ليس واضحاً بعد مدى جدية الرئيس ترامب في إقامة منطقة أو مناطق آمنة في سوريا، رغم أن الهجوم بالغاز في بلدة خان شيخون الأسبوع الماضي أعاد الجدل حولها. تحدث ترامب في هذا الموضوع ثلاث مرات بعد أن أثاره للمرة الأول خلال حملته الانتخابية عندما قال إنه يتطلع إلى ما أسماه «قطعة أرض فسيحة يقيم فيها السوريون في أمان»، كما تحدث وزير خارجيته ريكس تيلرسون عنه بصيغة أخرى: «مناطق استقرار مؤقتة لمساعدة اللاجئين في العودة إلى ديارهم»، خلال اجتماع التحالف الدولي ضد الإرهاب في 22 مارس الماضي، ثم بحث هذا الموضوع في زيارته إلى تركيا في 30 من الشهر نفسه. ومع ذلك، ما زالت فكرة المناطق الآمنة غير واضحة لدى أركان الإدارة الأميركية، ربما باستثناء رغبتهم في توفير ملاذات للاجئين الذين يرفض ترامب دخولهم الولايات المتحدة تماماً.
ولا تخفى صعوبة إقامة منطقة آمنة أو أكثر في الأوضاع السورية الراهنة. فهي تثير الكثير من الأسئلة؛ بدءاً من منهجية إنشائها، وإمكانات إقناع روسيا بعدم استخدام حق النقض ضدها في مجلس الأمن، وكيفية تحقيق الحماية اللازمة لجعلها آمنة، وكذلك طريقة تمويلها، وهل ستكون هناك دول راعية لها، وسبل التوفيق بين هذه الدول. وتشكل الإجابات على هذه الأسئلة ما يمكن اعتباره الإطار القانوني الذي ينظم المنطقة أو المناطق الآمنة، وهل يكون إطاراً واحداً في حالة إقامة عدة مناطق، أم سيفرض اختلاف الظروف أطراً متعددة؟
غير أن هذا الجانب القانوني ليس إلا واحدة من صعوبات تواجه الفكرة في الواقع، وتنطوي على مشاكل عملية معقدة، وخاصة في شمال سوريا الذي تطالب تركيا منذ سنوات بإقامة منطقة آمنة فيه.
ورغم أن تركيا هي الدولة الأكثر تأييداً لهذه الفكرة، فإن سياستها المتشددة تجاه الأكراد أصبحت عائقاً أساسياً أمامها على المستوى الإقليمي الآن. فالهدف الأساسي لتركيا في المدى القصير والمتوسط هو إقامة شريط عازل على طول حدودها لمنع الأكراد من تأسيس كيان قابل للحياة، ووقف تدفق مزيد من اللاجئين السوريين إليها وإعادة من لا تريدهم. أما الهدف الأبعد فهو أن تكون هذه المنطقة وسيلة لدعم نفوذها الإقليمي، وضمان حضور قوي لها في سوريا.
لذلك ارتبط تأييد تركيا للفكرة بطموح كبير لإقامة منطقة آمنة واسعة النطاق تمتد على طول حدودها مع سوريا، لكن هذا الطموح أُحبط نتيجة التفاهم الضمني بين روسيا وأميركا لوقف القوات التركية وحلفائها من فصائل «الجيش الحر» بعد سيطرتها على مدينة الباب، ومنع تقدمها إلى منبج، كما أن مشاركتها في معركة تحرير الرقة ليست مؤكدة. لذلك، فإذا افترضنا أن إدارة ترامب قررت العمل لإقامة مناطق آمنة، ووجدت صيغة للتفاهم مع روسيا بشأنها، فقد لا تبقى تركيا متحمسة لها، لأن المنطقة التي يمكن أن تُقام على حدودها ستكون أصغر كثيراً مما تطمح إليه. وهذا فضلاً عن أنها ستواجه مأزقاً صعباً إذا شمل التصور الأميركي إقامة منطقة آمنة ثانية في الشمال تحت إدارة كردية من شرق الفرات حتى الحدود العراقية.
وهذا هو السيناريو الأرجح حتى الآن لما يمكن أن يكون تصوراً أميركياً لفكرة المناطق الآمنة، سواء في ضوء سياسة واشنطن تجاه كل من تركيا والقوى الكردية في شمال سوريا، أم في ظل المعطيات الجغرافية المحدّدة لتلك الفكرة. فالمفترض أن يقوم أي تصور جاد في هذا المجال على بحث الحاجات الفعلية لتوفير ملاذات آمنة في مختلف مناطق سوريا. كما يصعب إغفال الحاجة في الوقت نفسه إلى منطقة آمنة في غرب سوريا، جهة الساحل أيضاً، لإرضاء روسيا ونظام الأسد، وأخرى في الجنوب بين درعا والقنيطرة مثلاً لأهميتها في الحد من تفاقم أزمة اللجوء السوري في الأردن بعد أن وصلت إلى مستوى يصعب تحمله. والأرجح أن تصر إيران، في حالة اقتناع روسيا بفكرة المناطق الآمنة، على إقامة منطقة أخرى على حدود لبنان الشرقية مع سوريا، وخاصة بين القلمون والقصير.
وهكذا تبدو المصالح طاغية على العامل الإنساني الذي يفترض أن يكون محور التفكير في إقامة مناطق آمنة سواء في سوريا أو غيرها. وكلما ازدادت المصالح وتعارضت، قلت فرص التفاهم وازدادت الصعوبات التي قد تجعل المناطق الآمنة في سوريا بعيدة المنال.
وحيد عبدالمجيد
صحيفة الاتحاد