يعتمد النظام الإيراني أساليب مختلفة وملتوية للقضاء على هوية الشعب العربي الأحوازي ووجوده وباقي الشعوب غير الفارسية في إيران دون أي مراعاة للقوانين الدولية وحتى القيم الأخلاقية والإنسانية. إن عدم تطهير الأراضي المزروعة بالألغام المتبقية منذ الحرب العراقية – الإيرانية هو أحد تلك الأساليب الخبيثة التي بات واضحاً أن إيران تستخدمها ضد أبناء هذا الشعب ضمن خطة أوسع تهدف إبادتهم بشكل نهائي، بعد أن احتلت أرضهم عام 1925.
ففي الشهر الماضي، جاء في الأنباء أن صبياً أحوازياً يبلغ من العمر 13 عاماً توفي إثر انفجار لغم أرضي في إقليم الأحواز، وهذا الصبي يعد واحداً من آلاف الضحايا الذين قتلتهم أو شوهت أجسادهم مخلفات الحرب وحقول الألغام التي يقدر بأنها تضم ما بين 20 مليون إلى 30 مليون لغم تقع جميعها على طول الشريط المحاذي للحدود مع العراق والذي يمتد من داخل كردستان إيران حتى نهاية إقليم الأحواز، وتعد إيران ثاني أكبر بلد ملوث بألغام الحروب (وفقاً لما ذكرته شيرين عبادي الحائزة جائزة نوبل للسلام ورئيسة منظمة حقوق الإنسان الإيرانية ومديرة جمعية التعاون لإزالة الألغام).
وحسب ما ذكرت وكالة أنباء إيران الرسمية (إيرنا) أن 24 شخصاً سقطوا ضحايا جراء انفجار الألغام في عام 2016، فقتل 6 منهم وأصيب آخرون بجروح أدت إلى تشوهات جسدية، وذكرت منظمة حقوق الإنسان في كردستان إيران أن في عام 2015 قتل وجُرح 48 شخصاً بسبب الألغام ومخلفات الحرب، وكان من بين الضحايا 12 طفلاً وست نساء، وفي عام 2014 قُتل وجُرح 200 شخص، وبلغت نسبة الضحايا 184 في عام 2013، وفي العام الحالي بلغ عدد الضحايا 19 شخصاً كان معظمهم من بين البدو الرُحل والمزارعين في إقليمي عيلام والأحواز، وفقاً لوكالة الطلبة للأنباء الإيرانية، ولربما زيادة نسبة حالات التشوه الناجمة عن الإصابة بالألغام هو السبب في ارتفاع عدد متاجر بيع الأجزاء الصناعية في الأقاليم الحدودية خاصة في كردستان والأحواز.
من جانب آخر، ذكر مدير أمن الحدود ومساعد محافظ «خوزستان» (الأحواز)، عبد الرحيم ناطقي، أنه يوجد أكثر من مليون و380 ألف هكتار من الأراضي الزراعية الملوثة بالألغام في الأهواز وحده، وتشير الإحصائيات الصادرة عن الأمم المتحدة إلى أن معدل الإصابة بالألغام في إيران يبلغ شخصين في اليوم الواحد، ويقدر التقرير عدد هذه الألغام بـ20 مليون لغماً مزروعاً في حوقل منتشرة في المناطق الحدودية، ويضيف التقرير أنه رغم امتلاكه خرائط مناطق انتشار هذه الألغام لم يقم النظام الإيراني بإزالتها.
ولا يبقي هناك مجال للشك إذا قلنا إن النظام الإيراني يتابع من وراء إحجامه عن تطهير الألغام سياسة ممنهجة لإبادة الشعب العربي الأحوازي، وذلك ضمن خطته الأكبر والأوسع الرامية إلى محو وجود هذا الشعب العربي المضطهد، لأنه في الوقت الذي يترك أبناء هذا الشعب طعماً للألغام، يساهم بالمال والخبرات لإزالة الألغام في جنوب لبنان، وذلك عبر مؤسسة غير حكومية تدعى «جيل السلام» أو «بي جي أو دبليو» حسب تقرير نشرته جريدة «ناشيونال نيوز» الإماراتية في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2009، حيث أكد مدير هذه المؤسسة، محمود راههال، أن معظم دعم هذه المؤسسة يأتي من مؤسسة إيرانية شريكة، ساهمت بـ70 مليون دولار أميركي وأيضاً في مجالي الإشراف والتدريب لإزالة الألغام.
وفي عام 2007 قدمت أنا شخصياً احتجاجاً من داخل البرلمان السويدي على قرار مجموعة من الدول الإسكندنافية، ومنظمات غير حكومية تقديم 93 مليون دولار للنظام الإيراني لمكافحة الألغام، وذكرت في كلمتي الاحتجاجية أن إيران لن تستخدم تلك الأموال لتطهير الألغام، وإنما ستستفيد منها لإبادة الشعب العربي الأحوازي، وفي السياق نفسه، حضرت في 10 مارس (آذار) من عام 2017 مع الزميلة والصديقة شيرين عبادي مؤتمراً في البرلمان السويسري وقدمنا شرحاً مفصلاً عن مشكلة الألغام واستخدامها للتطهير العرقي في الأحواز، كما أكدت السيدة عبادي أن إيران لم تتعامل مع موضوع تطهير الألغام بجدية، ولا تقدم حلاً لمواطنيها الذين يواجهون مشكلة الألغام في المناطق الحدودية.
إن النظام الإيراني عبر تجاهله لمسألة تطهير حقول الألغام وما تخلفه من ضحايا، يقوم في الحقيقة بتنفيذ خطته التي تمت الموافقة عليها من قبل رؤوس النظام بعد نهاية الحرب مع العراق وأثناء رئاسة رفسنجاني والتي تهدف إلى إحداث تغيير ديموغرافي في إقليم الأحواز وخفض نسبة العرب الحالية التي تبلغ نحو 80 في المائة من السكان، لتصبح هذه النسبة عربي 1 مقابل 3 فرس وغير عرب، وذلك لاعتقاده أن الأحوازيين غير موالين له وقاموا بمساعدة جيش صدام حسين خلال الحرب، ولمتابعة هذه الخطة تم إنشاء منظمة سرية بميزانية وإمكانيات كبيرة برئاسة محسن رضائي، رئيس الحرس الثوري السابق والمعروف بعدائه وعنصريته تجاه العرب.
وبالإضافة إلى ما ذكرنا، عمد النظام الإيراني إلى استخدم طرق أخرى لها علاقة بالحرب للضغط على الشعب الأحوازي ومنها عدم السماح لمشردي الحرب القاطنين في مدن إيران في الشمال والوسط بالعودة لقراهم ومزارعهم بحجة تلوثها بالألغام، وعدم إعادة أعمار المرافق الحيوية التي دمرتها الحرب في مدن الأحواز وعبادان والمحمرة، حيث تبلغ نسبة إعادة الأعمار لتلك المناطق 20 أو 30 في المائة فقط، كما لم يستعد ميناء المحمرة نشاطه الاقتصادي لحد الآن، بسبب رفض النظام تطهير شط العرب والممر البحري من بقايا السفن المدمرة ومخلفات الحرب، كما لم يستطع الفلاحون الأحوازيون إعادة زرع ملايين النخيل التي حصدتها آلة الحرب لعدم حصولهم على تراخيص من الحكومة بهذا الشأن.
في واقع الأمر أن النظام الإيراني يوظف كل ما خلفته الحرب من ويلات ودمار ضمن خطته الكبرى، الرامية إلى إزالة الشعب العربي الأحوازي من أرض آبائه وأجداده فيمارس شتى الأساليب لمحو وجوده ومعالمها في كل المجالات فيطبق النظام مشاريع مختلفة في غاية الخبث ترنو إلى إبادة هذا الشعب واستئصاله من موطنه الأصلي لينفرد النظام بخيراته وثرواته الكثيرة.
د.كريم عبديان بني سعيد
صحيفة الشرق الأوسط