أعلنت القوات العراقية، أمس، فرض كامل سيطرتها على راوة، آخر البلدات التي كانت خاضعة لتنظيم داعش في البلاد، غرباً بمحاذاة الحدود مع سوريا، حيث يتعرض المتطرفون لهجوم في آخر أكبر معاقلهم.
وتعتبر راوة الواقعة في محافظة الأنبار الغربية آخر منطقة كانت توجد فيها هيكلية حاكمة وعسكرية وإدارية للتنظيم المتطرف، لكن لا تزال هناك جيوب أخرى فر إليها عناصر التنظيم في المناطق المجاورة، حسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية. وبذلك، يكون قد تقلص وجود التنظيم المتطرف الذي احتل في عام 2014 بعد هجوم واسع ما يقارب ثلث مساحة العراق، ونحو نصف مساحة سوريا المجاورة، وأعلن «الخلافة» منهما، إلى أقل من 5 في المائة من تلك المساحة، بحسب التحالف الدولي ضد «داعش».
وبخسارة راوة، يكون التنظيم قد خسر موطئ قدمه الثابت الأخير، لكنه يبقى قادراً على شن هجمات على طريقة حرب العصابات من المناطق التي انكفأ إليها، كما كان الأمر عليه قبل عام 2013، وفق ما يقوله خبراء. وقد شرعت القوات العراقية في عمليات تطهير المناطق الصحراوية على طول الحدود مع سوريا لدحر آخر المتطرفين.
وقال المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة، العميد يحيى رسول: «عسكرياً، انتهى التنظيم، لكننا سنستمر في ملاحقة ما تبقى من الفلول، وننهي وجودهم». وقبل أسبوعين تماماً، استعادت القوات العراقية مدينة القائم المجاورة، قلب المعقل الصحراوي لتنظيم داعش، من دون مقاومة تذكر تقريباً.
ويؤكد مسؤولون عسكريون ومحليون، لوكالة الصحافة الفرنسية، أن عناصر التنظيم المتطرف يفرون عموماً إلى سوريا قبيل وصول القوات العراقية التي أعلنت هذه المرة عن وصولها من الجهة المقابلة من نهر الفرات، من خلال دعوة السكان عبر مكبرات الصوت إلى رفع الأعلام البيضاء، ودعوة المتطرفين عبر موجات الراديو إلى الاستسلام. وأعلنت قيادة العمليات المشتركة العراقية، صباح أمس، في بيان، عن «انطلاق عمليات تحرير راوة» فجراً.
وبعد أقل من 3 ساعات، أصدرت بياناً ثانياً أشارت فيه إلى أن القوات العراقية «حررت قضاء راوة بالكامل، ورفعت العلم العراقي فوق مبانيه»، على بعد 350 كيلومتراً غرب بغداد. وقال قائد الفرقة السابعة في الجيش، اللواء الركن نومان عبد الزوبعي، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن القوات «تقوم بعمليات تطهير المدينة من تنظيم داعش الإرهابي، ورفع المخلفات الحربية من الألغام والعبوات الناسفة».
وعلى الجانب الآخر من الحدود، تقع مدينة البوكمال، التي تشكل آخر معقل مهم لتنظيم داعش في سوريا، في محافظة دير الزور الغنية بالنفط.
وكان الجيش السوري قد أعلن استعادة كامل المدينة الأسبوع الماضي، إلا أن التنظيم المتطرف شن هجوماً مضاداً، واستعاد السيطرة على نحو نصف مساحتها.
ويسيطر «داعش» على ما يقارب 25 في المائة من محافظة دير الزور السورية، إضافة إلى بعض الجيوب في محافظة حماة (وسط)، ودمشق، وفي جنوب البلاد. وتسعى القوات العراقية والسورية على جانبي الحدود إلى تضييق الخناق على تنظيم داعش، في آخر مربع له في وادي الفرات الصحراوي الذي يمتد من دير الزور إلى راوة.
لكن ذلك لا يعني القضاء على القدرة العملانية لتنظيم داعش، وثنيه عن القيام بعمليات خاطفة ودامية، كما كان عليه الأمر في أعوام ما قبل الـ2013. ويقول المحلل الأمني هشام الهاشمي، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «ما يتم تحريره هو فقط الوحدات الإدارية المأهولة بالسكان»، وأضاف أنه بعد استعادة راوة «تبقى الوديان والجزر والصحارى والبوادي التي تشكل 4 في المائة من مساحة العراق، ولا تزال تحت سلطة (داعش)».
وأمام التقدم السريع للقوات العراقية في المناطق الصحراوية ذات الجغرافية الصعبة، تُسجل انسحابات في صفوف عناصر التنظيم المتطرف.
وكان المتحدث باسم التحالف الدولي، الكولونيل راين ديلون، قد أكد لوكالة الصحافة الفرنسية أن «قيادات (داعش) تترك أتباعها للموت، أو للقبض عليهم في تلك المناطق»، لكنه أشار في الوقت نفسه إلى أن العناصر الذين يتمكنون من الهروب «يختبئون في صحراء» وادي الفرات الأوسط، التي كانت على مدى سنوات خلت معبراً للتهريب ودخول المقاتلين المتطرفين.
وفي هذا السياق، ومن تلك المناطق الصحراوية أو الجيوب الخارجة عن سيطرة القوات العراقية «سيسعى الدواعش إلى شن هجمات لزعزعة استقرار السلطات المحلية، ومواصلة العمليات الخارجية والإعلامية، سواء من خلال التخطيط لها أو إلهام مهاجمين في الخارج، للحفاظ على غطاء من الشرعية»، وفق ما أكده ديلون. ويرى الباحث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس، كريم بيطار، أن القوات العراقية أتمت مهمة صعبة، معتبراً أن «وهم الخلافة، الذي كان قادراً على محو الحدود التي فرضها اتفاق سايكس – بيكو، أوشك على نهايته».
إلى ذلك, أعلن بريت ماكغورك، المبعوث الرئاسي الأميركي الخاص للتحالف العالمي لمواجهة «داعش»، عن استعادة 95% من المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش في العراق وسوريا، وذلك بعد حرب بين قوات التحالف العالمية والتنظيم الإرهابي استمرت 3 أعوام متتالية، مشيراً إلى تحرير أكثر من 7 ملايين ونصف المليون شخص من سيطرة «داعش».
وأكد ماكغورك في مؤتمر صحافي، أول من أمس، في الأردن، أن القوات العراقية العسكرية أبلت بلاءً حسناً في الميدان في أثناء مواجهة «داعش» في عدة معارك منها الموصل والفلوجة وغيرها، مؤملاً أن يرى العراق متحداً وديمقراطياً قادراً على ممارسة مصالحه الخاصة، ومقاومة التأثيرات الإيرانية التي وصفها بـ«الشريرة»، ويتم دمج العراق في المنطقة العربية على المستوى الإقليمي.
وبيّن أن القوات الأميركية درّبت 120 ألف فرد من أفراد قوات الأمن العراقية، تخضع جميعها تحت سلطة الحكومة العراقية، مطالباً رئيس الوزراء حيدر العبادي، بالتفاهم مع الميليشيات والفصائل المسلحة الأخرى خارج سلطته. وأضاف: «قبل أكثر من 3 سنوات، كان تنظيم داعش يتمدد ويكبر بسرعة لم يشهد العالم مثلها من قبل، إذ تدفق نحو 40 ألف مقاتل أجنبي من أكثر من 100 دولة إلى سوريا ثم العراق، وتسلل التنظيم المتطرف إلى مدن بأكملها، من الرقة في صيف عام 2013، إلى الفلوجة في يناير (كانون الثاني) 2014، ثم الموصل وتكريت والرمادي حتى اقترب من مشارف بغداد، وكان يدير تحت سلطته ملايين الناس، ويمتلك إيرادات كبيرة من خلال النفط والغاز والضرائب والآثار والتجارة وأخذ الرهائن، تدر عليه أكثر من مليار دولار سنوياً».
