طباعة العملة العراقية.. نظرة فاحصة على الواقع الاقتصادي

طباعة العملة العراقية.. نظرة فاحصة على الواقع الاقتصادي


الباحثة شذى خليل*

تاريخيا يعود استخدام العملة في العراق إلى الحرب العالمية الأولى عندما تم استخدام الروبية الهندية كعملة قانونية. وفي عام 1931، تم إنشاء لجنة العملة العراقية، مما أدى إلى تشكيل البنك الوطني العراقي في عام 1947. وفي عام 1956، تغير اسم البنك إلى البنك المركزي العراقي، وتم ترسيخ حقه الحصري في إصدار الأوراق النقدية والعملات المعدنية في عام 2004. ويحدد البنك المركزي فئات ومعايير وتصميمات الأوراق النقدية والعملات المعدنية.

ومرت العملة العراقية بمراحل مختلفة، منها الطبعة الملكية (حتى عام 1958)، وطبعة شعار الجمهورية (حتى عام 1978)، والطبعة السويسرية العالمية (التي طبعتها الشركات البريطانية والسوفيتية حتى عام 1990). وبسبب ظروف الحصار الاقتصادي، قام البنك المركزي بطباعة الأوراق النقدية في مطبعة النهرين دون مواصفات أمنية. وفي عام 2003، قام البنك المركزي بسحب النسخة السويسرية وأدخل سلسلة جديدة من الدنانير العراقية ذات ميزات أمنية مشددة لمنع التزوير، وذلك باستخدام التقنيات الحديثة للكشف. والبنك المركزي هو الجهة الوحيدة المسؤولة عن توريد العملة وإتلافها في العراق.

يلعب إصدار العملة وتداولها دورًا حاسمًا في المشهد الاقتصادي العراقي، فإن البنك المركزي هو المسؤول عن إصدار وإدارة الدينار العراقي. ومع ذلك، فإن الاتجاهات الأخيرة في طباعة العملات أثارت مخاوف بشأن التأثير الاقتصادي والدوافع الكامنة وراء هذه القرارات.

الأثر الاقتصادي لطباعة العملة:
للعملة العراقية الصادرة، ممثلة بالأوراق النقدية التي يتداولها البنك المركزي، تأثير مباشر على المؤشرات الاقتصادية للعراق، بما في ذلك نمو الناتج المحلي الإجمالي، وسرعة تداول النقد، ومستويات الأسعار. وفي حين أن هذه العوامل تتأثر عادة بالظروف الاقتصادية، فإن البيانات النقدية للبنك المركزي تشير إلى انحراف عن الأنماط الاقتصادية التقليدية.

زيادة غير مسبوقة في حجم العملة:
يكشف تحليل حجم النقد الصادر على مر السنين عن زيادة غير عادية ومطردة في طباعة الدينار العراقي. وفي السنوات العشر التي تلت فترة ما بعد الاحتلال (2004م إلى 2014م)، تم إصدار حوالي 40 تريليون دينار لتلبية احتياجات السوق. إلا أن السنوات اللاحقة شهدت طفرة غير طبيعية، خاصة في السنوات الخمس الأخيرة.

العوامل الاقتصادية مقابل التأثير السياسي:
وعلى الرغم من ادعاء البنك المركزي بأن كميات العملة يتم تحديدها وفق معايير صارمة واحتياجات الاقتصاد العراقي، إلا أن الدلائل تشير إلى أن الزيادة في الكتلة النقدية المصدرة ليست مدفوعة بعوامل اقتصادية نموذجية. وبدلا من ذلك، يبدو أنها تسيطر عليها الاعتبارات والاتجاهات السياسية.

طباعة العملة في ظل التحديات الاقتصادية:
وخلال التحديات الاقتصادية، مثل أزمة الحرب ضد داعش والركود اللاحق بسبب جائحة كوفيد-19، زاد حجم إصدار الدينار. ولم يكن قرار الحكومة بتخفيض الدينار عام 2020 كافيا لتغطية عجز الموازنة، مما أدى إلى طباعة كبيرة للعملة، لتصل إلى 69 تريليون دينار مع بداية عام 2021.

الإفراط في الإصدار في السنوات الأخيرة:
شهدت السنوات الثلاث من 2021 إلى نهاية 2023 ارتفاعا ملحوظا في إصدار العملة، حيث وصلت إلى 102 تريليون دينار في تشرين الأول/أكتوبر 2023. وتعزى هذه الزيادة إلى قرار انكماش الدينار، وفرض منصة إلكترونية من قبل الخزانة الأميركية، و جهود مكافحة تهريب الدولار.

يبدو أن الكمية الهائلة من طباعة الدينار في السنوات الأخيرة تهدف إلى تلبية متطلبات السوق وتصحيح النقص الناجم عن التحديات الاقتصادية. إلا أن الأمر يثير مخاوف حول ما إذا كانت هذه الطباعة تلبي احتياجات التنمية والإنتاج أم أنها تخدم في المقام الأول تغطية العجز الناتج عن عمليات التهريب.

النقص في العرض النقدي المحلي:
ورغم ادعاءات البنك المركزي، هناك تقارير عن اختفاء تريليونات الدينار العراقية من الأسواق وتهريبها إلى الخارج. ويثير عدم التطابق بين مستويات طباعة العملة والنشاط الاقتصادي في الأسواق المحلية تساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراء الإفراط في الطباعة.

أسباب نقص العرض النقدي المحلي:
تساهم عوامل عدة في نقص العملة المحلية في الأسواق العراقية، من بينها التهريب إلى دول الجوار، وخاصة إيران. ويدفع التضخم وانكماش العملة المحلية المواطنين إلى البحث عن أصول بديلة، مما يؤدي إلى تفاقم التحديات الاقتصادية التي يواجهها العراق.

ختاما تسلط معضلة طباعة العملة العراقية الضوء على التفاعل المعقد بين الضرورات الاقتصادية والتأثيرات السياسية والجهود المبذولة لمكافحة التهريب. وتثير الطباعة المفرطة في السنوات الأخيرة مخاوف بشأن الدوافع الحقيقية وراء هذه القرارات والعواقب المحتملة طويلة المدى على الاقتصاد العراقي.
إن اتباع نهج شفاف واستراتيجي أمر ضروري لمعالجة الأسباب الجذرية لنقص العملة واستعادة الثقة في الاقتصاد المحلي.

 

 

وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا

مركزالروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية