بغداد – حصل رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي على دفعة سياسية كبيرة، في الكويت، التي احتضنت على مدى 3 أيام مؤتمرا لإعادة إعمار العراق، إذ جاءت مخرجات اليوم الأخير عامرة بالتعهدات العربية والدولية، التي قاربت الـ30 مليار دولار.
لكن مراقبين تابعوا أشغال المؤتمر، حذروا من مبالغة رئيس الوزراء العراقي في التفاؤل حيال الوعود التي تم الإعلان عنها، مشيرين إلى أن جهات دولية كثيرة سبق أن تعهدت بتقديم أرقام كبيرة لفائدة العراق في مؤتمرات عقدت بمدريد وطوكيو وبروكسل وعمان، لكن تعهداتها ظلت مجرد وعود بسبب عدم استقرار العراق منذ غزو 2003.
وبموجب البيانات الرسمية، تعهدت العديد من الدول خلال مؤتمر الكويت، بتقديم معونات مالية مباشرة ودعم استثماري وقروض ميسرة للعراق، في إطار التزامها تجاه هذا البلد الذي خرج للتو من حرب طاحنة ضد تنظيم داعش، خلفت خرابا كبيرا في البنى التحتية والخاصة والملايين من النازحين.
وكاد مؤتمر الكويت يتحول إلى كابوس للعبادي، عندما انتهى يومه الأول والثاني بلا نتائج تذكر، سوى تبرعات من منظمات إنسانية عربية وأجنبية، بلغ مجموعها نحو 400 مليون دولار.
وقياسا بخطط العراق المعلقة على هذا المؤتمر، التي توقعت الحصول على نحو 100 مليار دولار، فإن اليوم الأول والثاني شكلا خيبة أمل كبيرة لبغداد.
لكن اليوم الثالث خرق سقوف التوقعات، وشهد الإعلان عن تعهدات مالية واستثمارية بقيمة نحو 30 مليار دولار.
وجاء أول الإعلانات من الولايات المتحدة الأميركية، التي وقعت مع بغداد مذكرة تفاهم لتمويل مشاريع بقيمة 3 مليارات دولار داخل العراق.
ولم تتكشف تفاصيل واضحة عن ظروف الإعلان الأميركي، لكن مصادر في بغداد قالت لـ”العرب” إن الولايات المتحدة أبلغت بغداد باستعدادها لتمويل مشاريع داخل العراق في قطاعات مختلفة أبرزها النقل، بقيمة 3 مليارات دولار شرط أن تنفذ من قبل شركات أميركية.
وبالنسبة لمناهضي المؤتمر، فإن هذا الاستثمار الأميركي يعود بالفائدة على شركات الولايات المتحدة، وليس على العراق.
رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي وعد المانحين في الكويت بالعمل على إحداث تغييرات جذرية في قوانين الاستثمار العراقية واتخاذ إجراءات جديدة للسيطرة على الفساد
لكن داعمي المؤتمر يقولون إن الشرط الأميركي المتعلق بالشركات المنفذة، سيضمن تنفيذ المشاريع بلا مخاوف كبيرة من تأثرها بالفساد الإداري والمالي المستشري في أجهزة الدولة العراقية، ما يعني أن نجاحها سيكون مضمونا، لأنها ستنفذ وفق قوانين الاستثمار الأميركية لا العراقية الموصوفة بالتخلف والخضوع للبيروقراطية.
أما التعهد الأكبر، فجاء من تركيا التي قالت إنها ستوفر قروضا ائتمانية للعراق، وتدعم مشاريع للإعمار بقيمة 5 مليارات دولار.
وتعول بغداد على البنك الدولي، أحد الرعاة الرئيسيين لمؤتمر الكويت، ليكون ضامنا للرخص الاستثمارية الكبيرة في العراق، ما يقدم ضمانات مقنعة للمستثمرين.
وتقول مصادر “العرب” في بغداد إن ممثلي البنك الدولي لعبوا دورا كبيرا في إقناع الدول بالاستثمار في العراق، مؤكدين استعدادهم لتقديم الضمانات اللازمة.
وقدمت الكويت مليار دولار للاستثمار، ومثله قروضا ميسرة خلال المؤتمر.
وكان العبادي وعد المانحين في الكويت، بالعمل على إحداث تغييرات جذرية في قوانين الاستثمار العراقية واتخاذ إجراءات جديدة للسيطرة على الفساد.
ويقول خبراء الاقتصاد إن تخلف قوانين الاستثمار في العراق والفساد المستشري في أجهزة الدولة، تحديان بارزان في العراق يهددان أي عملية نهوض اقتصادي، سواء بالاعتماد على المنح الدولية أو جذب الاستثمارات.
من جهتها، أعلنت السعودية أنها ستمنح العراق مليار دولار لدعم عمليات إعمار المناطق التي دمرتها الحرب على داعش، فيما ستخصص نصف مليار دولار لتوفير تسهيلات تتعلق بالصادرات بين البلدين.
وقالت الإمارات إنها ستضيف نصف مليار دولار إلى تخصيصات مالية بقيمة 5 مليارات ونصف المليار، موجهة أساسا نحو مشروعين عملاقين في العراق، أحدهما في البصرة والآخر في بغداد.
وجاءت وعود كثيرة أخرى، أبرزها من قطر وإيطاليا وكوريا الجنوبية، فيما تخلفت دول كبرى، مثل روسيا والصين، عن المشاركة في تعهدات المانحين والمستثمرين.
ويقول مراقبون إن التغيير الجوهري الذي طرأ على نتائج المؤتمر، للتحول من منح غير مشروطة إلى استثمارات وقروض، ربما يشكل حافزا إضافيا لحكومة العبادي كي تجري المزيد من الإصلاحات في أجهزة الدولة الاقتصادية والمالية.
ويعتقد المراقبون أن “نتائج هذا المؤتمر تتعدى العوائد المالية، إذ مثلت اعترافا بتجربة هذا البلد ودوره الرائد في مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، ما أنتج التزاما دوليا واضحا إزاء احتياجاته”.
في المقابل، أكد المؤتمر للمسؤولين العراقيين، على حد وصف سياسي شيعي في بغداد، أن “الدول المانحة ليست منظمات خيرية غبية، ولن تمنح الأموال للعراق بلا مقابل، كي تضيع بين شبكات الفساد”.
وقال هذا السياسي لـ”العرب”، إن “على العبادي أن يتعلم من هذا المؤتمر ويدرك أن مطالب الدول المانحة بإجراء إصلاحات حقيقية في جهاز الدولة الفاسد، ستعود بالفائدة على العراق أولا وستعزز ثقة العالم به”.
ويقول مراقبون إن نتائج اليوم الثالث من المؤتمر، ستمنح العبادي زخما سياسيا كبيرا، يساعده خلال حملته الدعائية، استعدادا لاستحقاق الانتخابات المقرر في 12 مايو.
العرب اللندنية