ولفت ماكغورك إلى أن التحالف الدولي لمحاربة «داعش» والتنظيمات الإرهابية الأخرى يضم 70 بلداً و4 منظمات دولية هي: حلف شمال الأطلسي، وجامعة الدول العربية، والاتحاد الأوروبي، والإنتربول، مفيداً بأن خطة التحالف اعتمدت في حملتها العسكرية على القوات المحلية للقيام بالقتال، ودمج الجهود العسكرية مع المساعدة الإنسانية الفورية وتحقيق الاستقرار في المناطق المحررة، وبناء شبكة عالمية لمكافحة مقاتلي «داعش» الأجانب، والتمويل، والدعاية.
وأشار إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب وضع هدف القضاء على «داعش» في أول اهتماماته عندما تم تعيينه في منصبه، مشيراً إلى أن الاستراتيجية التي تم وضعها وأشرف عليها وزير الدفاع الأميركي ماتيس كانت ذات كفاءة وفعالية من أي وقت مضى «إذ تم تحرير أكثر من 95% من الأراضي التي كانت يسيطر عليها (داعش) في العراق وسوريا». وقال إن «أكثر من ثلث هذه المكاسب جاءت في الأشهر الثمانية الأخيرة، عازياً ذلك إلى توجيهات الرئيس ترمب الذي أمر بتسريع وتيرة الحملة في وقت سابق من هذا العام».
وأضاف: «لم يسترد (داعش) متراً واحداً من المناطق المحررة، وقد تم تحرير أكثر من 7.5 مليون شخص من سلطة (داعش)، وعودة 2.6 مليون عراقي إلى ديارهم تقريباً جميعهم من العرب السُّنة الذين نزحوا هرباً من بطش التنظيم المتطرف، وبدأنا نرى خط اتجاه مماثل في سوريا… ويعد تحرير الرقة والموصل معلماً بارزاً، بيد أن (داعش) لا يزال عدواً مصمماً على القتال ولم يُهزم بعد».
وأشار إلى أن التحالف سعى ضمن عملياته إلى إعادة إعمار المناطق المحررة من «داعش»، بجمع نحو اثنين مليار دولار من كل دول أعضاء التحالف، وتم إنجاز خطة تركز على الأولويات العاجلة مثل الإغاثة الإنسانية، وإزالة الألغام، والخدمات الأساسية (الكهرباء والمياه والصحة)، والعمل من خلال «شركاء محليين» من أجل تيسير العودة الآمنة والطوعية للأشخاص إلى ديارهم في أعقاب «داعش».
وقال المبعوث الرئاسي الأميركي الخاص للتحالف العالمي لمواجهة «داعش»، إنه يجري حالياً في الموصل تنفيذ ما يزيد على 340 مشروعاً لتحقيق الاستقرارن تتجاوز قيمتها الإجمالية 200 مليون دولار. وفي شرق الموصل اليوم، عاد جميع النازحين تقريباً خلال العمليات العسكرية، كما عاد أكثر من 350 ألف طفل إلى مدارسهم، مضيفاً: «أما غرب الموصل فهو أكثر صعوبة، إذ إن معظمه دمِّر بالكامل مثل البلدة القديمة بسبب العمليات العسكرية هناك، والعمليات الانتحارية من قوات (داعش)، إذ لا يزال أكثر من 70 ألفاً من الشعب العراقي نازحاً هناك».
وبشأن محافظة الأنبار، وهي واحدة من أقدم المحافظات التي سقطت في يد «داعش» في عام 2014، بيَّن ماكغورك أن أكثر من مليون عراقي عادوا إلى ديارهم، بما في ذلك جميع سكان الرمادي والفلوجة تقريباً، إضافة إلى جميع سكان تكريت في محافظة صلاح الدين، وعادت الحياة إلى حد كبير إلى طبيعتها مع فتح الجامعة ورجوع الأطفال للمدارس.
وقال إن الوضع في سوريا أكثر صعوبة، «إذ ليس لدى التحالف حكومة للعمل معها، ولن نعمل مع نظام الأسد أو نؤيد إعادة الإعمار في المناطق التي يسيطر عليها حتى تكون هناك عملية سياسية ذات مصداقية يمكن أن تؤدي إلى حكومة يختارها الشعب السوري ليس على رأسها الأسد»، ولا تزال سوريا حالة معقدة للغاية.
الشرق الاوسط