يشكل تنصيب دونالد ترامب نقطة انعطاف عالمية: فهو يتولى منصبه في لحظة يرى فيها العديد من المحليين انتقالاً إلى نظام اقتصادي وسياسي جديد – واحد يرجح أن تتزايد فيه المخاطر على الولايات المتحدة وحلفائها.
تردد صدى وعد ترامب بـ”جعل أميركا عظيمة مرة أخرى” لدى العديد من الناخبين الساخطين في الوطن. لكنه خلق في الخارج خوفاً من أن تكون قوة الولايات المتحدة العالمية في تراجع، بينما تتحرك الصين وروسيا لملء الفراغ. ويتنبأ المحللون بحقبة جديدة سيتم فيها استبدال النظام العالمي بقيادة الولايات المتحدة لما بعد الحرب العالمية في العام 1945، والذي جلب نمواً اقتصادياً غير مسبوق، بهيكل ما تزال قواعده ومكافآته غير واضحة بعد.
حتى الآن، ظلت الأسواق المالية ثابتة بشكل مستغرب، بالنظر إلى تصاعد عدم اليقين ومستويات المخاطرة. لكن وزير الخزانة المنتهية ولايته، جاك ليو، حذر في مقابلة حديثة من أنه “في اقتصاد حيث تشكل الثقة واحداً من العوامل التي تقود إلى الاستثمار، وحيث يؤدي عدم اليقين وعدم الاستقرار السياسي إلى تقويض الثقة، فإن هناك مخاطر حقيقية من أن يعمل المقدار التراكمي من الاضطراب السياسي في العالم على تبطيء الاستثمار”.
احتضن ترامب فكرة تفكيك النظام العالمي القديم. وانتقد حلف شمال الأطلسي “الناتو” ووصفه بأنه “عفا عليه الزمن”، وتنبأ بزوال الاتحاد الأوروبي –متحدياً حليفين حاسمين في شبكة قوة الولايات المتحدة. كما تحدث أيضاً عن فرض تعرفات على الواردات –ليس من الصين فحسب، وإنما من ألمانيا أيضاً، مثيراً المخاوف من نشوب حرب عالمية اقتصادية. ووعد بإعادة إحياء وظائف التصنيع الأميركية التي يجادل العديد من الاقتصاديين بأنها لا يمكن أن تستعاد من دون الإضرار بأجزاء أخرى من الاقتصاد.
تشكل “فلننتظر ونرَ” قاعدة جيدة دائماً في “يوم التنصيب”، لكنه لم يسبق أن كان لنا أبداً رئيس شبيه بترامب، بالكثير جداً من الأفكار الهدامة والقليل جداً من الخبرة. ويشكل التغيير علامته السياسية. وإذا ما مضى قدماً بما تحدث به وأرسل تغريداته عنه، فإنها سيعيد تشكيل إطار الاقتصاد العالمي والعلاقات الأمنية –للأسوأ، كما أخشى.
تم انتخاب ترامب بأقلية من الأصوات الشعبية، وعمل سلوكه منذ “يوم الانتخاب” على تخفيض شعبيته أيضاً. ولكن، مع سيطرة الجمهوريين على مجلسي النواب والشيوخ، فإنه ربما يكون قادراً على سنّ تغييرات رئيسية بسرعة. وكان قد اقترح إنفاقاً كبيراً على البنية التحتية، وإنما إجراء تخفيضات ضريبية كبيرة أيضاً. ويمكن أن تعمل النتيجة على التسبب بزيادة حادة في العجز، على غرار ما حدث خلال السنوات الأولى من رئاسة رونالد ريغان.
يحذر ليو من التداعيات المالية لمثل هذا الاقتصاد الشعبوي: “إننا نعرف من التاريخ أن القرارات التي يتم اتخاذها لمتابعة مسار أقل انضباطاً يمكن أن تحدث في بعض الأحيان بسرعة كبيرة، لكنها تميل إلى أن تكون لها توابع وذيول طويلة للغاية”. وتتطلب استعادة الانضباط تعاوناً بين الحزبين في الكونغرس، من النوع الذي كان حاضراً خلال فترة ريغان، لكنه اختفى الآن.
العديد من محللي السياسة الخارجية البارزين يتقاسمون مع ترامب رؤيته القائلة بأن النظام العالمي القديم آخذ في التصدع. لكنهم أقل تفاؤلاً إزاء تداعيات ذلك. فقد أدت الثورة ضد العولمة الاقتصادية إلى تعزيز الساسة القوميين اليمينيين في الولايات المتحدة وأوروبا. وربما يكون المستفيدون الحقيقيون هما روسيا والصين، اللتان تسعيان إلى استبدال النظام الذي تقوده الولايات المتحدة.
تم استكشاف هذه الثيمة في التحول المحفوف بالمخاطر في “اتجاهات عالمية”، وهو تقرير نشره هذا الشهر “مجلس الاستخبارات الوطني”. وقال التقرير: “سوف تشهد السنوات الخمس القادمة تصاعد التوترات في داخل وبين الدول… ثمة حقبة للهيمنة الأميركية في أعقاب الحرب الباردة (تصل إلى نهاية). وكذلك أيضاً قد يكون حال النظام الدولي القائم على القواعد الذي ظهر بعد الحرب العالمية الثانية. وسيكون من الأصعب بكثير تحقق التعاون على الصعيد الدولي والحكم بالطرق التي تتوقعها الجماهير”.
وثمة تقييم قاتم مشابه قدمته هذا الشهر مؤسسة راند. ففي دراسة معنونة “الخيارات الاستراتيجية لعالم مضطرب”، وصفت راند نقطة تحول عالمية: “لقد انتهت حقبة ما بعد الحرب الباردة. وفي حين قد يجادل المؤرخون بخصوص التوقيت، فقد أصبح واضحاً لمعظم ممارسي السياسة الخارجية أن العالم دخل حقبة جديدة؛ عصراً معقداً من الاضطرابات والفرص”.
سوف تعمل استراتيجة “عودي إلى الوطن يا أميركا” مشابهة لما يقترحه ترامب إلى تضييق أهداف الولايات المتحدة ونفوذها “في مقابل وضع حدود على تعرض الولايات المتحدة للخطر في عالم أقل استقراراً”، كما يقول تقرير راند. وسوف تسعى روسيا والصين إلى الاستفادة من ذلك. وعلى الرغم من حقيقة أن لدى روسيا مشكلات اقتصادية طويلة الأجل، فإن “القوى المتضائلة يمكن أن تكون هي الأكثر خطورة في بعض الأحيان”.
لدى ترامب رؤية كبيرة حول إبرام الصفقات مع روسيا والصين وأوروبا، والتي يمكن أن تعيد رسم شروط التجارة وتعيد التوازن إلى عالم غير مستقر، ولمصلحة أميركا. وهو الآن قائد حركة منتشرة في جميع أنحاء العالم ضد العولمة التي أفادت النخب بطريقة غير متناسبة في الولايات المتحدة وأوروبا. ولكن هذا “المزاج المعادي للخبراء والمعادي للنخب… لا يغير الاقتصاد الكلاسيكي”، كما يقول ليو.
يمتلك دونالد ترامب الآن المسؤولية عن تشكيل عالم في حالة اضطراب. وتمتلك الولايات المتحدة الحقيقة القاسية المتمثلة في كون ترامب رئيساً لها.
ديفيد إغناتيوس
صحيفة الغد