تصف قائمة الفحص المعيارية المكونة من أربع صفحات مهمة كل طائرة من طائرات “داعش” من دون طيار بتفصيل جامد خال من العاطفة تقشعر له الأبدان: نوع المهمة: (تجسس، قصف، تدريب). الموقع: (المدينة، المحافظة). مكونات الطائرة من دون طيار: (المحرك، مفجر القنبلة). العملية: (ناجحة أم لا).
وكان النموذج، الذي يفترض أن يكون قد ملأه مشغلو الطائرات من دون طيار لدى “داعش” في العراق بعد كل مهمة، جزءاً من حزمة من الوثائق التي اكتشفها في كانون الثاني (يناير) باحث من جامعة هارفارد رافق القوات العراقية في معركة الموصل، ثم تم تحويلها إلى محللي الجيش الأميركي لمراجعتها.
وتوفر الوثائق -بالعربية والانجليزية- فرصة نادرة لرؤية كيف استطاع “داعش” تجميع برنامج طائرات مسلحة من دون طيار يتطور بسرعة، مما يهدد على نحو متزايد القوات المتحالفة التي تقاتل المجموعة المتشددة. وتظهر الوثائق كيف مأسست المجموعة برنامجاً يستخدم تكنولوجيا جاهزة لإلحاق الضرر بالقوات المسلحة الأميركية المتفوقة عليها عسكرياً.
وكان “داعش” قد استخدم طائرات الاستطلاع من دون طيار في ميدان المعركة منذ حوالي العامين. لكن زيادة في الهجمات منذ تشرين الأول (أكتوبر) -والتي استهدفت القوات العراقية على الأغلب- سلطت الأضواء على نجاح التنظيم في تبني التكنولوجيا الجاهزة المتاحة مسبقاً وتحويلها إلى سلاح جديد يمكن أن يكون فعالاً.
في الشهرين الماضيين، استخدم “داعش” أكثر من 80 طائرة من دون طيار يتم التحكم بها عن بعد ضد القوات العراقية وحلفائها. وقامت حوالي ثلث هذه الطائرات، بعضها بصغر نموذج الطائرة، بإلقاء قنابل أو كانت محملة بمتفجرات تنفجر على الأرض، كما قال الكولونيل جون دوريان، الناطق بلسان العملية التي تقودها الولايات المتحدة ضد “داعش”، في بغداد.
ومن جهتهم، قال مسؤولون عراقيون إن القنابل التي أسقطتها الطائرات من دون طيار، والتي كانت بشكل رئيسي من ذات الأربع مراوح، قتلت حوالي دزينة من جنود الحكومة وجرحت أكثر من 50. وقال الكولونيل دوريان عن برنامج “داعش” للطائرات من دون طيار في رسالة بالبريد الإلكتروني: “إنها تشكل تهديداً للقوات على الأرض ولها قيمتها كتكنيك دعائي. ومع ذلك، فإنها بالتأكيد ليست مغيراً للعبة عندما يتعلق الأمر بنتيجة المعركة لتحرير الموصل”.
وبدت رسالة فيديو جديدة “داعش” بعنوان “فرسان الأقسام” وأنها تتناول مهمات هذه الطائرات الجديدة من دون طيار.
كان الذي اكتشف هذه الوثائق هو فيرا ميرونوفا، زميلة الأمن الدولي في مركز بلفر في كلية كنيدي للحوكمة في جامعة هارفارد. وحصلت السيدة ميرونوفا على الوثائق بينما كانت تجري بحوثاً في العراق عن السلوك الفردي لمقاتلي “داعش”. وقالت في مقابلة عبر “سكايب” إنها وقعت على المواد في ورشة طائرات من دون طيار، كانت تابعة في السابق لسيطرة “داعش” في ضاحية المهندسين في الموصل، بالقرب من جامعة الموصل.
وقالت السيدة ميرونوفا إن الجنود العراقيين لم يكونوا مهتمين بالوثائق. لكن، وإدراكاً منها لقيمتها المحتملة بالنسبة للجيش الأميركي، اتصلت بمركز مكافحة الإرهاب في “ويست بوينت” الذي كان ينشر أعمالها في السابق.
بعد ذلك، راجع باحثان من المركز، دون راسلر ومحمد العبيدي الصفحات الثلاثين تقريباً التي أرسلتها. وعادة ما يكون تأكيد موثوقية الوثائق التي يتم استخلاصها من منطقة الحرب مخادعاً. ولكن، في تقييم من تسع صفحات، حصلت صحيفة “نيويورك تايمز” على نسخة منه سوية مع الوثائق نفسها، خلص المؤلفان إلى أن الوثائق أصيلة، استناداً إلى مكان وكيفية حصول السيدة ميرونوفا عليها، وخبرة المركز الذي يعمل في طائفة من المواد التي يتم الاستيلاء عليها من ميدان المعركة.
