منذ عام 1958 ( قيام الجمهورية ) ولغاية اليوم يعاني العراق نقصاً كبيراً في الطاقة الكهربائية ، على الرغم من صرف مبالغ ضخمة بين 50-60 مليار دولار على قطاع توليد الطاقة الكهربائية ولم تنجح بحل المشكلة بشكل جذري ، حسب خبراء اقتصاديين ومستثمرين في هذا المجال .
ومن اسباب النقص اهمال الدولة لدور القطاع الخاص في هذا القطاع فيما العالم يتجه اليوم للاستثمار في مجال توليد الطاقة نحو القطاع الخاص؛ لتخفيف العبء عن كاهل ميزانية الدولة من الناحية المادية، وتحمل عنصر المخاطرة والمفاجئ ، وتشغيل اليد العاملة الوطنية ، والالتزام بفترة انتاج محددة وتحمل المسؤولية كاملة في حالة الاخفاق او التوقف او التلكؤ بالعمل، وهناك عقود عمل من شأنها تنظيم العلاقة بين الشركة المستثمرة والدولة لحفظ حقوق الطرفين مع بقاء القوة دائما للطرف الحكومي .
لذا نرى حتى في الدول الصناعية المتقدمة والدول الغنية يشارك القطاع الخاص في مشاريع توليد الطاقة والبنى التحتية المهمة ، ليس من الناحية المادية فقط ، ولكن تحاشيا لبيروقراطية الدول، التي تجعل المشاريع بطيئة الانجاز لصعوبة اتخاذ القرار، بينما القطاع الخاص يكون اسرع ويتحمل المخاطر والعقبات ، ووصلت تلك الدول الى قناعة بان بيع المحطات الى القطاع الخاص،” مستثمرين وشركات”، ثم شراء الطاقة منه يكون اوفر واجدى اقتصاديا، مما لو قامت هي بالاستثمار في هذا القطاع، ومثال ذلك ان دولا عربية غنية مثل السعودية والامارات تمتلك مئات المليارات ومع ذلك بدأت بعملية خصخصة قطاع الطاقة، بناء على دراسات جدوى اقتصادية .
اما في العراق : فيمكن للقطاع الخاص ان يسهم بشكل كبير في دعم الاقتصاد العراقي وحل الازمات المتراكمة منذ عشرات السنين ، وبالأخص ازمة الطاقة ، لكن المجتمع العراقي الذي عاش بالعقلية الاشتراكية عقودا طويلة ما زالت ثقافة الانسان فيه ترى ان الدولة هي التي تتولى توفير الطاقة والماء والغذاء، وبناء الطرق والجسور والمحطات ، ولكن تلك المفاهيم تغيرت اليوم في معظم دول العالم؛ اذ اصبحنا في زمن العولمة والتطور التكنولوجي السريع، ، اذ لمواكبة العالم والتطور لابد من التوجه نحو اقتصاد السوق بالشكل العلمي المدروس التي تخدم المجتمع العراقي بتقديم افضل الخدمات وتشغيل اليد العملة العراقية من جهة ، وتحافظ على هيبة الدولة وسيادتها من جهة اخرى، وعلينا ان نفهم فكر الاستثمار الخاص، ونشجعه، وان لا نعامل المستثمر كعدو ويجب الانتقام منه.
ورغم ان العراق وبحسب الدستور العراقي بعد 2003 اتجه نحو اقتصاد السوق ، لكنه لم يطبق اي شيء على ارض الواقع، لأنه لم يكن هناك تثقيف للمجتمع ولا حتى للمسؤولين عن ادارة مشاريع البلد ، وليس هناك تعمق ودراسة واعداد لدراسات جدوى اقتصادية لجميع المشاريع الاساسية للوصول الى قناعة تامة ، بالتوجه الصحيح نحو القطاع الخاص للقضاء على مشاكل يعانيها العراق ،ولا تكاد تذكر في افقر الدول.
و يؤكد عضو اللجنة المالية مسعود حيدر، ان القطاع الخاص في العراق غير مفعل، منذ 2003؛ بالرغم من أنه يشكل 40% من الدخل العام للبلاد”، فلو قامت الحكومة بتحويل الشركات إلى القطاع الخاص فإنها ستسهم بشكل كبير في دعم الاقتصاد العراقي، وستعيد للدولة نحو عشرة تريليونات دينار (8.3 مليارات دولار) سنويا”.
ويرى خبراء الاقتصاد، أن الخصخصة لا تعني نقل الملكية بشكل عشوائي، بل بشكل علمي مدروس، وتعمل على تحسين أداء المنشآت ،أي دخول القطاع الخاص شريكا استراتيجيا لمدة معينة لغرض رفع إنتاجية المشاريع وتحسين أدائها وتقديم افضل الخدمات والقضاء على مشاكل يعانيها المجتمع العراقي، منها توقف 40 الف مصنع في العراق عن العمل.
ومن اهم خصائص القطاع الخاص انه طرف مؤثر مع القطاع العام ، في القطاع الاقتصادي في كل دولة، ويشكل عنصر التوازن في الاقتصاد المحلي والعالمي، ويؤثر بصورة مباشرة على القوى العاملة؛ إذ إنّ أيّة منشأة قطاع خاص تحتاج إلى العُمّال، والموظفين الذين يمتلكون القدرة الكافية على القيام بالوظائف التي تسهم في تحقيق الهدف الرئيس من وجود المنشأة.
وهذا يحتاج الى وضع استراتيجيّات عمل محددة لاتخاذ القرارات، البعيدة عن أيّة إجراءات روتينيّة، تؤدي إلى الحد من الوصول إلى أي قرارٍ مناسبٍ في بيئة العمل، ويتحمل جميع التكاليف الثابتة والمتغيرة.
فلو قمنا باحتساب بسيط للأموال التي تهدر، وتستنزف من قوت المواطن العراقي في سبيل الحصول على الكهرباء التي باتت مشكلة بلا حل بشكل كامل ولا بالمستوى المطلوب.
فان الحسابات على اساس عدد سكان العراق 25 مليون نسمة مطروحا منه سكان إقليم كردستان, وأن معدل أفراد الأسرة الواحدة هو 5 أشخاص فيكون لدينا 5 ملايين عائلة، أي 5 ملايين محل سكن وعلى افتراض أن باقي المنشآت الأهلية تمثل 40% من المنازل فيكون عدد المنشآت مليوني منشأة، تمثل المحال التجارية و المطاعم و المقاهي و غيرها من المنشآت الأهلية ، وسيكون مجموع الاشتراكات التي تحتاج الى تجهيز بالكهرباء 7 ملايين مشترك بين عائلة و منشأة أهليه.
ولو افترضنا أن معدل استهلاك كل منشأة 6 أمبير، ومعدل سعر الأمبير شهريا هو 7000 دينار عراقي ، فيكون ما يدفعه العراقيون شهريا لأصحاب المولدات هو ( 6 أمبيرات ×7000 دينار/ امبير شهريا × 7 ملايين مشترك يحتاج لكهرباء = 294 مليار دينار عراقي )، ما يعادل 235 مليون دولار أمريكي.
(على اعتبار سعر صرف الدولار 1250 دينار).
ونفترض أن مصاريف التمديدات الكهربائية و قواطع الدورات ، أي ” الصيانة ” هي 20% ، أي ان (20% × 235 مليون دولار= 47 مليون دولار), حيث ان كل عائله تحتاج إلى تغيير القواطع و استبدال الأسلاك عده مرات سنويا, فيكون ما يصرفه العراقيون شهريا هو( 47 مليون دولار صيانة + 235 مليون دولار السعر الشهري للامبير ) =282 مليون دولار أمريكي شهريا .
وفي السنه الواحدة (282 مليون دولار × 12 شهر ) يساوي 3.384 مليار دولار سنويا ما يصرف المواطن العراقي من دخله الخاص، للحصول على الكهرباء وبشكل ردئ ومتقطع.
وتجدر الاشارة الى انه لم يتم احتساب تكاليف اخرى تتمثل بـما يلي:-
• اسعار المولدات الخاصة ( المنزلية ، والمحال التجارية )التي يستعملها الكثير من المواطنين.
• اسعار الوقود، وتكلفة صيانة المولدات التي غالبا ما يتحملها المواطنون.
• رداءة وتذبذب التيار الكهربائي التي تعمل على تلف الأجهزة الكهربائية و الإلكترونية المنزلية و الإنتاجية.
