التحرش الجنسي بالأطفال، ويمكن تسميته أيضاً بالعنف الجنسي ضد الأطفال هو واحد من اخطر الجرائم التي تفشت في المجتمع في الاونة الاخيرة. وهو نوع من انواع الاستغلال الجنسي أو هو اتصال جنسي بين طفل وشخص بالغ من أجل إرضاء رغبات جنسية. يشكل العنف الجنسي ضد الأطفال انتهاكاً جسيماً لحقوق الطفل، وهو يمثل أيضاً واقعاً عالمياً في كافة البلدان وبين جميع الفئات الاجتماعية.
كما يعرّف أيضاً بأنه استخدام الطفل لإشباع الرغبات الجنسية لبالغ أو مراهق، أو يكون بين قاصرين فارق العمر بينهما فوق الخمس سنوات، والسن الفاصل المعتبر لدى غالبية دول العالم هو 18 سنة، فكل شخص تحت سن الثامنة عشر يعد قاصر، ومافوق هذا يعد مراهق. ويشمل التحرش تعريض الطفل لأي نشاط أو سلوك جنسي، ويتضمن غالبا التحرش الجنسي بالطفل من قبيل ملامسته أو حمله على ملامسة المُتحرش جنسيا. وتساهم الإنترنت والهواتف النقالة، بشكل متزايد في تعريض الأطفال لمخاطر العنف الجنسي ذلك أن بعض البالغين يبحثون على الإنترنت سعياً وراء إقامة علاقات جنسية مع أطفال. كما أن هناك أيضاً زيادة في عدد وتداول صور الاعتداء على الأطفال، إضافة إلى أن بعض الأطفال يرسلون لبعضهم البعض رسائل أو صوراً جنسية على هواتفهم النقالة، ما يسمى “الرسائل الجنسية”، الأمر الذي يعرضهم لمخاطر أخرى من الاستغلال.
ومن ضمن الأشكال الأخرى للاعتداء الجنسي على الطفل هي بغاء الأطفال والاستغلال الجنسي للطفل عبر الصور الخلاعية والمواقع الإباحية. ويمكن أن يحدث الاعتداء الجنسي على الأطفال في مجموعة متنوعة من الاماكن وبوسائل مختلفة من الإعدادات، بما في ذلك المنزل والمدرسة و العمل، حيث أنه شائع في الأماكن التي بها عمالة للأطفال. كما ويعتبر زواج الأطفال واحداً من أهم أشكال الاعتداء الجنسي عليهم، حيث ذكرت منظمة اليونيسيف أن زواج الأطفال “يمثل ربما الشكل الأكثر انتشارا من الاعتداء والاستغلال الجنسي للفتيات القاصرات”.
وفي عام 2002، أشارت تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن 150 مليون فتاة و 73 مليون صبي دون سن 18 سنة قد أجبروا على ممارسة الجنس القسري أو غيره من أشكال العنف الجنسي التي تنطوي على اتصال جسدي. ومن المرجح أن هناك ملايين آخرين يتم استغلالهم في الدعارة أو المواد الإباحية كل عام، وفي أغلب الأحيان يتم إغراؤهم أو إجبارهم من خلال الوعود الكاذبة والجهل بالمخاطر. ورغم ذلك فإن الحجم الحقيقي للعنف الجنسي ضد الأطفال ما زال مخفياً، بسبب طبيعته الحساسة وغير المشروعة.
ومما يدعو إلى الفزع بأن مرتكبي العنف الجنسي ضد البنات القاصرات غالبا ما يكونون من أعضاء الأسرة الذكور (الإخوة أو الأعمام أو الأخوال)، ويليهم في هذا الصدد أزواج الأمهات والآباء وأعضاء الأسرة من الإناث.
كما قدرت منظمة الصحة العالمية تعرض ما يصل إلى مليار طفل، العام الماضي، للعنف الجسدي أو الجنسي أو النفسي، وكما أشارت أن واحدة من كل خمسة فتيات قاصرات قد تعرضت للاعتداء الجنسي مرة واحدة على الأقل في حياتها.
ومن المؤلم أن يتعرض الأطفال للعنف الجنسي في المدارس، حيث ورد أن المدرسين يقايضون الدرجات بممارسة الجنس؛ وأيضاً في مؤسسات الرعاية والاحتجاز، حيث يستخدم العنف الجنسي بوصفه عقوبة من العقوبات أو باعتباره وسيلة لفرض علاقة من علاقات القوة.