ويبدو أن كل الوثائق تعود إلى العام 2015 -المراحل المبكرة لبرنامج الطائرات من دون طيار- وتضم المجموعة خليطاً من النماذج الرسمية لـ”داعش” وملاحظات مكتوبة بخط اليد، وفق تحليل الباحثين.
وتكشف المواد أن “داعش”، وعلى نحو يشبه كثيراً سلفه “القاعدة في العراق”، يميل إلى التفصيل والبيروقراطية عندما يتعلق الأمر بعملياته. ووفق تقييم الوثائق، تخضع وحدة الطائرات من دون طيار في “الدولة الإسلامية” لإشراف كتيبة البراء بن مالك، وهي جزء من قطاع الطيران في “لجنة الدولة الإسلامية للتصنيع والتطوير العسكري”.
ووفرت قائمة الفحص المعيارية المكونة من أربع صفحات لعمليات الطائرات من دون طيار مثالاً آخر. فعلى الصفحة الأولى، طلب من مشغلي الطائرة من دون طيار تقديم تفاصيل عن مهمتهم -تحديداً، نموذج المهمة (وفيه ست خيارات، بما فيها “القصف” و”طائرة متفجرات”) وذكر المتشددين المنخرطين، والموقع، وإحداثيات الطريق لرحلة الطيران.
وتكونت الصفحة الثانية من النموذج من قائمة فحص بدت مصممة لمساعدة مشغلي الطائرة من دون طار القيام في مهمات فحص أجهزتهم ومعداتهم قبل وبعد المهمة (بما في ذلك “أنظمة تفجير القنبلة” و”فتيل تفجير القنبلة”) كما أفاد التقييم. وضمت الصفحة الثالثة قائمة فحص المعدات في “صندوق أدوات” مشغل الطائرة، بما في ذلك “المفك” و”الزراديات” و”السكين”.
وطلبت الصفحة الأخيرة من النموذج من المشغلين ذكر ما إذا كانت مهمتهم قد نجحت أو فشلت. كما وفرت أيضاً مساحة للمشغلين لتدوين ملاحظاتهم، ربما لتوثيق الدروس المستفادة من المهمات الفاشلة أو التطورات المهمة التي حدثت خلال المهمات الناجحة، كما قال التقييم.
واشتملت الوثائق أيضاً على سجلات حيازة مفصلة، والتي تضم في الأساس قوائم تسوُّق من التكنولوجيا التجارية الجاهزة التي يشتريها “داعش”.
وأظهرت القوائم جهود المجموعة لشراء مواد مثل كاميرا “غوبرو” وبطاقات ذاكرة ووحدات تحديد الموقع الجغرافي، ومسجلات فيديو رقمية وشفرات محرك إضافية، وفق ما ذكره التقييم. كما أبرزت قوائم الشراء جهود المجموعة لتعزيز مدى واداء طائراتها من دون طيار، وما إذا كانت قد اشتريت تجارياً أم لا. وعلى سبيل المثال، ولحماية بث تغذيات فيديو الطائرة من دون طيار، أراد أعضاء المجموعة حيازة مرسلات ومستفبلات فيديو مشفرة، طبقاً للتقييم.
وقال داميين سبليترز، رئيس العمليات في العراق من مؤسسة أبحاث التسلح في الصراعات، وهي مؤسسة استشارات أسلحة خاصة تحقق في الأسلحة المستعادة من “داعش” منذ العام 2014، والذي راجع أيضاً وثائق مركز “ويست بوينت”: “يبدو أن هناك قائمة بالمواد الضرورية لبناء هذه الطائرات. وهي تظهر تساوقاً ومعيارية بالتأكيد مع نوع من سلسلة الإمداد المستخدمة”.
من جهتهم، قال مسؤولون عسكريون أميركيون إن وزارة الدفاع الأميركية خصصت موارد كبيرة لوقف طائرات “داعش” من دون طيار، لكن القليل من الوحدات العراقية والكردية زودت بالأجهزة المطورة مما ترتب على القوات الأميركية نزع أسلحة الطائرات. وقال المسؤولون إنهم أمروا الوكالة المسؤولة عن التعامل مع العبوات الناسفة في البنتاغون -والتي تعرف باسم منظمة هزيمة أجهزة التفجير البدائية- لدراسة طرق إحباط الطائرات العدوانية من دون طيار. وفي الصيف الماضي، طلب البنتاغون مبلغ 20 مليون دولار إضافية من الكونغرس للمساعدة في الاستجابة للمشكلة.
تعرض هذه الوثائق القليل من الأدلة حول الكيفية التي ينظر من خلالها المتشددون إلى مستقبل طائراتهم من دون طيار.
وخلص التقييم إلى القول: “في المدى القصير، يجب علينا توقع أن يطور ‘داعش’ قدرات طائراته من دون طيار على إسقاط القنابل. ومن المرجح أن استخدام (التنظيم) لهذا التكتيك لن يصبح أكثر تكراراً وحسب، وإنما أكثر فتكاً وقتلاً أيضاً”.
إريك شميت
صحيفة الغد