لست ممن يعتقدون أن دخاناً أبيض سيخرج من مداخن جنيف ليبدد غيومها السوداء في هذا الشتاء الصعب. ولست ممن يعتقدون أن هناك حلاً سياسياً ينهي وجود تنظيم الأسد في سوريا، وجنيف بفصوله الأربعة وما بينهما من فيينا وإستانة وما سيكون بعدهما لن يقدما حلاً عادلاً لمأساة السوريين الممزقين ببراميل طائرات تنظيم بشار الأسد والذين خنقتهم غازاته الكيميائية وشردتهم ميليشياته متعددة الجنسيات. هذا لا يعني أننا نقفل الأبواب والنوافذ في وجه أي مبادرة أو طروحات أممية أو دولية حتى الشيطانية، يمكن بموجبها التخلص وإلى الأبد من حكم تنظيم بشار الأسد وولي فقيهه ومرتزقته المأجورين .
برغم أننا تحفظنا ولم نزل على الطريقة التي تم بموجبها تشكيل وفد الهيئة العليا لمفاوضات جنيف ويدفعنا إلى المزيد من الاستغراب أننا لاحظنا أن هناك وفدا من الائتلاف ووفدا إعلاميا ووفدا استشاريا ووفدا إغاثيا و(..). ولسنا نفهم أو نجد من يفهمنا أو يبرر لنا تواجد أكثر من مئة شخص محسوبين على وفد الهيئة العليا للتفاوض، ولست أعرف كيف حصلوا على تأشيرات للحضور ومن يتحمل نفقاتهم، رغم أن تنظيم الأسد لم يرسل إلا اثني عشر شخصا.
ناهيك عن وفد المتسلقين الثوريين أو أنصاف الثوريين تحت عناوين منصات لا تقبل الاتحاد وتقبل بوفد واحد لا تحكمه أي مواثيق ولا يعترفون بنتائج مباحثات الرياض.
ومن الوقاحة السياسية والأخلاقية أن يفرض على الثورة السورية وعلى وفد هيئتها المفاوض شخصيات موالية «شبيحة» تمت تربيتهم واستنباتهم في أروقة المخابرات وتحت عين علي مملوك. ومما يزيد في الطنبور نغماً أن تلك المنصة «موسكو» مازالت تتهم الثورة المسلحة بأنها عسكرة الثورة وأسلمتها، وفتحت الباب واسعاً أمام انخراط عناصر إرهابية بينها، مما جلب عليها السخط الدولي وأفقدها عذريتها الثورية ومطالبها المحقة، ومازالت تلك المنصة وفي تناغم مع منصة القاهرة تحاول اجترار عبارات وتصريحات من قبل المطالب المشروعة وضرورة مشاركة المعارضة في العمل السياسي والحكومي ولا بأس من بعض الإصلاحات، وهذا يضرب الثورة السورية في مقتل .
نقول بكل وضوح وقد كنا نحمل على الاكتاف في ساحات حمص ونحن نهتف الشعب يريد إسقاط النظام ولم نطلب إصلاحات مهما كان نوعها لأننا نعلم علم يقين أن تنظيم «الأسد» فاسد مفسد ضال مضل لا يمكن إصلاحه ولا يمكن التعايش معه وهو بالأصل لا يؤمن بالآخر مهما كان قربه أو بعده من مشروع سلطته المطلقة أو تناغمه وتماهيه معها فهو يؤمن بالسمع والطاعة فقط . ويتجاهلون عن وقاحة أن الحرب في سوريا فرضت فرضاً على الثوار ولم تكن برغبتهم ولا عن سابق تخطيط من قبلهم بل فرضتها طبيعة المرحلة المتوحشة التي مارست فيها ميليشيا تنظيم الأسد أبشع مظاهر التطرف والتوحش البشري.
نهاية القول فيهم أولئك المعارضون المصطنعون على عين بشار الأسد هم جزء من إرهاب تنظيم الأسد، بشكله الفكري الهدام الذي يحاول أن يسلط الضوء على أخطاء وقعت بها الثورة وهي غير معصومة، ومن البديهي أن يكون لديها مشاكل كبرت أو صغرت هي أخطاء طبيعية نتيجة التغول الأسدي.
تفجير حمص
ما زلت أتابع وسائل الإعلام تصف ما حدث في «حمص» من مقتل إرهابيين من قادة تنظيم الأسد، اختراقاً أمنياً ولست أعرف على وجه الحقيقة من اخترق الآخر ومن سخر الآخر لخدمة ما يريد. ولماذا هو خرق أمني وليس تسهيلا أمنيا، تخلص فيه تنظيم دمشق من أحد مجرميه الموضوعين على قوائم جرائم الحرب ومتهم بجرائم أخرى في لبنان.
