أبرزت التصريحات النادرة التي أدلى بها، هذا الأسبوع، القائد الإيراني السري رفيع المستوى، والذي يدير الحرب في العراق ضد تنظيم الدولة الإسلامية؛ دور إيران في الحملة العسكرية ضد الجماعة الإرهابية. وكذلك القلق المتزايد حول السلطة التي تُمارس من قِبل شخص يتهمه المسؤولون الأمريكيون بقيادة حرب خفية ضد مصالح الولايات المتحدة الأمريكية.
قام الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس ،الوحدة الخاصة بقوات الحرس الثوري الإيراني، بظهور رفيع المستوى على نحو غير معهود؛ متحدثًا عن الصراع المستمر في العراق منذ الصيف الماضي، بعد أن سيطرت الدولة الإسلامية على مساحات شاسعة من الدولة، ومعلنًا عن تشكيكه في أمر “الخلافة”.
ومع كون الجيش العراقي في حالة من الفوضى، فإن الميليشيات الشيعية التي يسيطر عليها سليماني تعد الآن في مقدمة المعركة التي تشنها على الأرض ضد المسلحين، وقد أذاعت وكالة أنباء فارس الإيرانية شبه الرسمية تأكيده على أن الجماعة المتطرفة أصبحت ضعيفة وتقترب من الموت.
وصرح سليماني، في مراسم إحياء ذكرى الثورة الإيرانية، يوم الأربعاء، قائلًا: “نظرًا للهزائم النكراء المستمرة التي تلقتها جماعة تنظيم الدولة الإسلامية والجماعات الإرهابية الأخرى في العراق وسوريا، فإننا واثقون بأن هذه المجموعات قد اقتربت من نهاية حياتها”، مشيرًا إلى اسم بديل لتنظيم الدولة الإسلامية وهو الاختصار العربي “داعش”.
وقد تراجعت الدولة الإسلامية في وجه حملة القصف الجوي لقوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة، بالإضافة إلى الهجمات الكردية والعراقية، ولكنها لا تزال تسيطر على أجزاء كبيرة من العراق وسوريا.
وكان ظهور سليماني في مراسم ذكرى الثورة الإيرانية هو الأحدث ضمن سلسلة بارزة من الحضور العام للجنرال الذي يوصف على نطاق واسع بأنه شخصية غامضة. ومنذ الصيف الماضي، تم التقاط صور لسليماني مجتمعًا مع مقاتلي قوات البيشمركة الكردية في أربيل، ومع أعضاء رفيعي المستوى من الميليشيات الشيعية العراقية. وقد انتشرت الكثير من هذه الصور بشكل واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
ويعتبر مدى حضور القوات الإيرانية في العراق غير واضح، ولكن تم الإعلان عن وفاة عدد من المسؤولين العسكريين رفيعي المستوى في إيران. ففي وقت سابق من هذا الأسبوع، أُعلن عن مقتل رضا حسيني مقدم، قائد في الحرس الثوري الإيراني، في 7 فبراير خلال القتال ضد الدولة الإسلامية في سامراء. وفي ديسمبر، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية أن القوات الجوية الإيرانية قد شنت غارات جوية على محافظة ديالي شرق العراق، ولكنها نفت أن البلدين ينسقان معًا ضد العدو المشترك.
الولايات المتحدة الأمريكية لديها سبب لتكون على حذر من سليماني؛ إذ يعتبر فيلق القدس الجناح الدولي للحرس الثوري الإيراني، هو المسؤول عن جمع المعلومات الاستخباراتية السرية والإجراءات الأمنية في الخارج.
وعلى مدار عقود، دعم الجنرال الميليشيات الشيعية العراقية، وخاصةً لواء بدر، والذي تم إنشاؤه أولا في إيران. وبعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، شنّت الميليشيات المدعومة من إيران معارك مميتة وطويلة الأمد مع القوات الأمريكية. ويعتقد المسؤولون الأمريكيون أن فيلق القدس نفسه هو المسؤول مباشرة عن تزويد هذه الميليشيات بأجهزة متفجرات متطورة والتي يمكنها اختراق الدروع المصفحة للمركبات الأمريكية مما أودى بحياة مئات الجنود الأمريكيين خلال فترة الاحتلال.
ويُشتبه في سليماني أيضًا بالمساعدة في التخطيط لهجمات بارزة في العديد من الدول. ففي عام 2011، ألقي القبض على عميل إيراني وهو يحاول أن يستأجر مجموعة مكسيكية لاغتيال سفير المملكة العربية السعودية في واشنطن، وكان الاتصال مع المجموعة الموهومة في حقيقة الأمر اتصالًا مع وكلاء بإدارة مكافحة المخدرات الأمريكية، وتم إحباط هذه المؤامرة الغريبة لتفجير السفير السعودي في مطعم بالقرب من البيت الأبيض.
وقد أثار هذا التاريخ من التحايل والخداع الدولي ودعم الميليشيات المناهضة للولايات المتحدة؛ الشك حول التحالف الاستراتيجي الذي سيحدث في العراق فيما بعد الدولة الاسلامية، حيث من المرجح أن تتمتع إيران بنفوذ أكبر من أي وقت مضى.
وقالت أريان الطبطبائي، زميل برنامج الأمن الدولي بجامعة هارفارد، إن حملة العلاقات العامة لسليماني، والتي تزامنت مع استيلاء الدولة الإسلامية على الموصل في شهر يونيو؛ سعت أيضًا إلى تهدئة المخاوف الحالية للإيرانيين، حيث يرى كثير منهم أن تنظيم الدولة الإسلامية تهديد قاتل لإيران. وأضافت قائلة: “خاصةً الأنصار المحليون، على مدار الصيف، يمكنك أن تستمع إلى الناس وهم يقولون: تنظيم الدولة الإسلامية على أبواب طهران”.
وقد خاضت إيران والعراق حربًا ضروسًا لمدة ثمان سنوات خلال فترة الثمانينيات، وهو الصراع الذي يخيم على عقول الكثيرين في الجمهورية الإسلامية. ومعظم الإيرانيين من المسلمين الشيعة، وهي فئة منبوذة بقسوة من قِبل الراديكاليين المسلحين السنّة بالدولة الإسلامية، ويعتبرونهم كفارًا. وفي الوقت نفسه، لعبت إيران دورًا في الدفاع عن المدن الشيعية المقدسة في العراق مثل النجف وكربلاء.
وعلى الرغم من تدخل إيران في الصراع القائم حولها، والذي يتناول تهديدات أمنية حقيقية؛ إلا أن ذلك يخدم الرؤية القائلة بأنها حليف لا غنى عنه للغرب (في حالة كونها غير تقليدية) في الشرق الأوسط.
وصرح حسين العسكري، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة جورج واشنطن، لفايس نيوز؛ قائلًا: “الحملة بدون شك تخبر الولايات المتحدة أنها تحتاج إلينا. إيران لديها الكثير من اللاعبين على الأرض، ويمكنها أن ترسل أكثر، على عكس الولايات المتحدة، التي قللت الحروب الأخيرة من شعبيتها”. وأضاف: “هذا الموقف يخدم إيران خلال المفاوضات الجارية في تحديد مصير برنامجها النووي. حيث دفعت العقوبات الغربية على البرنامج النووي، بالإضافة إلى هبوط أسعار النفط؛ الاقتصاد الإيراني إلى سقوط حر”، ويعتقد حسين العسكري أن المسؤولين المعتدلين نسبيًا في الحكومة الإيرانية حريصون على حل هذا المأزق.
وأضاف: “عندما كان الرئيس الإيراني حسن روحاني يسعى لانتخابه رئيسًا، أخبر الشعب أنه سوف يتخلص من العقوبات وسيعمل على ازدهار الوضع الاقتصادي. الإيرانيون يريدون صفقة، إنهم يريدون رفع العقوبات عنهم”.
وطبقًا لما يقوله العسكري، ففي حين أن المواطنين الإيرانيين يشعرون بالقلق أحيانًا تجاه الموارد، التي هم في أشد الحاجة إليها، ويتم إرسالها لدعم حزب الله اللبناني، والرئيس السوري المحاصر بشار الأسد، أو الحوثيين المتمردين في اليمن؛ إلا أنهم أقل انتقادًا للتدخل في العراق، حيث يرون الأمر على المحك.
وفي خطابه، يوم الأربعاء، قال سليماني إنه على عكس المكاسب الإيرانية في العراق، فإن التدخل الأمريكي، “والأعمال الإرهابية لتنظيم الدولة الإسلامية محكوم عليهم بالفشل، لأنها ليست في سبيل طلب الحقيقة”.
وأخبر الجمهور قائلًا: “شهدنا جميعًا كيف أن التدابير التي قاموا بها في سوريا لم تنتج أي نتيجة (بالنسبة لهم)”. وقد اعترف المسؤولون الأمريكيون، على الرغم من أنهم نادرًا ما يعترفون، أن مصالح البلدين تتداخل في العراق، على الرغم من أن الولايات المتحدة تعتمد بقوة على الدعم من حلفائها العرب التقليديين في الإقليم، وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية والتي يُنظر إليها باعتبارها العدو الرئيس لطهران في صراع السيطرة على النفوذ.
وفي ديسمبر، صرح وزير الخارجية جون كيري للصحفيين قائلًا: “أعتقد من الواضح أنه إذا ما كانت إيران تحارب الدولة الاسلامية في بعض الأماكن المعينة، وتتوقف عن القتال في أماكن أخرى، ولها تأثير في ذلك؛ فإن المحصلة النهائية سوف تكون إيجابية، ولكننا لا ننسق معهم”.
وطبقًا لما قاله سليماني، فإن أهداف إيران أوسع من مجرد هزيمة الدولة الإسلامية، حيث قال: “نرى اليوم إشارات الثورة الإسلامية يتم تصديرها إلى جميع أنحاء المنطقة، من البحرين إلى العراق، ومن سوريا إلى اليمن وشمال إفريقيا”.
فايس نيوز – التقرير