الحكومة العراقية الجديدة جاءت بعد مخاضها العسير عبارة عن “خلطة” فاقدة للتجانس هدفها المرحلي الأساسي ضمان الهدوء بين فرقاء الساحة للتفرّغ لمحاربة تنظيم “داعش”، فيما هموم العراقيين وتطلعاتهم تتجاوز هذا الهدف وإن كانت لا تقلّل من أهميته.
طغى الهمّ الأمني بشكل واضح على حدث تشكيل الحكومة العراقية الجديدة التي ضمّت في صفوفها وجوها قديمة كثيرا ما ارتبطت في أذهان العراقيين بالفترة السابقة وما طبعها من فشل كاد يقترب بالعراق من انهيار الدولة والعودة إلى مربّع الحرب الأهلية.
وبدا أمس من خلال تركيز المواقف الدولية والإقليمية المرحبّة بتشكيل حكومة العبادي، على الربط بين الحدث والحرب على تنظيم داعش، وكأنّ الهم الأمني هو الوحيد في العراق، بينما نبّه عراقيون من مواطنين عاديين وقادة رأي إلى تعدّد الهموم وكثرتها وتراكمها من صعوبة الأوضاع الاجتماعية والمعيشية، إلى ضعف وتهالك البنى التحتية، إلى تنامي نوازع الطائفية وغيرها من الملفات التي تُعلَّق آمال –ضعيفة حسب البعض- على الحكومة الجديدة لمعالجتها.
وقال متابعون للشأن العراقي إنّ المشهد السياسي في العراق غدا بعد تشكيل حكومة العبادي منطويا على مفارقات أكثر حدّة مما كان عليه من قبل أولها الجمع بين فرقاء متضادين، حد التنافر، في مواقع مهمّة مثل موقع نواب رئيس الجمهورية الذي ضم ثلاثة فرقاء هم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، ورئيس البرلمان السابق أسامة النجيفي، ورئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي.
كما بدا كأن الأمر ينطوي على عملية استرضاء لهؤلاء الفرقاء بما لهم من سلطة ونفوذ عبر التسوية بينهم في المناصب على حساب عامل التجانس الحكومي وكفاءة أجهزة الدولة وفاعليتها.
ولم تقتصر عملية استدعاء الوجوه القديمة على مؤسسة الرئاسة بل ضمت حكومة حيدر العبادي العديد من الوجوه التي تصدّرت المشهد السياسي منذ الغزو الأميركي، حيث أسندت مناصب نواب رئيس الوزراء لكل من صالح المطلك وهوشيار زيباري وبهاء الأعرجي. فيما أسندت حقيبة الخارجية لإبراهيم الجعفري والتعليم لحسين الشهرستاني والنفط لعادل عبدالمهدي، وجلّ هؤلاء احتل مواقع مهمة في حكومات سابقة.
وقال مراقبون إنّ إسناد حقائب وزارية لشخصيات من عدّة طوائف لا يعني بالضرورة إنهاء عاملي الإقصاء والتهميش بدليل شكوى المسيحيين على لسان النائب بالبرلمان يونادم كنا من تواصل إقصائهم، كما أن بعض الشرائح رفضت على لسان نواب في البرلمان أن يكون الوزراء المعيّنون يمثلونها.
ولم يتردّد البعض في وصف الحكومة العراقية الجديدة بأنها “خلطة” مقترحة من الولايات المتحدة هدفها المرحلي الأساسي ضمان الهدوء بين الفرقاء العراقيين للتفرّغ لمحاربة تنظيم داعش الذي بلغ درجة من التغوّل باتت تهدد المصالح الأميركية في المنطقة.
وبدا تركيز الولايات المتحدة على هدف الحرب على داعش واضحا في الموقف الرسمي الأميركي من حكومة العبادي رغم تأجيل تعيين وزيرين للدفاع والداخلية واحتفاظ العبادي نفسه بالمنصبين على سبيل النيابة، على غرار ما كان عليه الحال في عهد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي.