• والاهم من كل ما سبق هو التلوث البيئي وما ينجم عنه من امراض خطرة تؤثر على صحة الانسان ، وحياة الحيوان والنبات والممتلكات .
ولو قارنا تكاليف الكهرباء في العراق، أي ما يتم تحمله الدولة العراقية ، وبين ما يتم شراؤه من ايران ، وبين ما تقدمه الشركات الخاصة ” مشروع محطة بسماية ” مثلا نلاحظ ما يلي:-
1-الحكومة تنتج الكيلو واط بقيمة 5.5 سنت، دون احتساب الوقود، لو تم احتساب الفائدة على الرأسمال المستثمر والاندثار والرواتب ، لتضاعف السعر .
2- المستورد من ايران يكلف الدولة 9 سنتات، وبمواصفات رديئة، من ناحية الفولتية والذبذبات .
3- الشركة الخاصة ” مشروع بسماية” 7 سنتات مع الوقود ،
ولو حسبنا انتاج 3000 ميغا واط ، سنرى ان المشروع الخاص لمحطة بسماية الشركة الوطنية العراقية، يوفر نحو نصف مليار دولار ، لصالح الحكومة العراقية .
مما سبق نستنتج ان تكاليف انتاج الدولة من الناحية المحاسبية ، يكون مرتفعا جدا مقارنة بالقطاع الخاص، ولو قامت الدولة بإنشاء المشروع ، وبالتالي تكون عملية شراء الدولة من القطاع الخاص ارخص، وايضا يكون ارخص واجود بكثير مما لو قامت الدولة بشرائه من ايران، والاهم انها شركة وطنية، وبأيد عراقية .
غير ان الحكومة تغفل عن كثير من الامور المحاسبية المهمة، ولا تدخلها في حساباتها ، اذ ان تكلفة محطة بسماية لإنتاج الطاقة الكهربائية بلغت ثلاثة مليارات دولار، فيما ايراداتها تكون بحدود نحو 750- 800 مليون دولار، في حين تحسبها بعض الجهات الرسمية ربحا صافيا وهذا خطأ كبير ، اذ انها لا تحسب تكلفة راس المال ،الذي تم اقتراضه من المصارف فمثلا؛ البنوك الحكومية تحسب الفائدة على القروض بين 8- 10 % ، يسدد من الايراد ، والتكاليف المتغيرة والثابتة ،والصيانة والرواتب والاندثار وغيرها ولذا لن تكون صافي الربح اكبر من 200مليون دولار والتي تشكل اقل من 7% .
وتخطئ الدولة ايضا بعدم احتسابها الاندثار، وهو توزيع منتظم لتكلفة الموجودات القابلة للاندثار خلال عمرها الإنتاجي مثل الآلات والمعدات والمكائن، أو هو ذلك الجزء من تكلفة الأصل الثابت الذي يعبر عن مقدار استفادة الفترة المحاسبية من خدمات الأصل الثابت والذي يحمل على حسابات النتيجة، أو هو النقص التدريجي في قيمة الأصل الثابت نتيجة استخدامه أو التقادم الاقتصادي.
ولابد من ان نحسب التكلفة بشكل دقيق كي نصل الى القيمة الحقيقية للربح، اذ انها لا تحسب التكلفة بشكل صحيح ، فهي تحسب تكلفة شراء الآلات والمعدات والمواد الاحتياطية وما يلزم الصيانة فقط.
وباحتساب تكلفة الكيلوواط، في وزارة الكهرباء العراقية بمنظور محاسبي دقيق، سنلاحظ ان تكلفته مرتفعة جدا، مقارنة بالقطاع الخاص الذي يتحمل المسؤولية بشكل كامل وبكل تحدياته، ويجب احتساب جميع التكاليف بشكل دقيق لنصل الى الربح الحقيقي .
والسؤال المهم الذي نطرحه هنا هو: لماذا لا يتجه العراق بشكل علمي مدروس الى القطاع الخاص لحل مشكلة الكهرباء ، معتمدا على دراسات للجدوى الاقتصادية لتلك المشكلة ، كي تتمكن الدولة من حل مشكلة الطاقة بشكل نهائي في العراق وبأيد عراقية ؟
ومن امثلة نجاح القطاع الخاص في الاسهام بحل مشكلة الطاقة في العراق محطة بسماية وهي احدى المحطات الكهربائية ؛ التابعة لمجموعة ماس القابضة ؛ التي قدمت المقترحات والمعالجات لحل ازمة الكهرباء بشكل كامل الى الحكومة العراقية، مؤكدة استطاعتها حل تلك المشكلة في جميع المحافظات العراقية بشكل نهائي.