وفي عام 2000، تضمنت تقديرات منظمة العمل الدولية أن 1,8 مليون طفل يتعرضون للاستغلال الجنسي فيما يتصل بالبغاء أو إنتاج المواد الإباحية. وفي أيار/نيسان من عام 2006، كانت قاعدة بيانات المنظمة الدولية للشرطة الجنائية، التي تتضمن صوراً للاعتداءات على الأطفال، تحتوي على أدلة فوتوغرافية تثبت حدوث استغلال جنسي لما يزيد عن 20 ألف طفل من أجل إنتاج صور إباحية للأطفال، وكانت غالبية هذه الصور من الصور الجديدة، مما يدل على وقوع استغلال منذ وقت قريب أو وجود استغلال قائم ومستمر.
الخطير في الأمر أن معظم الأطفال والأسر لا يبلغون عن حالات الإيذاء والاستغلال بسبب وصمة العار والخوف وانعدام الثقة في السلطات. وكذلك يسهم عدم التسامح الاجتماعي وانعدام الوعي في ضعف الإبلاغ.
وتشير الأدلة إلى أن العنف الجنسي يمكن أن تكون له عواقب خطيرة قصيرة وطويلة الأجل وتأثيرات بدنية ونفسية واجتماعية، ليس فقط بالنسبة للبنات أو الأولاد، ولكن أيضاً لأسرهم ومجتمعاتهم المحلية. وهذا يشمل تزايد مخاطر الأمراض، والحمل غير المرغوب فيه والضغوط النفسية ووصمة العار والتمييز ومواجهة صعوبات دراسية.
وكجزء من التزام منظمة اليونيسف باتفاقية حقوق الطفل وإعلان ريو دي جانيرو والدعوة للعمل من أجل منع ووقف الاستغلال الجنسي للأطفال واليافعين، تعمل اليونيسف لمنع العنف الجنسي والتصدي له من خلال إشراك قطاعات حكومية مختلفة، كالرعاية الاجتماعية والتعليم والصحة، فضلاً عن المشرّعين والمجتمع المدني وقادة المجتمع المحلي والجماعات الدينية والقطاع الخاص ووسائل الإعلام، والأسر والأطفال أنفسهم.
العوامل التي تعرّض الأطفال لمخاطر العنف الجنسي
يرى الكثيرون أن الفقر يشكل السبب الأساسي للعنف الجنسي ضد الأطفال، حيث يعد الفقر في الواقع وفي الكثير من الأحيان عاملاً هاماً من عوامل استغلال الأطفال جنسياً. ومع هذا، فإن ثمة أطفالاً كثيرين يعيشون في نطاق الفقر ولا يقعون ضحية لمستغلي الجنس، ولابد أن هناك عوامل أخرى تدفع بالطفل إلى التعرض لهذا الاستغلال الجنسي. ومجمل القول، أن الفقر كثيراً ما يكون ذا صلة، ولكنه ليس من العوامل المحددة بصفة دائمة. وهذا ما يسمى في غالب الأمر’الفقر مع عامل آخر‘، حيث يوجد ’عامل إضافي‘ يفضي هو والفقر إلى زيادة هشاشة موقف الطفل. وقد يكون هذا العامل متمثلاً في تمزق الأسرة، من قبيل وقوع العائل فريسة للمرض أو فقده لعمله، أو موت واحد من الأبوين أو كلاهما وترك الأطفال دون دعم على يد الكبار.
والعنف العائلي يعد أيضاً من عوامل زيادة الضعف، فالأطفال قد يهربون من المسكن المعرض للعنف ليعيشوا في الشوارع، حيث يتزايد انهيار موقفهم أمام الاستغلال والعنف والاتجار. والكثير من الأطفال الذين يندرجون في تجارة الجنس كانوا قد تعرضوا للاستغلال في بداية الأمر من قبل أحد الأقرباء، وكان هذا الانتهاك بمثابة عامل محدد فيما يتعلق بفرارهم من المسكن ووقوعهم في نهاية المطاف فريسة للاستغلال الجنسي التجاري.
والأطفال الخارجون عن نطاق التعليم، سواء بسبب عدم قيدهم بالمدارس على الإطلاق أم بسبب تخلفهم عنها، معرضون للمخاطر أيضاً، فالفرص المتاحة أمامهم ضئيلة، والمستغلون على استعداد للاستفادة من ذلك.
ماذا يمكن عمله؟
من نتائج ضعف الوازع الديني في نفوس الكثيرين وانحسار أثره فيهم، يمكن القول أن الخطاب الديني الذي لا يعني بتقويم المواطن لما فيه الخير والصلاح قد أصبح أحد الأسباب الرئيسية لإنتشار هذه الظاهرة الخطرة في مجتمعنا حاليا. لهذا فإن علماء النفس والاجتماع وخبراء القانون يرون ضرورة فتح هذا الملف المسكوت عنه انطلاقاً من مبدأ “خير وسيلة للدفاع هي الهجوم وكشف المستور”. هذا الملف محاولة لإعلاء الصوت المكتوم، وصرخة مدوية في وجه كل منظمات حقوق الإنسان ورعاية الطفولة التي لم تحقق حتى الآن نجاحات تذكر في مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة والقضاء عليها تماماً.
من أجل وقف هذا التدهور الإجتماعي الخطير على الحكومة تعزيز نظم حماية الطفل، على المستويين الوطني والمحلي، بما في ذلك القوانين والسياسات والأنظمة وتقديم خدمات شاملة للضحايا من الأطفال. وعلى منظمات المجتمع المدني المهتمة بالطفولة العمل مع اليونيسف من أجل زيادة الوعي بالمشكلة والتصدي للمواقف والأعراف والممارسات التي تضر الأطفال.
كما أنه من المؤلم والمؤسف أن الحكومة لا تعلم مدى نطاق مشكلة الاستغلال الجنسي للأطفال في العراق، ولهذا فهي بحاجة إلى الاستثمار في مجال تقدير حجم تلك المشكلة. فالأمور القابلة للقياس هي وحدها التي تحظى بما يلزم من ميزانية وتخطيط، وبدون المعرفة الواجبة في هذا الشأن لن يكون هناك تحد فعال لهذا الانتهاك البشع لحقوق الأطفال.
لقد سُجّل تقدم كبير في ميدان وضع تشريعات وطنية في شتى أنحاء العالم من أجل تناول موضوع الاستغلال الجنسي للأطفال. ومع هذا، فإن التشريعات القائمة في العراق لا تغطي مختلف صور هذا الاستغلال.
وعلاوة على هذا، فإن وضع تشريعات سليمة ليس سوى خطوة أولى. فلابد لتنفيذ القوانين على نحو فعال أن يحظى أيضاً بالأولوية. وبدون الاضطلاع بالتنفيذ اللازم، يلاحظ أن القوانين تصبح خالية من المعنى. والتنفيذ الفعال يتطلب رصد الموارد من قبل الحكومة.
وكذلك على المؤسسات التربوية أن تتحمل مسؤولية تعليم الأطفال كيفية حماية أنفسهم، إضافة إلى المؤسسات الدينية والأمنية، ولا نبالغ القول أن جميع أفراد المجتمع يتحملون جزءا من المسؤولية، خصوصاً أننا نتحدث عن ظاهرة في المجتمع وليس حالات فردية. وكما هو معروف فإن الظواهر تحتاج إلى عمل مخطط تتداخل فيه العديد من الجهات، ويمكن قيام العديد من حملات التسويق الاجتماعي للتصدي إلى هذه الظاهرة. كما لا بد من غرس الوازع الديني في نفس الأشخاص الذين يقومون بالتحرش من خلال توجيه رغباتهم ونزعاتهم لما فيه الخير للمجتمع وليس العكس.
ورغم ذلك، فإن مكافحة الاستغلال الجنسي للأطفال لا تتوقف على مجرد ما يوجد من قوانين وما يتوفر من قدرات لتنفيذها، فالمسألة بحاجة إلى إقامة نظام لحماية الطفل يتسم بالتركيز على المنع إلى جانب الاستجابة للحالات القائمة وتهيئة بيئة حامية بالفعل.
ومن خلال توفير بيئة تتميز بحماية الأطفال، يمكن للحكومة والمشرعين أن يعملوا على سن قوانين تمنع الاستغلال الجنسي وسائر أشكال العنف والاستغلال، بما في ذلك العمالة الخطرة للأطفال، والعنف القائم في المسكن أو المجتمع، ومعدلات التخلف الدراسي الكبيرة، والاتجار بالطفل.
الدكتورة رابعة العبيدي
ناشطة مدنية في مجال حقوق الإنسان
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية