القاهرة – أكد خبراء ومحللون أن إحدى المشكلات الرئيسية في إدارة المالية العامة في مصر هي بعد المسافة بين المتوقع أو المستهدف رسميا في الموازنة وبين المتحقق فعليا في واقع الاقتصاد المصري.
وتستهدف مسودة مشروع الموازنة العامة للعام المالي 2017-2018، الذي يبدأ مطلع يوليو المقبل رفع معدلات النمو الاقتصادي لتحقيق المزيد من معدلات التشغيل عبر حزمة من الإجراءات لحفز النشاط الاستثماري والصناعي.
ويأتي إعداد مشروع الموازنة للعام في ضوء ما تم التوصل إليه من اتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار على مدى 3 سنوات. قوقت طبقت مصر عددا من شروط الصندوق مثل فرض ضريبة القيمة المضافة وتحرير أسعار الصرف وخفض الدعم الموجه للكهرباء والوقود.
وتؤكد مصر أنها تسعى لاستكمال تحقيق أهداف الإصلاحات الاقتصادية وزيادة معدلات النمو والحفاظ على شبكة الحماية الاجتماعية وتعزيزها في الموازنة العامة للعام المالي المقبل.
وأعلنت الحكومة في 29 مارس الماضي الموافقة على مشروع الموازنة العامة والخطة الاستثمارية للعام المالي المقبل وإرسالها لمجلس النواب لمناقشتها تمهيدا لإقرارها.
كمال الوصال: تضارب الأولويات ومعالجة قشور المشكلات، وتوسع غير مدروس في الاقتراض
ويستهدف مشروع الموازنة المقبل تحقيق معدل نمو اقتصادي بنسبة 4.6 بالمئة في ضوء تحسن النشاط الاقتصادي خاصة في قطاعي النفط والصناعة، مقابل 4 بالمئة في العام المالي الجاري.
وقال المحلل الاقتصادي مجدي عبدالهادي إن مشروع الموازنة العامة المصرية يتضمن عددا من التناقضات بين الإصلاحات التي تعتزم الحكومة القيام بها وبين أهداف زيادة النمو والحماية الاجتماعية.
وأضاف لوكالة الأناضول أن التناقض الأول يتمثل في خفض العجز كسياسة انكماشية ورفع معدل النمو كسياسة توسعية، خصوصا أن الانكماش استهدف الاستهلاك المحلي أكبر مُحرك للنمو الاقتصادي.
واستبعد ارتفاع معدلات الاستثمار من قبل القطاع الخاص المحلي والأجنبي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة وتدهور الدخول والاستثمار العام بسبب تدني الكفاءة والفساد.
ويستهدف المشروع تحقيق استثمارات بقيمة تصل إلى 36 مليار دولار في العام المالي المقبل، تساهم الجهات الحكومية والعامة فيها بنسبة 45 بالمئة في حين يسهم القطاع الخاص بنسبة 55 بالمئة.
ويتوقع المشروع أن يبلغ الإنفاق الإجمالي نحو 66.6 مليار دولار مقارنة بنحو 52 مليار دولار في العام المالي الجاري. ويهدف أيضا إلى زيادة الإيرادات العامة بنحو 27 بالمئة لتصل إلى 46.1 مليار دولار.
وأشار عبدالهادي إلى وجود تناقض بين أدوات خفض العجز في الأجلين القصير والمتوسط “فاستخدام أدوات انكماشية متعجلة تقوم أساسا على خفض الإنفاق وزيادة الضرائب في ظل ركود وسوء توزيع للدخل، يعني خفض إمكانات النمو الحقيقي في الاقتصاد ومن ثم خفض الإيرادات الضريبية التي تسعى الحكومة لزيادتها”.
مجدي عبدالهادي: تناقض بين خفض سعر الجنيه المصري وبناء شبكات حماية اجتماعية
وقال إن الحكومة “مفرطة في التفاؤل في ما يتعلق بالقدرة على تحصيل الضرائب بسبب ضعف كفاءة الجهاز الضريبي، حيث افترضت تحقيق قفزة تتجاوز 30 بالمئة خلال عام واحد”.
وتستهدف القاهرة حصيلة ضريبية بقيمة 33.5 مليار دولار في العام المالي المقبل مقابل نحو 25.5 مليار دولار في العام المالي الجاري.
وأشار عبدالهادي إلى “التناقض” بين خفض سعر صرف العملة من خلال التعويم وبناء شبكات حماية اجتماعية، لأن المزايا المالية المُستهدفة من هذه السياسة تتحقق أساسا من خلال خفض الاستهلاك.
ويستهدف المشروع في العام المالي المقبل أيضا رفع قيمة الأجور إلى 13.3 مليار دولار مقابل 12.3 مليار دولار للعام المالي الحالي.
وطالب عبدالهادي الحكومة بأن تفسّر تقديرها “المتفائل” للدولار بنحو 16 جنيها إذ “لا يوجد ما يؤيده في الواقع الحالي ولا في المعطيات الواقعية في المستقبل القريب، خصوصا مع تأكيد الخبراء أن الدولار لن يستقر قبل نوفمبر المقبل”.
ويقدر مشروع الموازنة سعر الدولار عند 16 جنيها ومعدل التضخم عند 15 بالمئة وسعر فائدة لأذون وسندات الخزانة بنحو 18 بالمئة وسعر برميل النفط عند 55 دولارا.
وقالت وكالة موديز في أحدث تقاريرها إن برنامج صندوق النقد سيدعم حدوث تحسن تدريجي في الوضع المالي والخارجي للبلاد، لكن تكاليفه الاجتماعية والاقتصادية قد تؤدي إلى تباطؤ وتيرة زخم الإصلاح المالي.
ويرى أستاذ الاقتصاد كمال الوصال إن مشروع الموازنة العامة للسنة المالية الجديدة يعكس الأزمة الخانقة التي يعيشها الاقتصاد المصري بأكثر مما يمثل محاولة لتجاوزها.
وقال إن إعلان وزير المالية عمرو الجارحي عن استهداف خفض نسبة الدين وعجز الموازنة إلى الناتج المحلي الإجمالي وزيادة نسبة التحصيل الضريبي، يظهر مشروع الموازنة وكأنه معد لبلد غير مصر.
وانتقد الوصال “عدم وجود خطة لإصلاح الإدارة الضريبية أو زيادة الاستثمارات التي من شأنها زيادة معدلات النمو الاقتصادي، ناهيك عن ضبابية المشهد السياسي وتزايد الغضب الاجتماعي نتيجة جنون الأسعار”.
واعتبر الوصال أن “مشروع الموازنة يعكس بوضوح أسباب الأزمة ولا يقدم حلولا لها، ويتسم بغياب الرؤية والتخطيط وتضارب الأولويات ومعالجة قشور لا جذور المشكلات، وتوسع غير مدروس في الاقتراض”.
العرب اللندنية