يوميات الجريمة الفرنسية بحق أهالي جنوب الجزائر

يوميات الجريمة الفرنسية بحق أهالي جنوب الجزائر

338

لم تكن صبيحة يوم 13 فبراير/شباط 1960 عادية في جنوبي الجزائر، فعند الساعة السابعة وأربع دقائق صباحاً، فجّرت القوات الفرنسية القنبلة النووية الأولى تحت اسم “اليربوع الأزرق”، بطاقة تفجير بلغت 60 كيلوطنأ، في منطقة حموديا الواقعة على بعد 60 كيلومتراً عن مدينة رفان الجنوبية، لتنطلق معها التجارب النووية الفرنسية في الجزائر.

وبعد نجاح التفجير الأول، ألحقته السلطات العسكرية الفرنسية وخلال فترة امتدت بين فبراير/شباط 1960 وأبريل/نيسان 1961، بتفجير بقية القنابل النووية بمادة التفجير الأساسية من عنصر البلوتونيوم.

ترجع تسمية العملية بـ”اليربوع الأزرق” إلى قارض صحراوي يُسمى “اليربوع”، وإلى ألوان العلم الفرنسي الأزرق والأبيض والأحمر. وحسب الاختصاصيين فإن طاقات التفجير كانت عالية ومختلفة، وكان أكبرها “اليربوع الأزرق” الذي بلغت طاقته حدود 60 كيلوطناً، أي فاقت أربعة أضعاف طاقات قنبلتي هيروشيما وناغازاكي.

وقبل تفجير 13 فبراير/شباط 1960، لاحظ سكان منطقة رفان في ولاية أدرار جنوبي الجزائر، أن ثمة تحركات غير عادية للقوات الفرنسية التي اتخذت إجراءات صارمة ومراقبة دائمة للسكان. وزرع الفرنسيون والقائمون على التجربة، كميات من البذور النباتية في صناديق، وطلبوا من السكان توزيعها ووضعها على مسافات معينة متباعدة عن مركز نقطة التفجير المقرر، على أن تبعد الواحدة عن الأخرى مسافة نصف كيلومتر، ثم طلبوا من السكان جمعها بعد التجربة.

كما أبلغت السلطات العسكرية الفرنسية السكان آنذاك، أن حدثاً كبيراً سيقع في تاريخ معين حددته لهم، وأنه يتوجب عليهم فور سماعهم دوي انفجار قوي أن يجثموا على الأرض، وأن يضعوا رؤوسهم في التراب، وألا يعودوا الى حالتهم التي كانوا عليها إلا بعد عودة الأمور الى طبيعتها الأولى، وزوال صوت الانفجار وما يتبعه من آثار.

وأعطت السلطات العسكرية كل شخص يقطن هناك، قلادة معدنية صغيرة، فيها رقم تسلسلي كرقم هوية كل شخص، والهدف من وراء ذلك هو التعرّف على الجثث في حال تشوّهها من جراء الانفجار، ومعاينة نتائج الانفجار على أجساد أشخاص تم اختيارهم ليكونوا موضوع تجارب، وقد قبل الناس آنذاك الموضوع كما طُرح عليهم ووضعوا القلادات الفرنسية بسذاجة وبساطة.

وقامت فرنسا بتجارب نووية في منطقة تاوريرت، منذ 7 نوفمبر/تشرين الثاني 1961 إلى 16 فبراير/شباط 1966، وتم الإعداد طويلاً لسلسلة التفجيرات النووية الفرنسية في منطقة عين إيكر في جبل الهفار. ويمتاز هذا الجبل بصلابة صخوره، وتم اعتباره موضعاً جيداً لإجراء التجارب الباطنية.

وأجريت التجارب خلال الفترة من العام 1961 إلى العام 1966 داخل أنفاق أُنجزت خصيصاً لهذا الغرض، مخترقة الجبل من عدة جهات، وتم تصميمها لهذه التجارب.

تفاوتت طاقة تجارب عين إيكر، لكن الانفجارات وصلت إلى مسافات عميقة بعيدة داخل الأرض، وسجلت أجهزة الرصد الزلزالي آثارها بمسافات بعيدة، منها ما وصل إلى منطقة تاتروك على بعد 200 كيلومتر من موقع التفجيرات.

وقام الفرنسيون باستخدام منطقة الهفار كمنطقة تجارب باطنية وكمدافن للمواد المشعة والنفايات النووية.

وتكشف تقارير تاريخية أن فرنسا استعملت أكثر من 150 أسيراً جزائرياً في تفجير نووي في رقان سنة 1960. ويشير الباحث في الهندسة النووية عمار منصوري إلى أن الجيش الفرنسي اقتاد 150 أسيراً جزائرياً كانوا معتقلين في سجن سيدي بلعباس ومعسكر بوسويه في منطقة الغرب الجزائري، ولم تتم إعادتهم إلى أماكن اعتقالهم.

كما تؤكد شهادات عديدة قُدّمت أن فرنسا نقلت 600 جثة لجزائريين إلى المختبرات الفرنسية بعد أول تفجير في رقان، في توابيت أحضرت من باريس، وفق ما جاء في أحد التقارير العسكرية السرية التي سربت إلى الرأي العام.

وفي 30 مارس/آذار من العام 1964، وقبيل رحيل الكتيبة الثانية الفرنسية من القاعدة العسكرية، أقدم الجنود الفرنسيون على دفن الأبراج والعتاد الثقيل، وأبقوا على العتاد الخفيف، فتهافت سكان المنطقة لجلب النفايات الحديدية والنحاسية من الأسلاك النحاسية والصفائح الحديدية.

وقام السكان بالحفر إلى أعماق كبيرة لاستخراج هذه المواد، لاستعمالها في بناء أسقف بيوتهم التي ما زالت قائمة حتى اليوم، على الرغم من خطورتها واحتوائها على كميات هائلة من الإشعاعات. ويفيد سكان المنطقة أن تجار تحويل الحديد والنحاس، يأتون من عدة مناطق إلى رقان، لشراء الحديد والنحاس الذي يجلبه الأهالي من المناطق القريبة لموقع التفجير.

في 16 و17 نوفمبر 2007، قام وفد من الوكالة الدولية للطاقة الذرية بزيارة منطقة التفجير في رقان، ووجد فيها أقفاص حيوانات ميتة استُعملت للتجارب، وهذا ما يؤكد كلام الناشطة فاطمة الزهراء بن براهم، عن استعمال مواطنين على قيد الحياة وتعريضهم للانفجار النووي.

الجزائر ــ يقين حسام الدين

العربي الجديد