ليست أرطال الكذب المهولة التي جهر بها مثقفون عرب، ظهيرة أمس في قاعة أمية في فندق الشام في دمشق، فضيحةً. ولا تعني انكشاف العار الذي جلّل هؤلاء أنفسهم به، وهم يقولون ما يقولون، وإنما هي تؤكد مجدّدا المؤكّد والمعلوم، وموجزُه أن المثقف، عموما، أقدر من غيره، على إشهار خيانته وترويجها، وتظليلها أيضا بما تحتاجه من تأثيثٍ بدعاوى إنسانية ووطنية وعروبية، باستخدام فلسطين وغيرها.
ولكن، قبل أي كلامٍ في شأن المتحدّث عنهم أعلاه، يجوز للنظام الحاكم في سورية، بالبراميل المتفجرة وغاز السارين واستقدام الأجنبي، أن يزهو بإنجازه الجديد، إتيانه بمثقفين، مشتغلين بالأدب خصوصا، من 15 دولة، يتقدّمهم ذوو مواقع في تشكيلاتٍ أهليةٍ منتخبون لقيادتها، إتيانهم إلى حضرته، إلى حيث ينام ويقعد، على مقربةٍ من الذين يقتلهم، ليس بالرصاص والقذائف وتبادل الأدوار مع الإرهابيين فقط، وإنما أيضا بالتجويع والحصار والتمويت. نجح هذا النظام في استقدام هؤلاء المثقفين إليه، عندما أقرّت اتحادات وروابط كتاب وأدباء عربية، في جمع لها في أبوظبي، قبل أزيد من عام، أن يُستضاف لهم في دمشق جمعٌ لممثلين عن تشكيلاتهم، ثم لم يتيسر هذا الأمر، “لأسبابٍ أمنية”، على ما أذاعوا، فتيسّر شملهم في دبي بديلةً، ثم ها هم يفعلونها، ويتقاطرون إلى النظام الذي يحبّون (باستثناء اتحاد كتّاب المغرب)، وفي أوهامهم أنهم ينصرون سورية وشعبها، ضد إسرائيل وأميركا والرجعيات العربية، فبدأ اجتماع “المكتب الدائم للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب” أمس هناك، مصحوبا بمؤتمر عن “ثقافة التنوير”، ومهرجان شعري، وندوة (طارئة!) عن القدس.
من حصاد كذبٍ كثير، سُمع في جلسة افتتاح هذا كله أمس، قول الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، الشاعر حبيب الصايغ، إن الاجتماع في دمشق “رسالة تضامن مع المثقف والكاتب السوري”. وكان في وسع الرجل أن يخيّط في مسلةٍ أخرى، بدل هذه الفرية، فالمثقف والكاتب السوري كان خارج قاعة أمية في فندق الشام، لا لشيءٍ إلا لأنه إمّا يلزم بيته، صابرا صامدا في داخل بلده، أو أن الاستبداد المقيت دفعه إلى المنفى. كيف لشاعرٍ أن يرتضي لنفسه هذه المنزلة من الكذب الصريح؟ أيُّ مثقفٍ سوريٍّ هذا الذي يرضى أن يتضامن معه مطبّلون للإيراني والروسي، وللنظام الأسدي، وثلاثتهم يحتلون البلد؟ أما الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب الفلسطينيين، مراد السوداني، فقد واصل، في الافتتاح نفسه، استخدام فلسطين في تنظيف النظام الذي يستضيفه. رمانا، وهو في طريقه إلى فندق الشام، نحن الذين لا نجيز له النطق باسم فلسطين، بأننا صمتنا عن اعتداء إسرائيل، قبل أيام، على سورية، في تشاطرٍ، يحاول فيه جرّنا إلى المطرح الإسرائيلي، وكأننا منعنا النظام الجبان أن يصدّ هذا العدوان. قال المذكور أمس إن دمشق “تجمع الأدباء والمثقفين العرب، لتضيء بما يليق بسيرتها وإرثها المجيدين”. .. أخطأت كثيرا، لا تجمع دمشق، في هذه الأيام، إلا مثقفين من صنف الذين تخلوا عن الحس الأخلاقي والإنساني تجاه ضحايا نظام لم يعرف يوما القتال ضد العدو، فيما احترف قتلا غزيرا في السوريين واللبنانيين، وفي الفلسطينيين الذين ينتسب مراد السوداني إليهم.
أما رئيس اتحاد الكتاب العرب في سورية، نضال الصالح، وهو الداعي المُضيف، فيجدر أن يعرف أن الخصومة معه ليست في قوله إن دمشق مهوى أفئدة العرب، فدمشق كانت دائما وستظل أبدا كذلك، وإنما في أن التضامن مع محنتها الراهنة هو في رفض الابتذال الذي يصنعه هؤلاء المجتمعون فيها، عندما يباركون للقاتل شجاعته، بزعم أنه يحارب الإرهاب والإرهابيين. وعندما يقول الصالح، أمام ضيوفه أمس، إن دمشق تدافع عن العرب جميعا ضد إرادات الشر، فإنه يمارس دعايةً من النوع المتهافت، ليس من رجاحة العقل أن يُنفق واحدُنا شيئا من وقته في مجادلتها..
بإيجاز: إياكم، أنتم الذين في حضرة القاتل الآن في دمشق، أن تتوهموا أنكم تنطقون باسم الشعوب العربية ومثقفيها النظيفين. لتكذبوا فيما بينكم كما تشاءون، ثرثروا عن التنوير إياه، كما تريدون. اغتبطوا بفرحة الأسد بكم، هذه هي الثقافة التي تريدون، أما نحن ففي ضفّةِ سوريةٍ أخرى، حرّةٍ، نظيفةٍ من أمثالكم.
من حصاد كذبٍ كثير، سُمع في جلسة افتتاح هذا كله أمس، قول الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، الشاعر حبيب الصايغ، إن الاجتماع في دمشق “رسالة تضامن مع المثقف والكاتب السوري”. وكان في وسع الرجل أن يخيّط في مسلةٍ أخرى، بدل هذه الفرية، فالمثقف والكاتب السوري كان خارج قاعة أمية في فندق الشام، لا لشيءٍ إلا لأنه إمّا يلزم بيته، صابرا صامدا في داخل بلده، أو أن الاستبداد المقيت دفعه إلى المنفى. كيف لشاعرٍ أن يرتضي لنفسه هذه المنزلة من الكذب الصريح؟ أيُّ مثقفٍ سوريٍّ هذا الذي يرضى أن يتضامن معه مطبّلون للإيراني والروسي، وللنظام الأسدي، وثلاثتهم يحتلون البلد؟ أما الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب الفلسطينيين، مراد السوداني، فقد واصل، في الافتتاح نفسه، استخدام فلسطين في تنظيف النظام الذي يستضيفه. رمانا، وهو في طريقه إلى فندق الشام، نحن الذين لا نجيز له النطق باسم فلسطين، بأننا صمتنا عن اعتداء إسرائيل، قبل أيام، على سورية، في تشاطرٍ، يحاول فيه جرّنا إلى المطرح الإسرائيلي، وكأننا منعنا النظام الجبان أن يصدّ هذا العدوان. قال المذكور أمس إن دمشق “تجمع الأدباء والمثقفين العرب، لتضيء بما يليق بسيرتها وإرثها المجيدين”. .. أخطأت كثيرا، لا تجمع دمشق، في هذه الأيام، إلا مثقفين من صنف الذين تخلوا عن الحس الأخلاقي والإنساني تجاه ضحايا نظام لم يعرف يوما القتال ضد العدو، فيما احترف قتلا غزيرا في السوريين واللبنانيين، وفي الفلسطينيين الذين ينتسب مراد السوداني إليهم.
أما رئيس اتحاد الكتاب العرب في سورية، نضال الصالح، وهو الداعي المُضيف، فيجدر أن يعرف أن الخصومة معه ليست في قوله إن دمشق مهوى أفئدة العرب، فدمشق كانت دائما وستظل أبدا كذلك، وإنما في أن التضامن مع محنتها الراهنة هو في رفض الابتذال الذي يصنعه هؤلاء المجتمعون فيها، عندما يباركون للقاتل شجاعته، بزعم أنه يحارب الإرهاب والإرهابيين. وعندما يقول الصالح، أمام ضيوفه أمس، إن دمشق تدافع عن العرب جميعا ضد إرادات الشر، فإنه يمارس دعايةً من النوع المتهافت، ليس من رجاحة العقل أن يُنفق واحدُنا شيئا من وقته في مجادلتها..
بإيجاز: إياكم، أنتم الذين في حضرة القاتل الآن في دمشق، أن تتوهموا أنكم تنطقون باسم الشعوب العربية ومثقفيها النظيفين. لتكذبوا فيما بينكم كما تشاءون، ثرثروا عن التنوير إياه، كما تريدون. اغتبطوا بفرحة الأسد بكم، هذه هي الثقافة التي تريدون، أما نحن ففي ضفّةِ سوريةٍ أخرى، حرّةٍ، نظيفةٍ من أمثالكم.
معن البياري
صحيفة العربي الجديد