وقال وزير الكهرباء المهندس قاسم محمد الفهداوي في حفل افتتاح المحطة: نفتخر اليوم بافتتاح اول محطة توليد استثمارية، نفذت بوقت قياسي، وفِي ظرف صعب، وستسهم بشكل كبير برفد منظومة الكهرباء الوطنية كمرحلة أولى ب(١٠٤٠) ميغاواط، وستكون حصة محافظة بغداد منها كبيرة كونها ضمن الرقعة الجغرافية للعاصمة، واثنى على شركة ماس القابضة لدقتها وسرعتها في الانجاز، مشيرا الى انها مستمرة بتنفيذ مشروع هذه المحطة للوصول بطاقتها الإنتاجية الى (٣٠٠٠) ميغاواط، لتغطي احتياج العاصمة بغداد، ذات الكثافة السكانية الكبيرة، ويبلغ مجموعة انتاج ماس الاجمالي في بغداد وكردستان 7000ميغا واط ، بينما يبلغ الانتاج الحكومي لغاية الان 12000 ميغا واط ،
وتقول مجموعة ماس ان محطة بسماية التابعة لها والتي تقع على بعد 25 كم جنوب شرقي العاصمة بغداد تعمل بطاقة 3000 ميغاواط، وتشكل 25% من انتاج العراق كله
وتم التعاقد مع وزارة الكهرباء على إنشاء المحطة الكهربائية الضخمة؛ لتغذية العاصمة بغداد، وتتكون المحطة من ثماني وحدات غازية من نوع (Frame 9-FA) سعة الوحدة الواحدة 260 ميغاواط،
ما يساوي 2080 ميغاواط، وتم البدء بالعمل الفعلي بالموقع في بداية عام 2015.
وتعمل هذه التوربينات الغازية بنوعين من الوقود (الغاز الطبيعي والوقود السائل / الديزل) ويحفظ الديزل في ستة خزانات كل خزان بسعة 10000 م3.
وفيما دخلت المحطة طور الإنتاج للدورة البسيطة (Simple Cycle) في بداية 2017، بدأت في الوقت نفسه إنشاء الدورة المركبة (Combined Cycle) للاستفادة من الحرارة المنبعثة من العوادم الخارجة من التوربينات، بإعادة استخدام الحرارة من خلال مراجل خاصة (Heat Recovery Steam Generators (HRSG، بطاقة 920 ميغاواط دون استهلاك وقود إضافي وهذا يؤدي الى زيادة كفاءة الإنتاج وتخليص البيئة من مخلفات الاحتراق وتقليل كمية الكربون المنبعث للجو
وبعد إكمال الدورة المركبة تصبح طاقة المحطة 3000 ميغاواط، وتعد المحطة من المشاريع العملاقة و المهمة جداً في المنطقة، وتتضمن الأجزاء الرئيسية للدورة المركبة ما يلي:
التوربينات الغازية من نوع FA) 9صنع شركة (GE)الأمريكية
التوربينات البخارية من نوع (C7) صنع شركة (GE) الأمريكية المراجل (HRSG) من شركة (CMI) البلجيكية
انظمة التبريد بالماء(WCC) من شركة (GEA) الألمانية
المحولات الرئيسية والفرعية من شركة (Siemens) الالمانية
نظام التحكم الرئيسي من شركة (Emerson) الامريكية.
وتشمل المحطة معدات وانظمة حديثة مكملة للمشروع مع ملحقاتها كاملة و يتم نقل الطاقة المنتجة من خلال محطات ثانوية بطاقة 400 كيلوفولت و 132 كيلوفولت وعبر خطوط نقل متعددة.
وقريبا ستشغل طاقة المحطة الى 3000 ميكا واط اي ما يعادل ربع انتاج العراق كاملا وبأفضل المعدات على الاطلاق وبتكلفة 3مليارات دولار ، مما يعني امكانية توفير الطاقة لمدة 24 ساعة في بغداد .
الوحدة الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية