بغداد – هدّد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر خصومه السياسيين الممسكين بزمام السلطة في العراق بتفجير موجة احتجاجات جديدة، على خلفية تردّي الأوضاع الاجتماعية وشيوع الفساد.
ومعروف عن الصدر استخدامه لورقة الشارع في صراعه على السلطة ضدّ خصومه الأقوياء من داخل العائلة السياسية الشيعية الموسّعة التي ينتمي إليها، ويرى أنّ كبار رموزها حرموه منذ سنة 2003 المكانة التي تليق به كحامل لإرث الصدريين ذوي المكانة الدينية والسياسية بين شيعة العراق.
ويأتي على رأس خصوم الصدر رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، الذي سبق أن استخدم القوّة العسكرية لضرب الميليشيا التابعة لزعيم الصدريين بعد أن قويت شوكتها وأصبحت تمثّل تهديدا لحكم زعيم حزب الدعوة الإسلامية.
وتضمنت تغريدة نشرها الصدر، الإثنين على حسابه في تويتر، إشارة واضحة إلى المالكي حين قال “على الفساد أن يحذر صولة الجائع والمظلوم إذا انتبه وانتفض”.
ويبدو الاقتباس واضحا من تسمية الحملة العسكرية واسعة النطاق التي كانت أطلقتها الحكومة العراقية برئاسة نوري المالكي في مارس 2008 على ميليشيا جيش المهدي بقيادة مقتدى الصدر، تحت مسمى “صولة الفرسان” والتي استمرت لقرابة الثلاثة أسابيع وأفضت إلى استسلام الميليشيا المذكورة، وحلّها وإعادة تشكيلها تحت اسم جديد هو “سرايا السلام”.
ومنذ ذلك الحين والصراع بين الرجلين مفتوح إلى الآن. ومؤخرا نجح ائتلاف دولة القانون بقيادة المالكي في إقالة محافظ بغداد علي التميمي المنتمي إلى التيار الصدري.
وجاء ذلك كردّ فعل انتقامي من التيار المتّهم من قبل أنصار المالكي بتفجير موجة الاحتجاجات التي قوبل بها رئيس الوزراء السابق خلال جولة كان قام بها قبل أشهر في محافظات بالجنوب العراقي وأراد من خلالها استعادة جزء من شعبيته المتراجعة في أكبر معاقل التيارات والأحزاب الشيعية، لكن النتيجة جاءت عكسية تماما حيث تعرّض لإهانة كبيرة اضطرته لقطع جولته وبات يشار إليه في الأوساط الشعبية العراقية بـ”طريد الجنوب”.
وبأسلوب قرآني مقصود للتذكير بالمكانة الدينية، قال الصدر في تغريدته “حُبب إليكم الإصلاح وزُين في قلوبكم، وكُره إليكم الفساد والظلم والاحتلال والإرهاب، فقد بذرنا نحن آل الصدر فيكم أيها الشعب العراقي الثائر تلك البذرة وها نحن نترقب ما أنتم فاعلون”.
وتتيح مثل هذه التلميحات القوية للصدر الحفاظ على حضوره تحت الأضواء دفاعا عن مكانته في وقت يُقبل فيه فرقاء الساحة السياسية العراقية، بمن فيهم الفرقاء الشيعة المتصارعون في ما بينهم، على صراع أشدّ عنوانه القبض على زمام السلطة ومقاليد الحكم في مرحلة ما بعد تنظيم داعش في العراق والذي تجري ضدّه حاليا آخر معركة في معقله المتبقي بمدينة الموصل مركز محافظة نينوى بشمال العراق.
ويخشى الصدر خسارة حصّته في السلطة خلال المرحلة القادمة مع تقدّم زعيم المجلس الأعلى الإسلامي عمّار الحكيم إلى واجهة المشهد مقدّما نفسه كرجل المصالحة بين طوائف العراق وأعراقه، فيما نوري المالكي يعوّل على تحالفه مع قادة كبار الحشد الشعبي الذي امتلك سمعة في قتال تنظيم داعش قابلة للاستثمار سياسيا وحتى انتخابيا في الانتخابات المحلية وبعدها الانتخابات التشريعية المرتقبة ربيع سنة 2018.
ويدرك الصدر أنّ للمالكي بما بين يديه من نفوذ سياسي ومالي فرصة للعودة إلى منصب رئيس الوزراء. وعلى هذه الخلفية لم ينقطع خلال الفترة الماضية عن المطالبة بإعادة تشكيل لجنة الانتخابات وتغيير قانون الانتخاب المعمول به حاليا والذي يرى خبراء ومختصّون أنّه يفتح الباب للتلاعب والتزوير.
ومؤخّرا، قدّم زعيم التيار الصدري مشروعا إلى مجلس النواب لإصلاح قانون الانتخابات، مطالبا بمنع ترشح مسؤول تولى منصبا لمدة دورتين، علما أن خصمه اللدود نوري المالكي كان تولّى رئاسة الوزراء لفترتين بين 2006 و2014، ما يعني أنّ مقترح الصدر موجّه ضدّه بشكل مباشر.
وتضمّن المشروع مراقبة الانتخابات من قبل دول محايدة، وإجراء انتخابات الاقتراع الخاص في نفس يوم الانتخابات، وتصويت المهجرين والنازحين في المكان الذي يتواجدون فيه. كما نصّ على إلزام الأحزاب بتقديم مرشحيهم من حملة الشهادات الجامعية.
وفي ظلّ تراكم الغضب الشعبي من تردّي الأوضاع الأمنية والمعيشية في البلاد، ويأس العراقيين من وعود رئيس الوزراء الحالي بالإصلاح، ستكون ورقة الشارع الأنسب لمقتدى الصدر خلال الفترة القادمة بعد أن نجح إلى حدّ كبير في تقديم نفسه كزعيم للإصلاح ومقاوم للفساد.
وخلال موجة الاحتجاجات العارمة التي تفجّرت في أغلب مدن العراق بدءا من صيف سنة 2015، أظهر مقتدى الصدر براعة في ركوب موجة الغضب الشعبي وتوجيهه واستخدامه ورقة للمساومة السياسية، حيث لم يتردّد في النزول إلى الشارع وقيادة الاعتصامات في قلب العاصمة بغداد.
العرب اللندنية