بغداد – عكست زيارة عادل الجبير، وزير الخارجية السعودي، لبغداد رغبة سعودية في تشجيع العراق على التخلص التدريجي من الهيمنة الإيرانية على قراره الوطني.
وتلتقي الرغبة السعودية في استعادة العراق للصف العربي مع ضغوط إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي للنأي بنفسه عن التحالف مع إيران التي بدأت الإدارة الأميركية في تطويقها بتحالف أوسع يضم واشنطن وأنقرة وعواصم عربية عدة.
وبحث العبادي خلال لقائه بالجبير عدة ملفات أبرزها التعاون بين البلدين لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي، وفق بيان حكومي.
وقال بيان صادر عن مكتب العبادي إن اللقاء بحث أيضاً “التأكيد على أهمية بذل المزيد من الجهود من أجل التعاون في محاربة الإرهاب”.
ونقل البيان عن الجبير تأكيده “دعم السعودية للعراق في محاربة الإرهاب”، مبدياً استعداد المملكة لـ”دعم إعادة الاستقرار في المناطق المحررة”.
وأكد الجبير عقب لقاء جمعه بنظيره العراقي إبراهيم الجعفري أن الزيارة تأتي لإعادة العلاقات الثنائية إلى مسارها الصحيح، مشيرا إلى أن “المملكة تقف على مسافة واحدة من المكونات العراقية وتدعم وحدة واستقرار العراق”.
وأكد الجبير أن هناك رغبة للعمل على فتح منفذ الجميمة الحدودي وبحث ملف تشغيل الخطوط الجوية المباشرة بين البلدين.
وكشف مسؤول بوزارة الخارجية العراقية عن أن الجبير قال لمسؤولين عراقيين في بغداد السبت إن السعودية تعتزم تعيين سفير جديد لدى العراق.
وسيكون السفير الجديد خلفا للسفير السابق ثامر السبهان الذي كان تسلم مهامه في ديسمبر 2015، بعد 25 عاماً من القطيعة بين البلدين، ثم تم استدعاؤه في أكتوبر الماضي للرياض على خلفية تصريحات انتقد فيها ميليشيا الحشد الشعبي.
وقالت مصادر عراقية مطّلعة لـ“العرب” إن الزيارة لم تكن مفاجئة، وأنه تم استبقاها بمشاورات استمرت لشهور، بين
رئيس جهاز المخابرات العراقي مصطفى الكاظمي، والدبلوماسي الأميركي المخضرم زلماي خليل زادة، والجنرال الأميركي المتقاعد ديفيد بترايوس، مع مسؤولين سعوديين بارزين.
ووفقا لقيادي بارز في اتحاد القوى “السنية” تحدث مع “العرب”، فإن “الزيارة كان مخططا لها منذ وقت ليس بالقصير، ولكنها كانت تتعثر كل مرة بسبب حادثة أو تصريح هنا أو هناك”، مؤكدا أن “الأميركان لعبوا دورا كبيرا في ترطيب العلاقات بين بغداد والرياض منذ وصول ترامب إلى الرئاسة”.
وكشفت المصادر أن جدول أعمال زيارة الجبير إلى بغداد تضمن استماع الرياض لوجهة نظر بغداد بشأن المستقبل السياسي للبيت السني العراقي، وتحديد مسار الاعتدال لدعمه، يضاف إلى ذلك عرض السعودية لتصوراتها حول الوضع في المنطقة في ظل التصعيد الإيراني، فضلا عن محاولة فهم مستوى تأثير رئيس الوزراء السابق نوري المالكي على مجريات الوضع السياسي في العراق”.
وأبلغ سياسي عراقي، على صلة بإدارة ترامب “العرب” بأن زيارة الجبير إلى بغداد في هذا التوقيت “هي محاولة لإبعاد القرار الرسمي للحكومة العراقية عن أيّ تبعية، نتيجة التفاعلات لأيّ أزمة محتملة بين الخليج وتركيا بدعم أميركي من جهة، وإيران من جهة ثانية”.
وقال إن “الأميركان طلبوا من السعودية تحديدا إطلاع الحكومة العراقية على رؤيتها المُحتملة للوضع بالمنطقة، في ظل التصعيد الإيراني المتوقع”.
واعتبر إحسان الشمري، مستشار سياسي في مكتب العبادي، أن السعودية تعود للعراق بثقلها العربي المهم، مشيرا إلى أن المنطقة تمضي نحو التسوية والسعودية تجد في العراق طرفا مهما ويحظى بثقة الجميع.
وجاءت زيارة الجبير بعد أيام من حراك أميركي نشط نحو بغداد، تمثل في زيارة جيمس ماتيس وزير الدفاع الأميركي إلى العراق، ولحقت ذلك مكالمة هاتفية بين ريكس تيلرسون وزير الخارجية الأميركي والعبادي.
واعتبر المحلل السياسي العراقي علي الأوسي أن “زيارة الجبير إلى بغداد تمثل تطورا جديدا في الدبلوماسية السعودية لمقاربة الحالة العراقية ميدانيا”، موضحا أن “هذه المقاربة لا تنفصل عن سياسة أميركية جديدة في المنطقة تنبني على مكافحة ما تسميه بتمدد النفوذ الإيراني في العراق وسوريا ولبنان واليمن”.
ولفت الأوسي إلى أن نجاح هذا الاختراق يبقى معلقا على حجم وطبيعة الجدية الأميركية لتغيير مستويات النفوذ والقوة الإقليمية في المنطقة”.
ويرى مشرق ناجي القيادي في تيار الأحرار، التابع للزعيم الشيعي مقتدى الصدر، أن زيارة الجبير “تطوّر إيجابي مهمّ يصبّ في صالح العراق، وعلى رئيس الحكومة والمسؤولين استثمار هذه الزيارة والتعامل معها بما يخدم مصالح الدولة العراقية”.
وأثارت زيارة الجبير حفيظة عدد من نواب ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي، ليطلقوا تصريحات متشنجة بشأن دوافعها وأهدافها.
وقالت النائبة عالية نصيف إن هذه الزيارة لا تختلف عن زيارات سابقة أداها عدد من المسؤولين العرب، مضيفة أن السعودية تنظر إلى العراق من موقع أعلى.
وذكر النائب هاشم الموسوي، عن كتلة المواطن بزعامة عمار الحكيم، أن الزيارة تأتي “بمبادرة سعودية لمعالجة اندماج العراق مع الوضع الإيراني على ما يعتقدون”.
واعتبر لقمان فيلي، سفير العراق السابق لدى الولايات المتحدة، أن العراق يحتاج إلى أن يخرج من الحصار الخليجي له وزيارة وزير الخارجية السعودي تساعد في ذلك، مقللا من التوصل إلى نتائج حينية، ومشددا على أن “صدأ العلاقة يحتاج إلى حوار طويل ومستمر لإزالته”.
وأضاف فيلي أن “السعودية دولة مهمة ونحتاج ألا تكون معادية للعراق”
العرب اللندنية