عند الحديث عن الازمة المالية العالمية يتكرر عادة مصطلح “الفقاعة” في الرهونات العقارية، وهي ظاهرة تبدأ بالتوسع السريع بارتفاع اسعار الاصول لتتجاوز قيمتها الاساسية في السوق وتستمر بالارتفاع، ثم يليها انكماش حاد الى ان تصل الى نقطة السقوط الحر ، التي يتبعها انفجار الفقاعة .
وخلال الفقاعة يحدث التضخم في سعر اصل مالي او فئة معينة من الاصول مما يضعف ارتباطها بالقيمة الحقيقة للأصل.
وللفقاعة عدة تسميات منها: فقاعة اسعار الاصول، الفقاعة المالية ، فقاعة المضاربة ، ومن الممكن ان تظهر الفقاعة في حالة وجود سلع متبادلة مع ديون مثل: (ذهب ، فضة، زيوت….الخ)، و ( سندات حكومية اسهم، وشهادات عقارات، ومشتقات مالية ).
ويستخدم وصف الفقاعة لبعض الاقتصادات التي تشهد رواجاً كبيراً لفترات زمنية محدودة، دون أن تستند إلى قاعدة إنتاجية متينة قادرة على توليد الدخل المنتظم والاستمرار في الرفاهة والرواج على أسس دائمة ومتواصلة.
ويرتبط تاريخ نشؤ الفقاعة الاقتصادية، مع المضاربة على أسهم الشركات مثل شركة “بحر الجنوب” البريطانية في أوائل القرن الثامن عشر والتي كان عالم الرياضيات الشهير “اسحاق نيوتن” أحد أبرز ضحاياها، والذي أقر فيها بعجزه عن فهم الهوس البشري رغم فكه طلاسم تحرك النجوم والكواكب في مداراتها.
وللفقاعات الاقتصادية تاريخ أقدم من ذلك، وأشهرها ما سبق فقاعة شركة “بحر الجنوب” بحوالي قرن تقريباً، اذ حدثت مضاربة شرسة على أزهار التيوليب في هولندا اذ قفزت اسعارها لمستويات خالية. ومنها الفقاعات التي طالت أسواق الأسهم عام 1929 حسب مؤشر “داو جونز” الأمريكي وما أعقبه من كساد طال العالم كله
وفي العصر الحديث حدثت فقاعة “الدوت كوم” قبل اكثر من خمسة عشر عاما مع طفرة شركات التكنولوجيا والانترنت في سوق الأسهم الأمريكية، ولمعرفة حجم التأثير السلبي فإن شركة “ياهو” التي تمثل بوابة الانترنت الأمريكية الشهيرة بلغت قيمة سهمها 240 دولارا بداية عام 2000، وبعد مرور سنة واحدة هبط إلى 30 دولارا فقط.
ومنها أيضا انهيار وول ستريت في النصف الثاني من ثمانينيات القرن العشرين، وانهيار بنك “ليمان براذرز” وما أعقبه من هبوط حاد في عام 2008، اذ ان معظم البنوك والمؤسسات في الولايات المتحدة واوربا كانت تمتلك ما يعادل مليارات الدولارات من السندات المدعومة بقروض الرهن العقاري الخطرة، وفي الاسبوع الاول من كانون الثاني 2009 فقدت اثنتا عشرة مؤسسة مالية عالمية كبرى نصف قيمتها ، مما ادى الى الانكماش الاقتصادي وافلاس العديد من المنشآت الصناعية والتجارية التي حاولت البحث عن مساعدات مالية للخروج من ازمتها ، وايضا ما شهده سوق الأسهم السعودي من انهيار بعد تجاوز المؤشر الرئيس حاجز 20 ألف نقطة في فبراير/ شباط عام 2006.
ومن الخصائص المهمة للفقاعة ، انه من الصعب كشف الفقاعات في اثناء حدوثها بسبب الخلاف الدائر حول القيمة الاساسية للأصول، لذلك تُميز عادة بالنظر الى الماضي واستعادة الاحداث بعد انفجار الفقاعة، وفي معظم الحالات يعقب الفقاعة المتعلقة بسعر اصل ما انهيار كبير ومفاجئ في اسعار الاوراق المالية المتعلقة بها ،و يتوقف حجم الضرر للفقاعة على القطاع الاقتصادي المرتبطة به.
ويرى بعض الخبراء الاقتصاديين ان التضخم من الاسباب المهمة لحدوث هذه الفقاعات، وله دور بارز في الأمر سواء كان بشكل مباشر او غير مباشر، فالتضخم الذي شهدته أسعار الأسهم الأمريكية وكذلك المحلية السعودية في النصف الثاني من العقد الماضي يبرر التراجع الحاد الذي شهدته رغم الاختلاف الواضح في حدة الصعود التي سبقت الانهيار ومنهم من يرى أن هناك ما يسمى “قيمة أساسية” لأي أصل من الأصول، وأن الفقاعات تمثل الزيادة في القيمة الحالية فوق هذه القيمة الأساسية، وأن القيمة الحالية يجب أن تنخفض في نهاية الأمر إلى القيمة الأساسية.
