعلى الرغم من استمرار 8 سنوات من إهانة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لم يقدم أوباما 38 مليار دولار كمساعدات عسكرية فقط لإسرائيل، ولكن أيضًا برر الحصار الإسرائيلي الوحشي لغزة، والذي استمر 51 يوما في 2014، والذي أدى لموت 2200 فلسطيني منهم 1800 من النساء والأطفال.
في سوريا، لم يتجاهل أوباما فقط خطوطه الحمراء ضد الأسد ولكن أيضًا تجاهل مبدأ الحماية الإنسانية، وهو مبدأ بشأن حقوق الإنسان ولديه نشطاء يقاتلون لإنشائه كقانون دولي، وهذا المبدأ يعتبر أن الحكومات ذات السيادة هي أكبر مزود للعنف ضد المدنيين، وتبعا لذلك التدخل الجماعي عبر المجتمع الدولي تبرر إذا كانت الحكومة ذات السيادة تقوم بعمل إبادة جماعية أو تطهير عرقي أو جرائم حرب ضد الشعب. وهذا المبدأ يعتبر أن أحداث دارفور والبوسنة وكوسوفو لا يجب أن تتكرر ولكن أوباما تركها تتكرر في سوريا.
وفي اليمن، ساهم أوباما في الكارثة الإنسانية هناك بشكل مباشر، حيث وضع السياسية الواقعية قبل حقوق الإنسان. لكسب رضاء السعودية عن الصفقة الإيرانية.
ويعتبر هذان الجانبان من رئاسة أوباما، بينما ازدهرت أمريكا في رئاسته، عانى الشرق الأوسط بسبب التدخل واللامبالاة الأمريكية.
ويمكن اختصار رئاسته في عدة كلمات.. حلم لأمريكا وكابوس للعرب.
التقرير