كما بدا أن تعيين حكومة عراقية يمنح واشنطن مبررا لانخراط أكبر في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية، خصوصا وأنّ الساسة الأميركيين كثيرا ما ربطوا بين الأمرين بشكل وثيق. وفي هذا السياق قال البيت الأبيض إنّ الرئيس باراك أوباما اتصل هاتفيا برئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي يوم الاثنين لمناقشة التزام الولايات المتحدة بالعمل مع حكومة بغداد الجديدة لمساعدتها في محاربة متشددي تنظيم الدولة الإسلامية.
أبرز الوجوه القديمة:
* إبراهيم الجعفري: شغل بعد 2003 عدة مناصب من بينها رئاسة مجلس الحكم، نائب رئيس الجمهورية، رئاسة الوزراء.
* عادل عبد المهدي: سبق أن شغل عضوية مجلس الحكم، ثم منصب وزير للمالية.
* حسين الشهرستاني: شغل سابقا منصب وزير النفط.
* هوشيار زيباري: حمل سابقا حقيبة الخارجية
وقال البيت الأبيض في بيان “اتفق الرئيس ورئيس الوزراء على أهمية أن تتخذ الحكومة الجديدة خطوات ملموسة سريعا للتعامل مع التطلعات والمظالم المشروعة للشعب العراقي”.
وأضاف البيت الأبيض “عبّر رئيس الوزراء عن التزامه بالعمل مع جميع الطوائف في العراق فضلا عن الشركاء الإقليميين والدوليين لتعزيز قدرات العراق لمحاربة هذا العدو المشترك”.
ومن جانبه رحّب وزير الخارجية الأميركي جون كيري بتشكيل الحكومة الجديدة في بغـداد وقـال إن ذلك “حدث هام وكبير” للعراق.
وقال كيري للصحفيين “من خلال التغلب على عقبة الانقسامات العرقية والطائفية أقر البرلمان العراقي حكومة جديدة لا تقصي أحدا لديها القدرة على توحيد جميع طوائف العراق من أجل عراق قوي وعراق موحد وإعطاء هذه الطوائف الفرصة لبناء مستقبل ينشده ويستحقه العراقيون جميعا”.
وحتى عربيا لم تخل المواقف المرحّبة بحكومة العبادي من ربط لحدث تشكيلها بهم محاربة الإرهاب دون سائر الهموم، فقد رحب نبيل العربي الأمين العام لجامعة الدول العربية، أمس بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة برئاسة حيدر العبادي وبحصولها على الثقة من مجلس النواب.
وفي بيان أصدره، عبّر العربي عن تضامن الجامعة العربية مع الحكومة العراقية الجديدة ومؤازرة جهودها في مكافحة الإرهاب وما يرتكبه تنظيم داعش في حق العراقيين جميعا من جرائم وانتهاكات تمثل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وأكد العربي على ضرورة حشد الجهود العربية والدولية لمساندة العراق في هذه المرحلة الحرجة.
واعتبر الأمين العام للجامعة أن نجاح العبادي فى تشكيل الحكومة الجديدة يشكل إنجازا هاما نحو تعزيز مسيرة الأمن والاستقرار في العراق، معربا عن أمله في أن تتبعه خطوات لترسيخ الوحدة الوطنية بين مختلف مكونات الشعب العراقي والتيارات السياسية الممثلة له.
أما إقليميا فقد هنّأ الرئيس الإيراني حسن روحاني رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بتشكيل حكومته ونيلها الثقة من مجلس النواب معبّرا في رسالة وجّهها للعبادي بالمناسبة، عن “أمله بإحلال الأمن والاستقرار في العراق”، علما أنّ إيران ظلت منذ سنة 2003 محلّ اتهام سواء في الداخل العراقي أو في المحيط الإقليمي بالمسؤولية عن تصعيد التشاحن الطائفي في البلد ومنع استعادته لاستقراره عبر التدخل في شؤونه الداخلية ودعم طهران لميليشيات شيعية ناشطة هناك