بتسرّعه المعهود، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب السبت أن المهمة في سوريا أنجزت بالكامل، مما يعني أنه لا ينوي شن المزيد من الغارات ضد قوات الرئيس السوري بشار الأسد.
كلام ترمب جاء بعد ساعات من تنفيذ القوات الأميركية والفرنسية والبريطانية غارات ضد ثلاثة مواقع يعتقد بأنها ذات صلة بأسلحة كيميائية يُتهم نظام الأسد باستخدامها لقمع شعبه منذ أكثر من سبع سنوات.
هذه الغارات المنسقة جاءت ردا على اتهام النظام السوري بضرب مدينة دوما بالغوطة الشرقية بالأسلحة الكيميائية قبل أسبوع؛ مما أدى حينها إلى مقتل عشرات المدنيين، ومعظمهم من النساء والأطفال.
ولكن “ساحة تويتر” التي يتواجد بها الرئيس الأميركي على الدوام تختلف كليا عن الميدان السوري؛ حيث تشير المعطيات إلى أن الضربات لم تشل قدرات النظام السوي، ولم تؤثر حتى على معنوياته.
وحتى الحين، طحنت الحرب معظم المدن السورية، وأدوت بحياة نحو نصف مليون شخص، وأجبرت ستة ملايين على الهروب من ديارهم والسير في دروب العوز والضياع نحو الجوار وأوروبا وأدغال أفريقيا.
وما دامت نكبة السوريين بهذا الحجم، فإن الانتصار لهم يتطلب أكثر من ضرب ثلاثة أهداف لم تتضح حقيقتها ولا طبيعة الأضرار التي لحقت بها.
وبما أن مراكز قوات النظام السوري لا تغيب عن عيْن أميركا، فإن تفادي ضربها يشير إلى أن ترمب لا يرغب في إلحاق الأذى بالأسد، بقدر ما يهمه توظيف الحدث في أزماته الشخصية الكثيرة، وكسْب نقاط قوة في خلافه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولكن من دون استفزازه في الميدان.
بنود تفاوض
ووفق تحليلات أميركية كثيرة، فإن الغارات الغربية لم تحقق سوى هدف واحد؛ وهو أنها نجحت في عدم استفزاز القوات الروسية في سوريا، مما يبعد خطر التصعيد بين موسكو وواشنطن.
وخلافا للتهديد والوعيد اللذين واظب عليهما ترمب في الأيام القليلة الماضية، فإن المهمة كانت صفرية بامتياز، وأكسبت نظام الأسد زخما معنويا جديدا.
هذا الفشل الذي حوله ترمب إلى إنجاز كامل، عكسته تصريحات رئيسة الوزراء بريطانيا بالقول إن الغارات لا تهدف إلى التورط في الحرب الأهلية بسوريا ولا إسقاط نظام الأسد.
وكذلك، أوضح وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان أن الضربات التي شنتها قوات بلاده لم تستهدف حلفاء سوريا. في إشارة إلى روسيا وربما إيران وحزب الله.
كل ذلك يشير إلى أن الغرب أراد فقط دعم موقفه في التفاوض مع موسكو في قضايا كثيرة، بينها أوكرانيا وتسميم الجواسيس في شوارع بريطانيا.
وعلى هذا النحو، صرح البنتاغون قائلا “إن ضرباتنا لا تستهدف تغيير نظام الأسد بل ردعه عن استخدام السلاح الكيميائي”.
وحتى قضية الردع أيضا تبدو ضربا من الاستهزاء بالرأي العام العالمي، وبالسوريين على نحو خاص، لأن أميركا لم توجه ضربة موجعة للنظام.
ويبدو أن الضربات حفزت أنصار الأسد على تجديد دعمهم لهم، في حين يتمدد التخاذل بين من سموا أنفسهم يوما أصدقاء الشعب السوري فتنكروا لتضحياته حتى استسلم الثوار في الجبهات تحت ضراوة الجوع والحصار.
وشدد الرئيس الإيراني حسن روحاني على أن طهران ستستمر في الوقوف إلى جانب سوريا، كما اعتبر بوتين أن ضربات الغرب “لها تأثير مدمر على نظام العلاقات الدولية بالكامل”.
الضغط الداخلي
ووفق مراقبين، فإن ترمب أراد من خلال ضرب سوريا تخفيف الضغط الداخلي الناجم عن سلوكه وتهور سياساته، ولكنه حرص أيضا على تفادي الصدام مع الدب الروسي لأسباب شخصية وسياسية قبل أن تكون عسكرية.
ومع أن الجانبين يعملان على تفادي الاشتباك المباشر، فمن المتوقع أن تشجع موسكو وكلاءها على مهاجمة القوات الأميركية بشرق نهر الفرات، وعلى طول الحدود بين سوريا والعراق، وفق الباحثة جنيفر كافاريللا.
وفي تصريحات نقلتها “سي أن أن” تقول كافاريللا إن الشيء الوحيد المؤكد هو أن الضربات الغربية لن تغير الوضعية العسكرية في سوريا ولو بمثقال ذرة، ولن تمنع الأسد من الاستمرار في ذبح شعبه الثائر”.
وفي تعليق نقلته واشنطن بوست يقول الباحث في معهد “أميريكان إنتربرايز” كينيث م. بولاك إنه ما دامت إستراتيجية أميركا هي ترك الأسد في حاله والسماح له بذبح شعبه، فإنه سيظل يفعل ذلك، وربما يستخدم مستقبلا السلاح الكيميائي عبر وكلاء حربيين.
وحسب م. بولاك، فإن الجانب “المغري” في مثل هذه الغارات هو أنها تدفع الأميركيين للشعور بأنهم فعلوا شيئا لمساعدة السوريين، “ولكننا لم نفعل؛ قُتل منهم خمسمئة ألف شخص ولم نحرك ساكنا”.
ويقول المراسل العسكري والدبلوماسي في “بي بي سي” جوناثان ماركوسديفنس إن ترمب يبدو أحيانا أحرص على ضرب النظام القضائي الأميركي من شنّ غارات على بشار الأسد.
ويتجلّى من خلال هذه التحليلات أن ترمب الغارق قانونيا وسياسيا في أزمات داخلية وتبعات التدخل الروسي، أراد من الغارات على سوريا أن يتخفف من أعباء الفضائح التي تحاصره في واشنطن.
المصدر : الجزيرة + وكالات,مواقع إلكترونية