بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في 14 فبراير 2005، شهد لبنان ثورة سياسية وشعبية عصفت بالوجود السوري في لبنان، وانتهت يوم السادس والعشرين من شهر أبريل من نفس السنة بخروج الجيش السوري في نقطة مفصلية لم يرتح لبنان من تداعياتها إلى اليوم، ومازال يعاني من التدخل السوري ومن سيطرة إيرانية على قراراته عن طريق حزب الله ضمن مشهد سياسي فوضوي ويعاني من حالة استعصاء مزمنة.
اعتقد لبنان أنه على طريق استعادة سيادته واستقلاليته، لكن، بعد ثلاث عشرة سنة من اغتيال الرئيس الحريري، والذي أعقبته سلسلة خطيرة من التفجيرات والاغتيالات من بينها عملية اغتيال رئيس فرع المعلومات لقوى الأمن الداخلي اللبناني اللواء وسام الحسن، وجد اللبنانيون أنفسهم غارقين وسط أزمة سورية أجبرهم حزب الله على أن يكونوا طرفا فيها بتدخله بكل عتاده العسكري والمادي والبشري لدعم النظام السوري.
وفي مناسبات كثيرة أشار أمين عام الحزب حسن نصرالله إلى أن “مصلحة لبنان تتطلب وجود علاقات وثيقة مع النظام السوري“. وزعم أن “حزب الله هو الضامن لعدم عودة الوصاية السورية إلى لبنان“.
أصاب أمين حزب الله إلى حد كبير في حديثه عن عدم عودة الوصاية السورية إلى لبنان، لكن كلامه عن دور الحزب في ذلك يصبح ضربا من السفسطة بمقارنته مع الواقع. وفي المقابل يؤيد نوار الصمد الباحث المتخصص في العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية، حديث نصرالله المتعلق باستحالة عودة التدخل السوري في لبنان، كما كان في السابق، لكنه يختلف معه في من سيمنع ذلك.
يشير نوار الصمد في دراسة نشرها مؤخرا مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، إلى أن النفوذ السوري في لبنان يواجه عدة عوائق تعرقل الاختراق السوري للداخل اللبناني، يتمثل أهمها في: الممانعة المحلية ورفض التيارات الرئيسية للدور السوري في لبنان وتصدي الفاعلين الإقليميين والدوليين لمساعي النظام السوري لمنع إيران من الهيمنة على لبنان.
ويرغب النظام السوري في إنهاء عزلته الإقليمية وإيجاد حلفاء له يعبرون عن مصالحه ويصوتون لصالحه في المحافل الإقليمية والدولية كجامعة الدول العربية والأمم المتحدة. وفي هذا الإطار، يمكن الإشارة إلى الدعوة التي تلقاها لبنان لحضور مؤتمر سوتشي، والتي سلمها السفير الروسي في لبنان إلى وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل في 25 يناير 2018، وهو ما يكشف عن حاجة النظام السوري إلى موقف لبناني رسمي مساند في مثل هذه اللقاءات.
القانون الانتخابي الذي ستجرى على أساسه الانتخابات والذي يقوم على النسبية يعد مناسبا لحزب الله
وفي حالة تمكن النظام السوري من استعادة سيطرته على الداخل اللبناني، فإنه يستطيع السيطرة أيضًا على بعض الملفات التي يعد لبنان طرفا فيها، مثل: اللاجئين السوريين، وإعادة الإعمار في سوريا. وفي هذا الإطار، يرى البعض في لبنان ضرورة التنسيق مع النظام السوري لحل هذه الإشكاليات، ويعني التفاوض مع النظام السوري الاعتراف بشرعية النظام، فيما يرى البعض الآخر ضرورة أن يتم التنسيق عبر الأمم المتحدة.
لكن، يوجد عدد من المعوقات التي تحول دون تحقيق ذلك، ويلخصها نوار الصمد في نقطتين رئيسيتين:
– غياب الدعم الدولي: حيث ارتبط الوجود السوري سابقا في لبنان بالضوء الأخضر الذي حصلت عليه سوريا من الولايات المتحدة من خلال اتفاق “الخطوط الحمر” الذي أبرمه الرئيس السوري السابق حافظ الأسد مع وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر في منتصف السبعينات، والذي كان يسمح لسوريا بزيادة نفوذها في لبنان خاصة بهدف أن تصبح قوة رادعة أمام تزايد النفوذ الفلسطيني السياسي والعسكري في لبنان، والرغبة في أن تلعب دورا موازنا بين الأطراف الداخلية المتحاربة في لبنان، وهو ما لا ينطبق على الفترة الحالية، حيث أن أغلب الأطراف الدولية، بما فيها تلك الداعمة للنظام السوري، ليست لها مصلحة في تقوية النفوذ السوري في لبنان.
– معارضة الداخل اللبناني: تُعارض بعض القوى السياسية هذا الدور السوري، وقد تمكنت هذه القوى من تحقيق الفوز في آخر انتخابات أُجريت في عامي 2005 و2009، بعد أن رفعت شعارات تناهض الوجود السوري، وهو الموقف الذي يتبناه تيار 14 آذار الذي لا يزال قادرا على التوحّد عندما يتعلق الأمر بالوجود السوري في لبنان، وهو ما عبّر عنه رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في أكتوبر 2017، حيث قال “إن اللبنانيين لن يسمحوا بعودة النفوذ السوري إلى لبنان، وإن دعوات الحديث إلى رئيس النظام السوري بشار الأسد من أجل حل مشكلة النازحين إلى لبنان غير مجدية.. عودة نظام الأسد إلى لبنان خط أحمر”.
ولم يؤد انشغال النظام السوري بالصراع الداخلي إلى تراجع نفوذه بالداخل اللبناني، بل بالعكس كلما تعمقت أزمة الداخل احتاج النظام في دمشق إلى المتنفس اللبناني، الأمر الذي يعقد العملية السياسية في لبنان.
ومن بين القراءات التي يقدمها الباحث اللبناني لمستقبل النفوذ السوري في لبنان، أن يحاول حلفاء سوريا وإيران في الداخل اللبناني دفع البلاد نحو إعادة تطبيع علاقاتها مع النظام السوري تحت حجة تأمين مصلحة لبنان الاقتصادية من زيادة الكهرباء المولدة من سوريا وتأمين حركة البضائع اللبنانية المصدرة والتخلص من عبء النزوح السوري.
أما السيناريو الأخطر فهو اختراق سوري للبنان عبر البرلمان، وذلك من خلال حصول حزب الله وحلفاء سوريا على الأغلبية البرلمانية. والخطر هنا أن القانون الانتخابي الذي ستُجرَى على أساسه الانتخابات والذي يقوم على النسبية مع الصوت التفضيلي يُعد مناسبا لحزب الله، حيث أنه سيستفيد من نتائج النسبية في الدوائر التي يتمتع فيها خصومه بالقوة، فيما سيستحوذ على أغلب المقاعد في الدوائر الانتخابية التي يتمتع فيها بالنفوذ بسبب استخدامه أسلوب الترهيب والتخويف بالسلاح.
صحيفة العرب اللندنية