وهل علينا أن نذكركم كيف تخلص تنظيم الأسد من آصف شوكت وجامع جامع، أحد كبار الضباط في الاستخبارات الأسدية، وغازي كنعان وزير الداخلية الأسبق ومحمود الزعبي رئيس مجلس الوزراء ورفيق الحريري رئيس الحكومة اللبنانية، وعماد مغنية، ومقتل اللواء محمد منصورة رئيس شعبة الأمن السياسي في سوريا ورئيس فرع الأمن العسكري في القامشلي سابقاً، وهل كان مقتل رستم غزالي مفاجئاً؟
أكدنا ونؤكد دائما أبدا إننا ضد الإرهاب بكل مسمياته وتفرعاته . ما نقوله في مقتل الإرهابيين التابعين لتنظيم الأسد إنهما إرهابيان لقوا جزاءهما العادل، كيف تم ذلك ولمصلحة من وعن التوقيت هذه أمور تحتاج بحثا أعمق.
فصل المقال فيما يقال بحق هذين المجرمين السفاحين إنهما مجرمان لقيا مصيرهما المحتوم ، وليس لدي شك واحد في أن تنظيم الأسد هو من سهل هذه المهمة الخرافية في تفصيلاتها وأحداثها. وقد عهدنا على هذا التنظيم أنه يقتل بـ»الظن» ويتخلص من كل من يمكن أن يشكل له عقبة في المستقبل ودفن ما يعرفونه وما مارسوه معهم في صندوقهم الأسود.
لو أردنا أن نتعمق قليلاً في الموضوع علينا أن نطرح تساؤلا بسيطا: كيف تمكن خمسة انغماسيين من الوصول إلى عمق حمص، حي المحطة ساحة الحاج عاطف، فرع المخابرات العسكرية. بالمناسبة كنت ممن اعتقل في هذا الفرع في عام 2011 ودخلته للتحقيق في عام 2004 . سأقول لكم شيئا مضحكا أن الفرع يبعد عن الشارع الرئيس أكثر من مئتي متر والبوابة الخارجية تبعد عن مباني الفرع أكثر من خمسين مترا وهو مكون من مبان عدة، ويعتبر قلعة عسكرية حصينة جدا. وللتذكير فإن الفرع الذي يقع في حي المحطة، بالقرب منه مديرية الجمارك وغربه مقر الأمن السياسي، وهو على الطريق الرئيس مباشرة واستهدافه أسهل ألف مرة من استهداف الأمن العسكري. أما أمن الدولة بحي الغوطة فدخلته للتحقيق في عام 2006 وهو مبنى قريب من الشارع ومن يدخله لا يستطع أن يعرف كيف يتحرك في داخله، فكيف تمكن أولئك الانغماسيون من تخطي كل هذه الحواجز ومعرفة مكتب رئيس الفرع وتوقيت حضوره في تلك اللحظة، وقتل كل الحراس، ومن ثم قتل رئيس الفرع وزرع عبوات ناسفة. أي عاقل لا يمكنه أن يتخيل هذا الإخراج دون تسهيلات ومشاركة فعلية من قبل عناصر تنظيم استخبارات الأسد لهذه العملية الاستخباراتية التي تعجز عنها سي أي أيه. ومن ثم لماذا لم يتم استهداف فرع المخابرات الجوية على طريق حماه والوصول إليه متاح من أكثر من نقطة .
لماذا تم استهداف المخابرات العسكرية في عمق حمص ولم يتم استهداف المخابرات الجوية ولماذا استهدف الجناح المحسوب على موسكو وليس جناح إيران «الجوية والسياسية» ولماذا حمص وليس حماه وهي أقرب لمركز الانغماسيين؟
تهديد الجعفري
كان ملفتا للانتباه صمت محامي الشيطان بشار الجعفري خلال اليوم الأول والثاني من انطلاق جنيف أربعة، وإذا ببشار الجعفر يمارس الصمت الانتقالي، كان ينتظر الرسالة التي وصلته كما قال ليخرج عن صمته الانتقالي بعد أن وصلت الرسالة ليمارس هوايته المتلازمة مع شخصيته التشبيحية، وحديث ممل عن محاربة الإرهاب وداعميهم . نذكر الجعفري بما قاله منسوبو مخابرات تنظيم الأسد وأظنه «علي مملوك» نحن نخترق التنظيمات الإرهابية لنستغلها لمصلحتنا «بالشكل إللي أحنا نريده».
فيما يتعلق بإدانة وفد الهيئة العليا للمفاوضات نعتقد أنه لم يكن متماسك رغم حجم المأزق الذي وضعوا فيه. وكان من المناسب أن تدين الهيئة الإرهاب بكل مسمياته وتعلق على مقتل إرهابيي بشار الأسد بالقول إنهما إرهابيان دوليان لقيا قصاصهم العادل. ونحن نرفض أي ممارسات خارج نطاق القانون والعدالة الانتقالية التي ستحاسب جميع مرتكبي الانتهاكات بحق الشعب السوري تحت سلطة العدالة الانتقالية. ولسنا مسؤولين عن أي ممارسات ترتكبها أي جهة ونحن اتينا إلى جنيف لوقف الإرهاب الممارس على شعبنا من قبل الميليشيات الطائفية المقبلة من خارج الحدود لدعم إرهاب تنظيم الأسد ، وندين كل الإرهاب على رأسه الإرهاب الذي تمارسه الميليشيات الإيرانية وإرهاب الدولة الذي يمارسه الأسد .
ميسرة بكور
صحيفة القدس العربي