باريس – أكدت مصادر فرنسية مطلعة أن المواقف التي أطلقها وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان ضد تركيا وإيران ودمشق بشأن الصراع في سوريا تعكس عزما فرنسيا- أوروبيا على التموضع داخل الورش الدولية والإقليمية الناشطة داخل سوريا، وفرض وجهة نظر أوروبية لطالما كانت غائبة عن ميدان الفعل في هذا البلد.
وقال لودريان، الأربعاء، إنه يجب على كل الجماعات المسلحة التي تدعمها إيران بما فيها جماعة حزب الله أن تغادر سوريا.
وردا على سؤال في مقابلة مع تلفزيون “بي.إف.إم” عما إذا كان يريد انسحاب القوات المسلحة التركية من سوريا، قال إنه يريد “انسحاب كل من لا ينبغي لهم أن يكونوا موجودين في سوريا، ومنهم (مقاتلو) الجماعات الإيرانية بما في ذلك حزب الله”.
ولم يدع بشكل مباشر تركيا إلى وقف هجومها على قوات كردية في شمال سوريا، لكنه قال إنه يتعين على أنقرة ألا تفاقم الصراع.
وتكشف مصادر قريبة من وزارة الخارجية الفرنسية أن مواقف باريس التي أعلنها لودريان تأتي ضمن طموح فرنسي بدأ منذ صعود إيمانويل ماكرون لسدة الرئاسة في بلاده، ويسعى لإنعاش السياسة الخارجية الفرنسية، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط، على نحو متميّز عن الولايات المتحدة وروسيا.
وقال وزير الخارجية الفرنسي إن تركيا وإيران تنتهكان القانون الدولي بما تتخذانه من إجراءات في سوريا، وحذر من أنه يجب ألا تضيف أنقرة “حربا لحرب”.
وأضاف أن “ضمان أمن حدودها لا يعني قتل المدنيين وهذا أمر تجب إدانته. في وضع خطير في سوريا يجب ألا تضيف (تركيا) حربا لحرب”.
وتشعر تركيا بأن هجومها على عفرين يضعها في وضع صعب ويعطي مبررات إضافية للدول المعارضة لتدخلها العسكري في سوريا.
وبدأ وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو زيارة لطهران، حيث يجري مباحثات مع الرئيس الإيراني حسن روحاني، وكذلك نظيره الإيراني جواد ظريف.
وتسعى أنقرة إلى الاقتراب أكثر من موقف موسكو عبر تسهيل التحقيقات التي تجريها بشأن ملابسات إسقاط طائرة روسية منذ أيام في إدلب.
ويعتبر خبراء في شؤون السياسة الفرنسية أن مواقف باريس لا تتأسس على منطق المواجهة والقطيعة، بل على فلسفة “التواصل مع كافة الأطراف”، وفق ما يردد ماكرون.
ويضيف هؤلاء أن الرئيس الفرنسي على تواصل مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي زار باريس في 5 يناير الماضي، كما يجري التحضير لزيارة رسمية من المقرر أن يقوم بها ماكرون خلال الأشهر المقبلة إلى طهران.
ويبقي الإليزيه على تواصل وتنسيق دائمين مع الكرملين في موسكو، إضافة إلى علاقة متينة تجمع ماكرون بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، على نحو يجعل من الدبلوماسية الفرنسية تنطلق في مقارباتها من الثوابت التي أعلنها لودريان بشأن سوريا.
واعتبر وزير الخارجية الفرنسي أن القانون الدولي “تنتهكه تركيا والنظام في دمشق وإيران ومن يهاجمون الغوطة الشرقية وإدلب”.
وأعلن لودريان أن “كل الدلائل تشير اليوم إلى استخدام الكلور من قبل النظام في الوقت الحاضر في سوريا”. وأضاف “أتحدث بحذر لأنه طالما أن الأمر لم يوثق بالكامل، يجب التزام الحذر”.
ويسير ماكرون على سياسة “الخط الأحمر” تجاه الأسلحة الكيميائية في سوريا، وهي سياسة حدد ملامحها فور وصوله إلى السلطة في مايو 2017، عندما توعد “برد انتقامي وفوري” من قبل فرنسا في حال وقع استخدام أسلحة كيميائية.
ويقول مراقبون للشؤون السورية إن الموقف الفرنسي يعبر بشكل واضح عن الرؤى الغربية عامة، والأوروبية خاصة، إذ أن هذه الدول ستكون معنية بضخ الأموال لإعادة إعمار سوريا، وهو ما يؤهلها لفرض شروطها، لا سيما تجاه وجود عملية انتقال سياسي جدية في سوريا، وانسحاب كافة القوات الأجنبية من البلاد.
تصريحات وزير الخارجية الفرنسي حيال تركيا تعبر عن خلاف بين باريس وأنقرة لم تستطع زيارة أردوغان لباريس الشهر الماضي تبديده
وذكر وزير الخارجية الفرنسي بأن حوالي ثلاثين دولة تبنت للتو بمبادرة من فرنسا، إجراءات لكشف ومعاقبة المسؤولين عن الهجمات الكيميائية في سوريا.
لكنه في المقابل لم يلمح إلى أي إجراءات انتقامية بما في ذلك العسكرية، من قبل فرنسا ضد النظام السوري إذا تأكدت هذه الهجمات بالكلور.
وفيما لفت المراقبون إلى الهجوم الذي شنه لودريان على تركيا وإيران في سوريا مطالبا بخروج قواتهما، أشاروا في نفس الوقت إلى أن الوزير الفرنسي لم يتطرق إلى الوجود العسكري الروسي والأميركي، كما وجود قواعد عسكرية للبلدين فوق الأراضي السورية.
ورأى هؤلاء أن موقف باريس يوحي بأن فرنسا تميل إلى صيغة تضمن توافقا أميركيا روسيا أوروبيا يفرض تسوية في سوريا تتأسس على قاعدة انسحاب تركيا وإيران من الأراضي السورية.
لكن دبلوماسيين أوروبيين قالوا إن باريس لا تغفل أن فرنسا وأوروبا تأخرتا في فرض خياراتهما بشأن المسألة السورية، وأن واشنطن وموسكو وطهران وأنقرة فرضت أمرا واقعا في سوريا لا يمكن تجاوزه.
وأضافوا أن فرنسا استنتجت جمود الحل السوري وغياب التفاهم بين موسكو وواشنطن، وازدياد التناقض بين تركيا وإيران، لتتقدم باتجاه استكشاف دور أوروبي تقوده فرنسا بات ضروريا من أجل التسوية في سوريا.
وكان ماكرون قد طوّر موقف بلاده بشأن إيران حين أعلن، في الخريف الماضي من مقر الأمم المتحدة في نيويورك، أن الاتفاق النووي مع إيران لم يعد كافيا، داعيا إلى آلية جديدة لمراقبة البرنامج الإيراني للصواريخ الباليستية كما ممارسة أقصى الضغوط لإجبار طهران على تغيير سلوكها في الشرق الأوسط.
وردت طهران منتقدة موقف ماكرون، وهو ما أجّل زيارة كان من المزمع أن يقوم بها وزير الخارجية الفرنسي في ديسمبر الماضي إلى طهران للتحضير لزيارة ماكرون لاحقا.
ومن المقرر أن يصل لودريان إلى طهران في 5 مارس المقبل لإجراء محادثات بشأن برنامج إيران للصواريخ الباليستية واتفاقها النووي مع قوى عالمية ودورها في المنطقة، في وقت تمارس فيه الولايات المتحدة ضغوطا على حلفائها الأوروبيين لتشديد موقفهم من إيران.
ويبدو أن تصريحات وزير الخارجية الفرنسي حيال تركيا تعبر عن خلاف بين باريس وأنقرة لم تستطع زيارة أردوغان لباريس الشهر الماضي تبديده، واستمر عبر سياسة إعلامية هجومية قادتها وكالة أنباء الأناضول تجاه فرنسا طوال الفترة الماضية.
العرب اللندنية