نظرية ” مينسكي”
حدد ” مينسكي” اول الاقتصاديين الذين شرحوا اسباب عدم الاستقرار المالي وتفاعله مع الاقتصاد، خمس مراحل للفقاعة الاقتصادية ، على اساس دورة الائتمان النموذجية، ومع وجود تفسيرات متنوعة لهذه الدورة الا ان النمط العام لنشاط الفقاعة يبقى ثابتا، والمراحل هي:-.
• مرحلة النزوح : تظهر عندما يصبح المستثمرون متيمين بنموذج جديد، مثل بدعة التكنولوجية الجديدة، او انخفاض اسعار الفائدة الى ادنى مستوياتها التاريخية، و توجه مجمل الاستثمارات نحو نوع معين من الاسهم .
ومن امثلة مرحلة النزوح، قيام البنك الفدرالي بتخفيض معدل الفائدة الفدرالي من 6.5% في ايار عام 2000 الى 1% في حزيران 2003 ، مما ادى الى انخفاض سعر الفائدة على قرض الرهن العقاري ذي الفائدة الثابتة لمدة ثلاثين عاما ، خلال السنوات الثلاثة هذه بمقدار 2.5 نقطة مئوية ليصبح 5.21% مسجلا ادنى مستوى تاريخي له .
• مرحلة الازدهار: ترتفع الاسعار ببطء في البداية ، بعد مرحلة النزوح ويزداد الكسب بزيادة الداخلين في السوق شيئا فشيئا ، وخلال هذه المرحلة يجذب الاصل المعني تغطية اعلامية واسعة والخوف من تفويت فرص كبير مما يحفز كثيرا على المضاربة، وزيادة في اعداد المشاركين في هذا المجال .
• مرحلة النشوة : في هذه المرحلة لا يأخذ الحذر بعين الاعتبار حيث ترتفع اسعار الاصول بشكل هائل وتبدأ نظرية ” الاكثر غباء ” بالانتشار في كل مكان، وبحسب النظرية يمكن تحقيق ارباح بشراء اوراق مالية ، سواء كانت مقيمة بأعلى من قيمتها ام باقل بغض النظر عن جودتها ، لانه سيكون هناك دائما شخص اكثر غباء مستعد للشراء بسعر اعلى ، وهنا تصل قيمة الاصول الى حدودها القصوى.
• مرحلة تحصيل الارباح : يقوم اصحاب رؤوس الاموال المتمرسين في السوق والقادرين على قراءة اشارات التحذير ببيع الاصول التي بحوزتهم وتحصيل الارباح ، لكن تقدير وقت انفجار الفقاعة صعب جدا ، وينطوي على مجازفة كبيرة بالسلامة المالية ، اذ يقول الاقتصادي جون كينز تستطيع الاسواق ان تبقى غير عقلانية لفترة اطول من الفترة التي تستطيع البقاء سليمة من الناحية المالية .
• مرحلة الذعر: في هذه المرحلة تتحرك اسعار الاصول بطريقة عكسية وتهبط بالسرعة نفسها التي ارتفعت بها بينما ينهمك المستثمرون والمضاربون الذين يواجهون القيم المتهاوية لممتلكاتهم ، بتسييل ما يملكونه من اصول باي سعر يعرض عليهم ، ومن الامثلة على الذعر العالمي في الاسواق المالية ما حدث في تشرين الاول/ 2008، عندما هبط مؤشر الاسهم العالمية بما يعادل 22% من مجموعة قيمتها السوقية .
وللفقاعات الاقتصادية تأثير سلبي على الاقتصاد ، بسبب التوزيع غير الامثل للموارد، وما ينتج من الانهيار بعد الفقاعة الاقتصادية يمكن له أن يدمر ويبدد مقداراً كبيراً من الثروات، مما يؤدي الى السقم الاقتصادي مثلما حدث في الكساد العظيم عام 1930 في الولايات المتحدة الأمريكية، الذي ارتبط إلى حد كبير بفقاعات اقتصادية.
وللكساد نتائج سلبية شديدة الخطورة تتمثل في ارتفاع البطالة، و توقف الاستثمارات، واختفاء أرباح الشركات او تراجعها ، وهبوط معدل انفاق المستهلكين، فانفجار فقاعة الثمانينيات في اليابان ادى الى ركود اقتصادي طويل، ولكنه بما ان المضاربة كانت محدودة ومقيدة بشكل كبير، فان الضرر الناجم عن الفقاعة لم ينتشر كثيرا خارج حدودها ، اذ كان الاقتصاد الياباني محل انظار العالم حيث بلغ معدل النمو السنوي 3.89%، مقارنة بالولايات المتحدة الامريكية التي بلغ معدل نموها 3.07% ، غير انه واجه عدة مشاكل في بداية التسعينيات ، لينخفض معدل النمو السنوي الى 1.14% أي اقل بكثير من الامم الصناعية الاخرى ، وقد انفجرت فقاعتا حقوق الملكية والعقارات في اليابان في بداية خريف عام1989، مؤدية لانخفاض شديد في قيمة حقوق الملكية بمقدار 60% بين نهاية العام 1989 واب 1992 ، في الوقت نفسه انخفضت قيمة الاراضي اذ فقدت 70% من قيمتها بحلول عام 2001 .
ومن الانعكاسات السلبية ايضا للفقاعة الاقتصادية ، زيادة معدلات انفاق المستهلكين، لشراء سلع بأسعار مغالاً فيها، مثل سوق العقارات في إنجلترا وإسبانيا، وبعض أجزاء من الولايات المتحدة الأمريكية، إذ ينفق المستهلكون هناك المزيد من الأموال لأنهم يشعرون أنهم أغنى مادياً.
وتحدث المضاربة هنا فقط لتوقع او تكهن المستثمرين المتداولين إزاء هذا السهم بالارتفاع مما يدفعهم للشراء من اجل الحصول على حصة اكبر من الأرباح.
ولهذا يبدأ حجم الشراء في الازدياد بشكل مبالغ فيه ، بغض النظر عن القيمة الجوهرية للسهم، ويكون من يشارك في شراء السهم على اقتناع بأنها فكرة جيدة او يسعى لتقاسم الأرباح المحتملة، ومع ذلك لا تكتمل الفقاعة الى ان يعود السعر الى وضعه الطبيعي، ولذلك عادة ما يلي هذا الارتفاع الكبير هبوط حاد يضمن عودة الامور لوضعها الطبيعي.
وففي عشرينيات القرن الماضي ، تم اختراع الطائرات، السيارات، الراديو والكهرباء، وفي التسعينيات، عرف العالم الاتصال بالإنترنت والاتصالات واسعة النطاق، اذ “تفجرت” هذه الفقاعات، وخسر الآلاف من المستثمرين رأسمالهم، كون الفقاعة لا تغطي سوقا ضخمة وتقتصر على مجال او حدث معين ويمكن أن تكون على المدى القصير، وتؤدي الى خسارة الكثير من المستثمرين أموالا طائلة عندما يتغير اتجاه السوق بشكل مفاجئ.
وفي السنوات الأخيرة، زاد ظهور “الفقاعات الاقتصادية” وتفاقمها في الكثير من البلدان العربيــة، بسبب الميل نحو المضاربة في أسواق الأراضي والعقارات وبورصات الأوراق المالية.
ومنها ما يسمى “الأرباح القدرية” “Windfall Profits”، وهي الأرباح التي يتم جنيها من دون جهد مبذول أو إنتاج فعلي ملموس. وترتبط بذلك دورات انفاق إضافية تؤدي إلى حدوث المزيد من الرواج الاستهلاكي الترفي، الأمر الذي يغذي دورة جديدة من الانفاق تسهم في ازدهار اقتصاد الفقاعات، مما ينتج عنه تضخم في أسعار بعــض الأصول الاقتصادية نتيجة المضاربات المحمومة والتي تؤدي بدورها لحدوث طفرات متوالية في أسعار الأسهم والأراضي والعقارات، من دون أداء اقتصادي حقيقي.
ويرى الاقتصاديون أن “الفقاعة” تمثل تجاوزا في القيمة الأساسية، وأن القيمة الراهنة لا تعبر تماما عما يمكن دفعه مقابل اقتنائه نظرا للمبالغة في التسعير بسبب المضاربة المحمومة، ومن ثم فإن القيمة الحالية سوف تتراجع مرة أخرى إلى نقطة التوازن اي القيمة الأساسية حيث لا جدوى استثمارية من دفع أموال طائلة في أصل لا يستحقها.
ويرون ايضا ان العلاقة بين الفقاعة وانهيار الأسهم متلازمة ، فعلى مدار المتابعة التاريخية لسوق الأسهم يلاحظ أنها ولدت من رحم الفقاعات، وكلما كانت “الفقاعة”، كبيرة كان “الانهيار” اكبر.
وهناك بعض الدلائل التي أقنعت الاقتصاديين بوجود “كفاءة” في تحرك الأصول، لكن ليس بالشكل المثالي دائما، حيث يقتنع المضاربون بتحقيق مكاسب صغيرة تجنباً لأي “فقاعات” غير عقلانية ستجرف الأسواق معها، لكن في النهاية يحدث التجاوز ثم تظهر الفقاعات.
وفي سوق الأسهم ليس من الصعب توقع حدوث فقاعة في سهم ما، عندما تغيب الشفافية في الافصاحات ولا تحقق الشركة أرباحاً ورغم ذلك يتسارع صعود سهمها لمجرد تداول اشاعات عن استثمارات أو توسعات.
ونصل الى نتيجة ان جني أرباح فجائية استثنائية وخيالية لا تستند لتشغيل فعلي لرؤوس الأموال من خلال الدورة الاقتصادية لفئة محدودة أحد أهم سلبيات “الفقاعة”، وذلك نتيجة ارتفاع جنوني لسعر السلعة أو الأصل.
ذلك لأن هذه الأرباح تسهم في اذكاء فقاعات جديدة عن طريق ضخها في أصول أخرى دون انتاج حقيقي داخل بنيان الاقتصاد بغية تعظيم الربح الذي ينهاك الاقتصاد.
شذى خليل
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية