بيروت – تنتشر في لبنان حاليا حالة يمكن أن نطلق عليها تسمية “هستيريا التوقعات”، انفجرت بعد تصريحات الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله التي هاجم فيها الرئيس الأميركي دونالد ترامب واصفا إياه بـ“الأحمق”، مهددا بضرب مفاعل ديمونا الإسرائيلي.
وتنظر بعض القراءات إلى تصريحات نصرالله بوصفها جزءا من محاولات التصعيد الإيراني ضد الرئيس الأميركي الجديد، الذي كشف عن نوايا عدائية تجاه إيران. وتؤكد أن المسألة لا تعدو كونها بالون اختبار إيراني لترامب عبر حزب الله، يهدف إلى استكشاف الأبعاد التي من الممكن أن يصل إليها في تصعيده.
ويقول النائب عن كتلة المستقبل خالد زهرمان لـ“العرب” إن “هناك سياسة أميركية جديدة في المنطقة لم تتبلور بعد بشكل يمكن إطلاق أحكام نهائية حولها، ولكن المؤشرات الأولية تشير إلى بروز توتر إيراني أميركي حاد، وخصوصا في ما يتعلق بملفات المنطقة”.
ويربط خالد زهرمان تصعيد نصرالله بالإطار العام الذي ترسمه التوترات الأميركية الإيرانية.
ويلفت محللون إلى أن المسألة تتجاوز إطلاق الرسائل وتشير إلى وجود مناخ تصعيدي جديد وجدي، خصوصا مع انتشار معلومات حول حصول حزب الله على صواريخ ياخونت الروسية المتطورة، والبعيدة المدى، والتي من الممكن أن تشكل خطرا جديا على السفن الإسرائيلية، والأسطول الأميركي السادس.
ويؤكد المحللون على أن إسرائيل لا يمكن أن تتجاهل وجود مثل هذا التهديد، ويرجح أن تقوم بعمل أحادي ضد حزب الله، بيد أن توقيته يبقى خاضعا للحسابات الداخلية، والتطورات الإقليمية.
ويعتبر النائب خالد زهرمان أن سيناريو تحويل التصعيد الكلامي إلى حرب فعلية لا يزال “مستبعدا بعض الشيء، نظرا إلى انشغال الحزب في عدة ميادين، وعدم توفر مصلحة إسرائيلية مباشرة في شن الحرب حاليا”.
خالد زهرمان:سيناريو تحويل التصعيد الكلامي إلى حرب فعلية لا يزال مستبعدا
ويستدرك العضو بالبرلمان اللبناني “لا يمكن الارتكان إلى هذه الفرضية، بل يجب قيام ورشة عمل لتحصين الساحة الداخلية، والعمل على بناء سياسة واضحة تمنع جر لبنان إلى موقع يكون فيه ضحية أجندات خارجية من قبيل الأجندة الإيرانية”.
واستبعد، من جانبه، النائب عن كتلة التنمية والتحرير ميشال موسى قيام حرب إسرائيلية على لبنان نظرا إلى وجود “توازن ردعي بين إسرائيل وبين حزب الله، ولكون إسرائيل تقدر أن كلفة أي حرب على لبنان ستكون كبيرة”.
وبالنظر إلى التجارب السابقة، فإن إسرائيل عادة ما تبادر إلى الهجوم المباشر في حال أحست بخطر فعلي، ويذكر الجميع إقدامها على مهاجمة مفاعل تموز العراقي عام 1981 دون التنسيق المسبق مع الولايات المتحدة. لذا قد يشكل امتلاك حزب الله لصواريخ بعيدة المدى عاملا فعالا يدفعها إلى مهاجمة الحزب في لبنان بغض النظر عن أي اعتبارات سياسية، أو متطلبات تنسيقية مع واشنطن وغيرها.
ويبدو لافتا أن موجة التصعيد الأخيرة جاءت بعد مواقف لرئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون يدافع فيها عن سلاح الحزب. حيث الأثر المترتب عنه سيكون صعوبة تصل إلى درجة الاستحالة في فصل موقف حزب الله عن الموقف الرسمي للدولة اللبنانية.
وإذا كان الموقف الرسمي يقضي بشرعنة هذا السلاح، فإن كل مكونات الدولة اللبنانية ستتحمل تبعاته، لناحية تبرير استهدافها في أي عدوان إسرائيلي محتمل.
ويقول زهرمان إنه “لا عتب على حزب الله إذا حاول تحويل لبنان إلى ساحة حربية استجابة لمصالح الحرس الثوري الإيراني الذي يشكل جزءا من بنيته، ولكن العتب هو على رئيس الجمهورية الذي من المفترض أن يعمل على إنشاء سياسة واضحة تعنى بتثبيت شرعية الدولة، وحصرية قرارها في كل الأمور الأمنية وسواها، وخصوصا قرار السلم والحرب”.
ويشدد زهرمان على أنه “يفترض أن يكون لرئيس الجمهورية موقف واضح يصب في هذا الصدد كي لا يسمح لحزب الله المرتبط بالأجندة الإيرانية بأن يجر لبنان إلى ما تحمد عقباه، كما سبق له أن فعل في الكثير من المحطات السابقة”.
ولا ينكر ميشال موسى أن موقف عون من سلاح الحزب لا يحظى بتوافق لبناني عام ولكن، ينفي أثر ذلك على التفاهمات، ويؤكد أن “مواقف رئيس الجمهورية ستحظى بإجماع في ظل تكرار الاعتداءات الإسرائيلية”.
ولا يبدو حزب الله قادرا على تحمل مفاعيل حرب إسرائيلية عليه، نظرا إلى التعقيدات الكبيرة التي طالت صورته، وحضوره، وقدراته الميدانية بعد مشاركته في الحرب السورية، وما نتج عنها من خسارته للمئات من الكوادر العسكرية المدربة واستعدائه للطائفة السنية، كما أن قدرة إيران على دعمه بالمال والسلاح تضاءلت.
وكل هذه العوامل تعني أن استجلاب الحزب لحرب إسرائيلية ضده في هذه الفترة لن يكون سوى خيار انتحاري عليه وعلى لبنان.
ويلفت القيادي في تيار المستقبل خالد زهرمان إلى أن لبنان لم ينجح بعد في “استكشاف طبيعة ردود الفعل الدولية على تصريحات رئيس الجمهورية، ولا على كلام حسن نصرالله الذي تضمن تهجما على الدول العربية، والأرجح أن ردود الأفعال لن تكون في صالح البلاد على كل المستويات”.